swiss replica watches
المنهج الموضوعاتي والعلوم الإنسانية أية علاقة؟ – سياسي

المنهج الموضوعاتي والعلوم الإنسانية أية علاقة؟

كان المعنى عبارة عن صورة لا تؤسس لما يوجد داخل النص، وإنما يقوم على أساس التفاعل بين النص والقارئ، أي ذلك المعنى الذي يخلق توترا حسب “إيزر”، والدراسة حول هذا المنهج هي وعي نقدي يسعى إلى إضاءة كل مفاتيح النص. إذن كيف يتم الجمع بين “أبولون” (المضمون، العقل …)؟ و”ديونيزوس” (الشكل – العاطفة – الحب …)؟ كيف نقرأ هذا المفهوم؟ بدلا من البحث عنه، فهو لا يوجد أكثر تطورا من المفاهيم الأخرى، بل إنه يتطور تبعا لسنة التوظيف وقانون الممارسة الإبداعية، لأن التبصر في المفهوم لابد أن يمر عبر المفاهيم الأخرى حسب “باشلار”(1)، والموضوعية حسب “جان بيير ريشار”، لم تتعامل مع المفاهيم النصية، والسردية، والذاتية، والشكلية، والخيالية من الداخل، بل سعت إلى تحديد من الخارج، أي بمقارنتها بالمناهج:

كالسيميولوجيا، والتحليل النفسي، والفينومينولوجي، … وعلمتنا كيف نأخذ الأشياء بأضدادها، أي بالأفقي والعمودي، وهذه التحديدات تشكل مقولة تصنيفية Catégorie Classifictoire، و”دون بيير ريشار” لا ينفي العوامل الداخلية كشرايين سارية في أمعاء الأشياء، والعالم، وإنما ينطلق من خلال لعبة العلاقات الداخلية والخارجية. ومن بين رواد هذا المنهج نذكر على سبيل المثال لا الحصر: “جورج بوليه” G. Poulet.

الذي يعتبر من بين الممارسين الذين خلخلوا النص، وجعلوه لا يركن إلى معنى واحد، بل يكتسي طابعا تأسيسيا سواء من الناحية الأفقية، أو من الناحية الدلالية، ويرى في كتابه “الوعي النقدي”، أن المنهج الموضوعاتي لا يتعلق بخصائص النقد الباشلاري، وتحديدها، لأن قراءة نص من نصوصه لا تأتي مختزلة إلا في وصف لما قد يكون له من فردية. إن “بولي” يحدثنا في كتابه “ظاهرية الوعي النقدي” عن فعل القراءة وعن تجربة من يجد نفسه مباشرا للقراءة”(2). يعمل جاهدا بدراسة الأعمال الأدبية، وما تحمله من إحساس، ووعي بمفهومي: “الزمان والمكان”، وهذا يعني أنه يتجه نحو العمل المنقود لمعرفة وعيه بهذين المفهومين، من هنا تأتي الضرورة إلى معرفة من يتكلم داخل النص؟ وكيف تحس الذات بأنطولوجية الزمن بالمفهوم الهيدجري؟ هل الذات هي التي تتكلم؟ أم ن الناقد هو الذي يتكلم نيابة عن المبدع؟، الأجوبة تبقى غير مختومة، وغير نهائية، ما دام العمل يتجدد بتجدد التفاعل بين النص والقارئ، والناقد والمبدع، فينشأ التوحد بين العمل المنقود، والناقد. لا أن يختار النص قارئه، بل أن التوحد هو الذي يقربنا من طبيعة الإبداع عن طريق الزمن بتحولاته، والمكان بتدرجاته(3)، إن ما يهم الناقد الموضوعاتي ليس هو الصورة المعزولة، ولكن مجموعة موضوعات معينة، بل قد يكون ممكنا الحديث هنا عن بنية، شريطة أن يحصل التفاهم جيدا، لأن مبدأ وحدة الموضوع ذاتي. والوعي هو الذي يجعل منها مجموعة تضمن له هوية مهما كانت التمزقات والتناقضات التي تطبعها. ومما لاشك فإن “جان بيير ريشار” سيقول إن الأمر يتعلق بالبنية الشمولية في دلالتها الذاتية أو الشكل الموجه من المشروع(4)، وهذه النظرية الإجمالية ستبدو ناقصة إذا لم تضف إليها بعدها التيمي، كيف يحتل عمقه، وكيف يتواصل مع القارئ لا لكونه يوجد فحسب في طرف التواصل ذي رؤية أحادية، بل وأيضا لأنه يندمج في لعبة تبعده عن حياته في كل المراحل؟، فالانفراد الجديد الذي مارسه “بولي”، جعله يتجاوز النقد الجامعي الوضعي (Positivisme) الذي يكشف عن إيديولوجيته، وفيما يمكن تسميته بفرضية التشابه والتماثل، لكن جماعة “جان بيير ريشار” تعتبر هذا التطابق هو مجرد وهم، لأن الأدب حسب “رولان بارت” لا ينزل من السماء، ولكن هذا النقد لا يزال يؤمن بفكرة الوحي، أو ربة الفن Lamuse. و”بولي” طرح سؤال: ما معنى أن نقرأ؟ شأنه شأن “رولان بارت” و”جيرار جنيت” و”تودوروف”، لأن الفعل القرائي ينطلق من خلال المفهوم اللساني (وهو الملائمة) التي تعني الوجهة التي ينبغي النظر من خلالها إلى مسألة التيمة، وتحليل عناصرها وسيماتها الإيروسية والدلالية، ويرى “عمر أوكان”: “أن هذا الطابع الإيروسي يتحدد على مستويين:

1) يتمثل في الانطواء والانعزال عن العالم.
