بين إنجاز المرأة المغربية وخيبة الحركة النسائية
بقلم: د: إلهام الوادي أستاذة القانون.
يأتي اليوم الوطني للمرأة المغربية، في العاشر من أكتوبر من كل عام، ليعيد إلى الواجهة سؤالًا مركزيًا: من الذي صنع مكانة المرأة المغربية اليوم؟
هل هي الحركة النسائية التي رفعت الشعارات منذ عقود؟ أم المرأة المغربية نفسها، التي نحتت مسارها بهدوء وثبات داخل المدرسة، والمقاولة، والإدارة، والحقول، والبيوت؟
رغم التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المغرب منذ التسعينيات، ورغم الإصلاحات التشريعية المتلاحقة، فإن واقع الحال يُظهر أن المرأة المغربية هي التي سبقت الخطاب النسوي بخطوات واسعة، مستندة إلى قوة الإرادة، والدعم الأسري، وسياسات الدولة الاجتماعية الجديدة، أكثر مما استندت إلى أدبيات الحركات النسائية التقليدية.
* المرأة المغربية: إنجاز صامت ومسار صلب
تتقدم المرأة المغربية اليوم في مجالات متعددة؛ فهي المعلمة التي تبني الوعي، والطبيبة التي تنقذ الأرواح، والمهندسة التي تشارك في مشاريع البنية التحتية، والفاعلة السياسية التي تحمل همّ الوطن داخل المؤسسات المنتخبة.
لقد أصبحت المرأة المغربية في القرى والمدن على السواء ركيزة حقيقية في التنمية، مساهمةً في الاقتصاد الأسري والوطني دون أن تُرفع باسمها شعارات براقة.
هذا التقدم الملموس لم يكن نتاجًا حصريًا للخطاب النسوي، بل هو ثمرة تحولات اجتماعية وثقافية عميقة، ودعم سياسات الدولة في مجالات التعليم، وتمكين المرأة القروية، والحماية الاجتماعية.
الحركة النسائية بين التشتت والخيبة
في المقابل، تعيش الحركة النسائية المغربية أزمة هوية ومصداقية.
تحوّلت العديد من الجمعيات والمنظمات النسوية إلى فضاءات نخبوية منغلقة، غارقة في الخطابات الإيديولوجية أكثر من انشغالها بقضايا النساء الملموسة.
كما أفرزت السنوات الأخيرة صراعات داخلية وانقسامات فكرية، أضعفت تأثيرها في الرأي العام، وجعلتها تبدو أحيانًا منفصلة عن نبض الشارع.
لقد أصبحت بعض هذه الحركات تُستعمل كورقة ضغط سياسي، أو قناة لتمويل خارجي، بدل أن تكون ضميرًا وطنيًا يُعبّر عن حاجيات النساء في القرى والمناطق المهمشة.
وهكذا، بينما انشغلت الحركة النسائية بالجدل المفاهيمي حول الحريات الفردية والمساواة الشكلية، كانت المرأة المغربية الواقعية تناضل بصمت من أجل التعليم، والكرامة، ولقمة العيش.
* أسباب الخيبة النسائية
تتعدد أسباب خيبة الحركة النسائية في المغرب، ويمكن إجمالها في ثلاثة مستويات:
* الانفصال عن الواقع المجتمعي المحافظ، مما جعل خطابها غير مقبول لدى فئات واسعة من المغاربة.
* الجمود التنظيمي والفكري، حيث لم تجدد الحركات النسائية خطابها ولا نخبها منذ عقدين تقريبًا.
* تسييس الملف النسائي واستخدامه كورقة تفاوض بين الأحزاب والفاعلين، بدل جعله قضية تنمية وطنية شاملة.
– البديل: نحو حركة نسائية وطنية جديدة
آن الأوان لبروز جيل جديد من الحركات النسائية المغربية، منفتحة على الواقع، ومتجذرة في الثقافة الوطنية، تعتمد المقاربة التنموية بدل الإيديولوجية.
هذه الحركة الجديدة يجب أن ترتكز على:
* تمكين المرأة اقتصاديًا عبر المقاولة الاجتماعية والمشاريع الصغيرة.
* دعم التعليم والصحة والحماية الاجتماعية باعتبارها بوابات للتحرر الحقيقي.
* تحصين القيم الأسرية والوطنية كأساس لبناء مجتمع متوازن لا متصارع.
المرأة المغربية اليوم ليست في حاجة إلى من يتحدث باسمها، بل إلى من يصغي إليها.
لقد تجاوزت في واقعها اليومي حدود الخطابات القديمة، وأثبتت أن التحرر لا يُمنح بالشعارات، بل يُصنع بالفعل والإصرار.
وفي هذا اليوم الوطني، يجدر بنا أن نحتفي بالمرأة المغربية الفاعلة، لا بالمشاريع التي فشلت في تمثيلها.
فهي اليوم ليست موضوعًا للنقاش، بل فاعلًا في صناعة مستقبل الوطن.
* مراجع ومصادر يمكن الإشارة إليها:
+ خطابات جلالة الملك محمد السادس حول تمكين المرأة والحماية الاجتماعية. + وثائق الاستراتيجية الوطنية للمساواة والمناصفة أفق 2030 (وزارة التضامن).
+ تقارير المندوبية السامية للتخطيط حول مشاركة النساء في سوق العمل (2023–2024).
+ برنامج الجيل الأخضر وتمكين المرأة القروية (وزارة الفلاحة).
