كتبها: محمد الغلوسي: رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام
علاقة بما نشر حول كون رئيس النيابة العامة اصدر تعليماته باحالة جميع تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للداخلية على الشرطة القضائية لانجاز الابحاث القضائية الضرورية ،كما طالب من الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف التي تتوفر على أقسام جرائم المال العام بضرورة تسريع الابحاث في الملفات التي استغرقت وقتا طويلا
وبغض النظر عن الملاحظات القانونية التي يمكن إبداؤها بخصوص ذلك وضمنها ماجاء في المادة 111 من مدونة المحاكم المالية والتي اشرت اليها في تدوينة سابقة بالأمس
وبغض النظر عن ذلك فإن ما نشر لايخلو من اهمية ذلك ان الرأي العام يتطلع فعلا إلى احالة التقارير الرسمية ذات الصلة بالفساد على القضاء لاجراء كافة الابحاث الضرورية وتحريك المتابعات القضائية ضد المتورطين المفترضين في شبهات فساد وتبديد واختلاس المال العام
علاقة بتقارير المجلس الأعلى للحسابات فانه يتوجب الوقوف عند الملاحظات التالية :
هناك جهات وجماعات ومؤسسات ومرافق عمومية ووزارات لم يصدر بشأنها المجلس الأعلى للحسابات اي تقرير لحدود الان رغم الأصوات المرتفعة المطالبة بضرورة اجراء افتحاص شامل لتلك الجهات والمؤسسات والوزارات والتي تدير اموال ضخمة ،بل ان المجلس انجز تقاريره بخصوص بعض الجهات إلا انه لم ينشرها ولم يقم باحالة مايكتسي منها طابعاً جنائيا على رئيس النيابة العامة وهو مايطرح اسئلة مشروعة حول المعاييير التي يعتمدها المجلس من جهة في اجراء الافتحاص لمؤسسة وجماعة وجهة دون اخرى ومن جهة ثانية في احالة بعض التقارير على القضاء دون اخرى ؟
كما ان مدونة المحاكم المالية لاتلزم الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات باحالة تقاريره ذات الصبغة الجنائية على القضاء لمتابعة المتورطين في تبديد واختلاس اموال عمومية
ان تمرير المادة 3 و 7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية سيجعل النيابة العامة لاتستطيع التحرك إلا بناء على طلب جهات اخرى ومنها جهات ادارية تابعة للسلطة التنفيذية (المفتشية العامة للمالية والداخلية )مشفوع بتقارير رسمية منجزة من طرفها
تقارير تبقى الجهة المنجزة لها وحدها صاحبة السلطة التقديرية في تقرير جدوى إحالتها على رئيس النيابة العامة من عدمه ولنا في المادة 111 من مدونة المحاكم المالية خير دليل على ذلك
وقد سبق لوزير العدل والحريات السابق الاستاذ المصطفى الرميد لما كان حينها رئيسا للنيابة العامة أن شكل لجنة مكونة من قضاة يترأسها الاستاذ محمد بنعليلو رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة حاليا ،وهي اللجنة التي اسند لها دراسة تقارير المجلس الأعلى للحسابات واحالة مايكتسي منها طابعا جنائيا على القضاء لتحريك الابحاث والمتابعات القضائية ،توجه اصطدم بتوجه آخر يقوده رئيس المجلس الأعلى للحسابات حينها السيد ادريس جطو وبرلمانيين ينبه وزير العدل والحريات بأن مسعاه مرفوض بعلة ان المادة 111 من مدونة المحاكم المالية تتحدث على ضرورة احالة تلك التقارير من طرف الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات على وزير العدل حينها بصفته رئيسا للنيابة العامة وانه لايحق له التحرك بشكل تلقائي دون حصول تلك الاحالة الرسمية ،لكن وزير العدل والحريات تشبت بنصوص المسطرة الجنائية التي تفرض عليه التحرك ولو تعلق الأمر بوشايات فمابالك وان الأمر يتعلق بتقارير رسمية
وحسم النقاش بسرعة و انتصر لتوجه يرى ان مكافحة الفساد يجب ان تضبط عقاربه بدقة من خلال التقارير التي ستحال على القضاء والتي لا تتحكم في احالتها النيابة العامة بل جهات اخرى خارج جسم القضاء ،واعتبر هذا التوجه ان المادة 111 من مدونة المحاكم المالية هي نص خاص وينظم مجالا بعينه وانه لا مجال للاستدلال بنصوص المسطرة الجنائية !
هي اذن نفس المعركة لاتزال مستمرة ومفتوحة ،لذلك يرى التوجه المستفيد من واقع الفساد والريع والاثراء غير المشروع والذي لامصلحة له في حدوث اختراق او تطور في مجال تخليق الحياة العامة وتحقيق اصلاحات عميقة تجعل البلد يتقدم في مؤشرات التنمية وقادر على مواجهة كل التحديات ،يرى هذا التوجه انه لابد من ضبط المجال بشكل دقيق لا يترك اي مجال “للمشوشين “و “المبتزين “،وهو ما يسعى اليه هذا التوجه من خلال تمرير المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية واغلاق ورش الوقاية من الفساد من خلال تهريب تجريم الاثراء غير المشروع وتضارب المصالح وإقبار اي حديث عن استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد واسترجاع الاموال المنهوبة
محمد الغلوسي