2) الإغراء والفراغ واللذة.
وهنا يتساءل “بارت” عن طبيعة اللذة التي تتولد عن القراءة”(5). إن النص يطرح كثيرا من التأويلات حسب “بولي” وقد ساهمت نظرية الزمان والمكان كما قلت، في تأطير العمل الأدبي مما جعل “بيير ريشار” يأخذ بهما من أجل الوصول إلى المقولات الزمانية والمكانية الأولية التي تحدد خصوصية الإبداع(6).
– جان ستاروبنسكي: (J. Starobinski)
يعتبر ستاروبنسكي من بين المبدعين والنقاد الذين تجاوزا النمطية الكلاسيكية التي صاغها الذوق القديم، فراح يبحث عن براهين منهجية في صيغة تقاربية تراعي الجوانب الإبداعية والتلقي، حيث أن النص في نظره لا يكون نصا إلا إذا احتمل التخريجات، وأمست الذات تؤسس أنطولوجيتها من خلال المعنى المطروح، وهذا الموضوع أو المعنى، أو الشكل، أو اللغة، أو التلقي، لا يأخذ شعريته إلا من خلال البعد الرؤيوي، لذا عمل على الربط بين البعد النفسي، والبعد الأدبي، والفني، شأنه في ذلك شأن “لاكان” و”كريستيفا” وغيرهما من المفكرين الذين فتحوا العالم الأدبي وجعلوه يأخذ تنوعاته بواسطة العلاقة الدينامية الجدلية بين الذاتي، والموضوعي، تلك المسألة التي يتعين على “باشلار” أن يجد حلا طالما لا يكتفي بالبعد الوصفي(7)، جان ستاروبنسكي يلح دوما على الترابط العضوي الذي يأخذه النظر، عند العديد من المبدعين كـ “راسيين” و”كورني” و”فلوبير” و”بروست” و”مالارميه” و”روسو” … وهذه (الرؤية) تختلف باختلاف الزوايا الإبداعية، لذا اهتم بالإنتاجات الروائية والقصصية، ومن بين الدراسات التي شدت انتباهي هي دراسته الرواية لروسو التي تحمل العنوان التالي (هلويز الجديدة) وكذا سيرته الذاتية “الاعترافات” Les confusions (1765 – 1770).

وفي المقدمة أبرز كل النتاجات التي يتضمنها فكر روسو، ومن تم انتقل إلى دراسة المتون الأخرى جاعلا الداخل هو “الجوهري، رغم أن الخارج لا يمكن إلغاؤه، بل يفرض نفسه في كل لحظة، لأن روسو مرتبط أشد الارتباط بالواقع بكل تناقضاته وانعراجاته فالتجأ إلى قراءة تعيد الكشف عن تلك الرموز والأفكار التي تتسطر وفق فكر “روسو” بكونها قراءة داخلية لأن الذات المبدعة لا يمكن فصلها عن العالم التي تتوجد داخله”(8). فجان ستاروبنسكي عمل على بناء رؤية كلية، عارضا براعته اللغوية، والفكرية وجاعلا من الذات المبدعة عتبة صالحا للدراسة الرمزية، والدلالية، وذلك على أن يكون التحليل محايثا للنص من أجل إبراز موقف كاتبه اتجاه العالم الذي يواجهه.
“جان ستاروبنسكي” يبرهن من خلال موقع الذات في العالم وموقفها من الجنس الأدبي، لأن المبدع لا يصير مبدعا حتى يبتكر رؤية جديدة مبنية على بعد خيالي، ورمزي وبواسطتها يجاوز الأخيلة السقيمة والبراثينة القديمة، من هنا نقول لماذا نعجز على تحقيق إبستمولوجيا التأويل حسب “ريكور” Ricoeur هل الخلل فينا أم في النص؟ لذا ينبغي العمل على إبراز النص من خلفية ظاهرية، ومن الموقع الجمالي والشكلي، باعتباره وصفا لشيء غير معطى ثابت، إن هذا الموقع ليس إلا فرشة داخلية تريد أن تبني حقيقتها من الداخل “كبنية”، قبل أن ندفع الذات إلى الانجذاب إلى عالم النص.
انطلاقا من هذه الترسيمة، فالنص يطرح مجموعة من التأويلات التي ساهمت في حفر وجه النص الذي كان يؤمن بالبعد الواحدي، ولكن الاختلاف جعل منه نسيجا من المسكوت عنه بمفهوم “ديكرو” يتعدد ويتنوع بتنوع القراءات من أجل الكشف عن أقنعتها التنكرية التي صاحبتها قرونا ” طويلة، كل ذلك من أجل تأسيسها على ضوء المناهج المعاصرة، ومحاولة “ستاروبنسكي” وجدت الوعي الذي أرهقه التمزق منذ “أفلاطون” و”أرسطو” إلى “تين” و”برونتيير”، طارحا مشروعه كصياغة جديدة ابتداءا من قراءة النص، ومبشرا بمواضعه، وكذا ترسيماته، خياله، مواقعه، علاقته، رؤيته، حلمه وتأويله، وأخيرا موقفه من العالم والإنسان، … ومن الواقع الخارجي، … والأخلاق والقيم والمسافة الجمالية والذاتية … وفي الحقيقة أن هذه العناصر شهدت تحولا على يد “ريشار” من مبحث المعنى(9)، إلى مبحث الحقيقة. والتحول من مبحث الحقيقة إلى مبحث الحلم والخيال والموقف. ويتحقق المبحث نقديا لا دوغمائية، ويتسلط الإحساس – العمق – الرؤية – الخيال على حداثة النص. فيظل يترصد تسرب الأنا مع ما يلازم ذلك من الحذر.
ولعل هذا التجذر في المسار الإبداعي ومعرفة انزلاقاته الميتافيزيقية يفسر لنا ما طرأ على سؤال الإبداع من التغيرات.
– ميشيل مانسي Michel Mansy
إن قراءة النص هي قراءة للذاتية التي تبني التيمة والخيال والواقع والإنسان والوجود والزمن والمكان، وبساطة فهمنا للنص تحتمه تراكمات المناهج التي ما تزال تضيق الخناق عن الذات المبدعة، لذا رأى “مانسي” Mansy أن الجوانب الخارجية تفعل فعلها في الذات المتلقية، وتصنع الذات المبدعة، حيث تجعله إما أسير اللحظة الإبداعية، وإما حرا أثناء التأويل، من هنا نستشف أن “مانسي” يخرج عن ثلاثة حقول:
1) الحقل الأول: حياة المبدع هي التي تحدد نوعية الخيال الموظف.
2) دراسات النصوص المنقودة لمعرفة العوامل الخارجية وعلاقتها بالذات المبدعة.
3) موقع الذات في العالم وموقفها منه ومعرفة الصور المهيمنة حسب مفهوم “جاكبسون”(10)، والقارئ في بعض كتبه (كالشكل والدالية) ed. j. corti 1962 (Forme et signfiants) وكذا دراسات حول المتخيل الحياتي) نفس النشار ص: 42 – 43 – 44 – 48.
(Etude sur l’imagination de la vie)
وفي هذا الكتاب عمل على مساءلة المتخيل وتدرجاته الحياتية، جاعلا منه صورة متعددة بتعدد العوامل الخارجية والداخلية، وأن الباحث في تعامله مع الذات، لم يكن تعاملا تحيينيا Conotation بل عمل على فهم عنصر اللغة أولا، والعلاقة التي تشكلها انطلاقا من الدلالة (Signifiance) ثانيا وكذا من القيمة الجمالية. إن ذلك يتأتى لكي يحدد واقع العالم الخارجي، والما وراء لغوي، ودفع المفهوم إلى حده الأقصى مثل “الإنسان، الخيال، الشكل، والحياة”(11)، باعتبارهما أنظمة تتحدد بعلاقتهما الداخلية حيث يؤدي إلى ربط “الذات بالمجرد والمحمول، هناك إذن: منطق داخلي في تطور فن رسم الذات كيف تتعاقب في شروطها الاجتماعية، والنفسية، وبنفس الشكل، نلاحظ منطقيا أن الذات كتجلي داخلي للطابع الروحي Sperituel”(12) وكذات خارجية، ومادية، وعبر الداخل والخارج تأخذ الذات موقعها وعلاقتها بالآخرين، فتكتسب معناها الحقيقي إذا ما نظرنا إليها في ضوء التحولات الإبداعية العالمية والإنسانية. التي تؤدي إلى تدعيمها باستمرار وعبر مراحل تاريخية مختلفة، يقول “مانسي”: “إن المجتمع ليس محددا تحديدا نهائيا إنه في عملية تشكل مستمر”(13).
ميشيل غيومار (Michel Guiomar):
على الرغم من عدم الاهتمام به من طرف الباحثين، فإنه عمل على إضاءة المعنى الداخلي، أملا في الحصول على البنية العميقة للخيال، دون الاهتمام بالسرد (Narration)، بل الحدث () والعمق (évenement)، ولا بالاحتفال المتزايد بالسيرة الذاتية (Essence) كما عند جاك لوكوف (La biographie romoncée)(14)، ولا بعلامات السلطة، بل سعى إلى تحديد الرؤية الأولية التي ساهمت في إبداع الذات الأخرى وهذه الصور الأولية لابد أن تكون مشروطة بمعارف المبدع وتجاربه وحتى بموقفه العام، فالمشابهات التي يستعيرها المبدع مثلا “جيونو” من الحيوان والحياة الفلاحية، وكذا “بروست” من العلوم، و”هيكو” في قصيدته Booz endormi، ورواية لـ “جيونو” (Regani)(15) جعلت “غيومار” يطمح إلى التقاط الحدث المهيمن L’evenement الذي يقف وراء الرؤية الخاصة لطفولتهم، وهذا التأثير الباشلاري سوف ينسحب على كل رواد هذا المنهج منهم “غيومار” الذي استخدم عدة مفاهيم كالوعي باعتباره منطقة لازمنية ولا مكانية، حيث يحافظ على كل الجزئيات والكليات التي لم يستطع الوعي أن يحققها على أرضية الواقع، فتبقى الذات تتألم وتجمع كل الكتل المشتتة، آملة في إيجاد نافذة للتغيير والتنفس دون الغرق في الوحل التاريخي اليومي، حيث تغدو الذات غريبة كصالح في ثمود، تبني أحلامها من الرمال في شكل صور فوقية، لكن هذه الدينامية الخيالية سرعان ما تتصادم مع اليومي، والأنا الأعلى، فيأخذ الإبداع مواقعه في شكل نصوص متباعدة، ومتقاربة. من هنا نرى أن “غيومار” لا يخرج عن موقفين:
1) موقفه من النقد التاريخي والمعياري.
2) عشقه للتحليل النفسي بكل مكوناته التحليلية.
فهذين الموقفين هما اللذان جعلا جماعة “تيل كيل” تصنع قطيعة مع العوامل الخارجية لتعرف من يتكلم داخل النص؟، ومن أين تغرف هذه الذات موادها؟، وما الدافع إلى ولادة هذا الجنس؟، وكيف يتم القبض عليه؟، وما موقع اللاشعور كسيرورة داخل السيرنصي؟. و”إيكو” كما قلنا لا يسير مع “بيير ريشار” و”مانسي” و”بولي” و”باشلار” في نفس الخطية الأفقية، بل يرى أن النص ليس هو اللاوعي الشعوري الفرداني – الجماعي أي أنا – النحن -، بل فضاء من الفضاءات البيضاء والفراغات المحتاجة إلى التكملة، حيث يستدعي قارئه كشرط لقدراته وتوليده لتحريك استراتيجية التي تشترك فيها توقعات أفعال الآخر، إذن نطرح السؤال التالي: كيف يختار الموضوعاتي قارئة؟ الجواب حسب إيكو يبقى مفتوحا وغير نهائي، إذ لابد من توفير بعض المقامات الإيقاعية من أجل صياغة سمفونية إبداعية جديدة وهذه المقامات هي:
– اختيار اللغة.
– اختيار الموسوعية مثل التناص.
– اختيار الإرث المعجمي والأسلوبي.
– اختيار الموضوع المهيمن على الذات (المبدعة)(16). و”إيرز” بدوره ينفي كل المنطلقات النفسية كالتماهي والمشاركة بين عالم النص وعالم القارئ، و”ياوس” يرفض هذا الإلغاء النفسي، ويؤكد على استعدادات القدرة والكفائية بمفهوم “شومسكي” Performance et competence لذا أخذ “ريشار” بهذه الأبعاد الذاتية والباطنية في تحليلاته المختلفة الرؤى.
– جان بول فيبر J. Paul Webrer:
لقد اكتشف في دراساته أن الأعمال الأدبية، والفنية، مهما أوتيت من موضوعية، فإنها تدور حول الذاتية، فهي القلب الذي تنطلق منه الفروع، وهذا القلب يمتاح موارده من مختلف المعارف الإنسانية، والاجتماعية، والطبيعية، والميتولوجية، والتراثية، إذ أن هذه الرموز الثقافية، والميتية، والتاريخية، تحمل بين طياتها أبعادا دلالية، وإحداثية مطلقة، وهذا التوظيف لا يكون بريئا، بل يأتي نتيجة الضغط الخارجي، والداخلي الذي يمارس على الذات، مما يجعلها تدخل في غمار الخلق والإبداع، حتى تولد لنا نصا مملوءا بالصور، وهذه الصور ترتبط بحدث منسي في طفولته حسب “بول فيبر” مثل: “الخبز الحافي، و”الشطار” لمحمد شكري، و”في الطفولة” لبعد المجيد بن جلون … و”جيل الظمأ” لمحمد الحبابي، و”الغريب” لألبير كامو، و”بيروت بيروت” لصنع الله إبراهيم، ويرى حسن عبد الكريم، أن “فيبر” “يشترط ثلاثة شروط وهي حقيقة: 1) اللاوعي 2) أهمية الطفولة 3) الإمكانية في أن يعبر الرمز عن حقيقة قديمة أغفلها المبدع،
وأن الفعل الخلاق L’acte créateur يمكن أن يكون مفهوما بكليته على أنه تموجات لا نهائية لموضوع واحد وبهذا المعنى تكون الكتابة الإبداعية إيقاظا أو تدرجا في التذكر لموضوع غارق في النسيان، ولكنه موضوع واحد”(17). من خلال هذا الطرح عمل “ريشار” على إدماج هذه العناصر التي قال بها “فيبر” في مدونته جاعلا الذات ترتبط بالبعد الطفولي والرمزي وكذا دور الرموز التي أهملها المبدع أثناء تذكره.
– جان بورغو J. Burgos:
لقد اهتم “بورغو” مثل النقاد بالصور المنفلتة من أي تعريف، جاعلا من هذه الصور قاعدة أساسية ومعلمة بنائية في كل تحديد حياتي للمبدع، فالناقد حسب رأيه، عليه أن يستخرج كل الصور من ينابيعها وإعادتها إلى أبعادها الأسطورية، ومن ثم لابد من تتبع مراحل الصور، وتقلباتها لمعرفة انسجامها، وانفساخها، وتحولاتها، لأن الذات المبدعة لا تبني الأشياء من الفراغ، بل لابد من حضور المواد، والوعي، والتجربة في صناعة الصور، لأن الصور تختلف حسب اختلاف الأجناس التعبيرية، وهذا ما قاله في كتابه(18). ومن بين الذين ساهموا في تأسيس هذا المنهج “ألبير بيغان” Albert Béguin في كتابه “الروح الرومانطيقية والحلم”، وكذا “مارسيل ريمون” M. Rymond في كتابه “من بودلير إلى السريالية” De Boudlare au Surréalisme في هذه الكتاب يحاول أن يطرح عدة قضايا منها على الخصوص: قضية النص والبعد النفسي في النصوص، وقضية الرموز وتلقياتها، وموقف الشاعر من العالم، وقضية الصور الموظفة، وقضية الموسوعية التي ينبغي أن يتسلح بها الناقد، وكذا قضية اللغة فهي الأساس في كل عملية إبداعية، لأن السريالية عملت بها على خلق التوازن بين الأنا والعالم والذات لا تكتب فراغها، بل تتحسس الوجود والزمن والإنسان، مما يسمح “للناقد بالعثور من خلالها على الحالة البدئية التي هي مصدر الإبداع”(19).
فالذات بشكل عام تسأل ماذا تعني كلمة: وجود – البدئية – الزمن – المكان والحدث النفسي – الاستنباط، إنها كلمات أنطولوجية ينبغي أن نفكر بالوجود انطلاقا من الأشياء الموجودة. إنها الماهية الأصلية لكل هذه الكلمات، أعني أن الوجود حسب “هيدجر” يسبق كل ما هو موجود، وهو بالوقت ذاته ما يعرض ويكشف الموجود، وأن تعبير “يوجد” لا يعني الكائن، والشيء، إنه اللاكائن والعدم، فالصور البدائية التي نعود إليها من أجل معرفة “حياة المبدع، موقعه، سلطته، هي التي تسمح لنا بمعرفة ما هو كائن في بنية النص، وكيف وظفه، وبأي مقياس يمكن أن نعيد إلى أصله لمعرفة مدى تأثيره في شخصية المبدع ابتداء من السرد، وصولا إلى الذات، وانتهاءا بالمغامرة والعودة البدئية.
فهذه الأسئلة هي عبارة عن محطات سرية استطاع بيير ريشار أن يوظفها توظيفا رابطا بينها وبين التحولات الذاتية الموجودة في النص. فعبر هذا المفقود يستطيع الناقد أن يستنبط كل النواقص والعلل التي يعانيها المبدع في حياته رغم أن النص لا يقول كل شيء.
– غاستون باشلار G. Bachlard:
إذا كان الفلاسفة حتى عهد قريب لا يتحدثون إلا عن الوجود والذات، والإنسان، والتاريخ، فلقد أصبحوا الآن لا يتحدثون إلا عن النفس، والنظام، واللغة، و”غاستون باشلار” مهتم بالبحث عن هذه الأسس المعرفية، والموضوعية، والذاتية، وكذا العقل، والتحليل النفسي، حيث بواسطتها تتعرف الذات عن نفسها، وتاريخها، وجنسها، ووجوديتها، وموضوعيتها، يقول “فوكو” في هذا الصدد: “إن الذات ليست مسؤولة عن تكوين المواضيع، فالموضوع هو الذي يحدد الخطاب، ولا يكون تحديد نظام المواضيع الخاصة بتكون خطابي بواسطة الأشياء، ولا بواسطة الكلمات، بل يجب الآن أن نتعرف بنفس الشكل أن تحديد نظام المنطوقات لن يتم كذلك بواسطة الرجوع إلى ذاتية نفسية”(21). يتضح إذن أن اللغة تهدد الذات بالانهيار باعتبارها مهيمنة عليه وخارجة عنها، وهذا الإقصاء باسم اللغة جعل من هذه الذات المتعالية موضع التساؤل “إن كان الإنسان وجود حقا”(22). و”غاستون باشلار” في بحثه العلمي والأدبي والنفسي، جعل من هذه الذات طبقات ومستويات لفظية وغير لفظية وإيحاءات تدمر كل الضمانات المثالية والمشخصة، وهي إحالة كما يراها “هيدجر” صراع وعرض، وهي المدخل إلى الخلاف، وقد أصبح اللاوعي كحقيقة قردية وجماعية حسب مفهوم “فرويد” و”يونج”، لكن “غاستون باشلار” سار أبعد من ذلك، أي التجأ إلى منطقة الاحتكاك البدئي بالعالم، لأن التحليل النفسي حسب رأيه يبحث في الصور البدئية فيراها مثالية في العناصر الأربعة: الماء، الهواء، النار، التراب، وهي فواعل أساسية في بناء الصور الإدراكية الحسية، فراحت المعرفة تتجلى في مظهر جديد، فهي ولم تعد متمركزة على مستوى التصور والمنظور، بل على مستوى بعد جديد للواقع هو بعد البنية المستقرة”(23). وهذا الفكر الباشلاري يحاول أن يزيح الستار عن اللاوعي قصد لمس اللامتناهي، واللاشعور الباشلاري لم يعد يحدد من الخارج، وإنما بعلاقة من داخل الكائن، أي بمبدأ تنظيمي أولي باطني، لأن الإنسان هو المسؤول عن أفكاره وأعماله، وهو أيضا وهم لأنه ضحية أوهام الأنا الأعلى الذي يقيم حسبما يعتقد “فرويد” أوثق العلاقات وأكثرها حميمية مع الميراث السحيق القدم للفرد الأنا كظاهر لا قوام له ويبدو لنا أن العلوم الإنسانية حسب فوكو “لا توجد إلا حيث هناك عملية كشف اللاشعور وما عاد ممكنا التفكير في أيامنا هذه إلا في فراغ الإنسان”(24).
و”باشلار” في حفره البدئي ربط بين العناصر الأربعة، وبين الصور الشعرية كإبداع فردي، والحقيقة La réalité onirique التي تعيد كافة الأحلام البشرية جمعاء إلى هذه العناصر، أي إلى الفعل “البدئي”، وهذا الفعل هو تكثيف للمعنى النفسي، والانفعالي، حيث يقتضي منا ضرورة البحث الدينامي لهذا الفعل الإبداعي، وكذا عن طبيعة الخيال الذي يصفه يعكس تلك القوى الشجاعة في الإنسان، وبالتالي العمل على تحليل بلاغة هذه اللغة الفنية، والجمالية لبلورة رؤية مغايرة. فدخول الذات إلى العالم الرمزي يؤدي بالضرورة إلى تعددها، بحيث تكون خاضعة للبعد الدالي، وهذا ما تحدث عنه “سيغموند فرويد” في كتابه: “علم النفس المرضي للحياة اليومية” الذي يرى أن اللغة لا يمكن فهمها في إطار الدلالة والتحليل إلا إذا تمفصلت واتخذت بعدين:
1) بعد لغوي واعي.
2) بعد لغوي رمزي.
من هنا نتساءل كيف ينشأ الرمز؟ يرى “لاكان” في (ecris) أن الرمز عبر السيرورات الاستعارية والمجازية متضمن في اللغة، بمعنى أن الرمزي هو وسيلة الذات للتعبير عن الواقعي عبر محفزات الخيالي: “فكل الإشكالات كانت تنصب أساسا على الاتصال الرمزي بالخيالي قصد البناء الواقعي”(25).
والتدرج من الواقعي إلى الخيالي الرمزي يجعل الذات حسب “لاكان” وسيلة تتكلم عبرها اللغة قصد تأسيس كوجيطو جديد “أنا أفكر، حيث لا أوجد، إذن أنا موجود حيث لا أفكر” وبدخول الذات إلى النظام الرمزي، يقع ما يسميه “لاكان” ب “الانشطار” أي انقسامها، لكي تعيد نفسها ضمن اللغة. وإذا كان اللاشعور حسب فرويد يعتمد على التكثيف Condensation، والتحويل Deplacement فإن “لاكان” يعيد صياغتها بواسطة مقولات بلاغية: – استعارة – دال – مدلول … وهذا ما نراه على الشكل التالي:
– التكثيف / دال: يقوم في الحلم بتجميع الصور ثم يعمل على تقنيعها مثل الاستعارة.
– التحويل / اشتغال الدال اللاشعوري وإعطاءه صبغة أخرى مثل المجاز.
و”باشلار” كما قلت، بحث عن الشعرية وجمالية المكان بمختلف أشكاله، كالكوخ – والعش – والأركان – البيت – السقف … فالمكان حسب رأيه هو الذي يخلق الألفة، وفيه نمارس شعائرنا وأحلامنا وخيالنا.
والذكريات والصور تستمد شعريتها من هذه العناصر السالفة الذكر فتأخذ جماليتها وفنيتها، لكن السؤال المطروح: إلى أي حد استطاع أن يلائم بين العلمي والفني؟ وهل عرف نوعا من القطيعة داخل جهازه المفاهيمي؟ فقراءة باشلار تتطلب التريث لأنه يجمع بين مختلف المعارف والمناهج، وما يهمنا نحن منه سوى الجانب الأدبي، لأن الطريق إلى الصور Images والتصورات هي بمثابة وعاء كلي (Concepts)(26)، لخلق اللاإبستيمولوجية في الإبستيمولوجية، والتجاوز والتخطي لكل العناصر الغير القادرة على الاستمرارية، والتي يحددها بمقولة “العوائق”، ويلح “غاستون باشلار” على ضرورة فسح المجال أمام الرموز، والدوال، والإشعارات، والحدوس، باعتبارها عناصر جوهرية في الإبداع. والاستعمال الباشلاري الذي عبره يتسنى للاشعور أن يربط بين خاصية التجاوز، والاحتواء قصد تأسيس توجها آخر لتملك الطبيعة، بهذا المعنى أن لغته الإبستمولوجية تعيد هذا العالم إلى حالته الأصلية. ففي كتابه (La psychanalyse de feu) دشن فيه توجها مغايرا في البحث والممارسة من أجل تأسيس فلسفة الفن، متنقلا من دراسة العلمية إلى الجمالية، معتبرا أن الصور الجمالية، والشعرية، هي بروز مفاجئ على واجهة النفسي، لكنها لم تلقى الاهتمام، ولم تدرس دراسة موضوعية لأن الجاذبية التي تحملها الصور، وذلك البروز المباغث لم يتوصل إليها “المحلل النفسي، ولا الناقد، مما يعيدوها إلى الضغوطات، والقمع الممارس على الذات المبدعة خلال حياته الأولى”(27)، فالمبدع حسب “غاستون باشلار”، نموذج للإنسان المتفوق Surhomme الذي يتخطى الشرط الإنساني العادي، ويخترق جدار الكسموس(28). والصيغة النافية جعلته يركز على بعدين: التجاوز والاحتواء، أي العلمي واللاعلمي، والجمالي، والإبداعي، فالعلمي ينفي المعرفة العامية الساذجة، ولكن دون إزالة أبعادها الجمالية، والخيالية، والتي تؤسس توجها كما قلنا، لتملك الطبيعة، أو لمجابهة “كوسموس”، يعني أن تمتلك العالم كما هو معطى للاستمتاع بحقيقته الخيالية، وانتزاع العلمية من جهة أخرى، و”غاستون باشلار” يؤكد أن المحلل النفسي لا يقدر على تحديد الأنطولوجي لما هو شعري، أي راهنية الصورة الشعرية والجمالية، بل يعتبرها مجرد لغة بسيطة وذات مصدر انفعالي. أما الفينومينولوجي يرى أنها صورة قائمة الذات ولا تكون غائبة، بل تحمل عشقها وعذابها في شكل حوار، دون العودة إلى معاناة الذاتية. وهذا نوع من التسامي الروحاني (Sublimaton Pure) المنفلت من الضغط والرغبة، والذي لا يدرك بالعودة إلى الماضي، بل يستدعي الغوص في أعماق الجمالية، وبالتالي فإن “راهنية الصورة الشعرية هي التي تبحث عن ديناميتها وتبني اكتمالها وهويتها إنها محاولة أنطولوجية التي ينبثق معها الفن ويتشكل في غمرة رحلته ووجوديته”(29)، لذا يمكن القول إن البعد التحققي الفعلي يتشكل عبر الحلم كمجال الانتعاش الخيالي، والشعري، والحلم يتأسس كفعل واع يقظ تصل فيه الصور المتخيلة Image Imaginée اكتمالها الحقيقي كفعل حر ينفلت من الواقعي اليومي، ويؤسس لذاته امتدادات خيالية.
وخلاصة القول فكل أعمال “غاستون باشلار” تهدف إلى استخراج العوائق الإبستمولوجية التي تقف أمام تكوين العقل العلمي من “قبيل المعرفة العامية Connaissance vulgatire، والتي تكون دائما متحركة بحب الاستطلاع، ولا تستطيع أن تبني أي شيء”(30)، “فغاستون باشلار” قلنا في “شعرية الفضاء” و”شعرية حلم اليقضة” كان يمارس التفكير الإبستمولوجي الماورائي، جاعلا من الصورة حدثا نفسيا، تقع في وعي فردي، وفي تجربة الصورة التي تكون بمثابة تبئير للحياة النفسية، فكيف يمكن إذن “لصورة فريدة جدا في بعض الأحيان أن تظهر بوصفها تركيزا لكل الحياة النفسية”(31)؟، فالصورة إذن قبل الفكر، وليست موضوعا، بل هي صورة الصورة التي تتأسس عن طريق حلم اليقضة في شكل تخيل للزمن، إذ تتجلى قوتها ولحظتها في تجربة القراءة على أن تكون هناك لحظات. إن ما يهم “غاستون باشلار” هو أن تقطع صلاتها بالديمومة الرتيبة لترتبط بأعماق الكينونة من أجل إيجاد ما هو أصلي، وهذا لا يتم إلا بواسطة “الخيال المادي، إنه خيال دينامي الذي يربط بين العناصر الأربعة”(32). وهذا الربط لا يطابق الصورة الحرفية، بل يعيد تشويهها وصياغتها من جديد، وهو ما سماه ب “عالم الخيال”، حيث يضعنا في أصل الكينونة ويضعنا الخيال في قلب الطبيعة البشرية حسب مفهوم “عبد الكريم حسن”. وهذه هي القراءة الباشلارية رغم ما تختزنه من عملية وموضوعية، فإنها تفتقر إلى أدوات إجرائية هذا ما قاله “ج. ل كابانيس”: “ونحن نعترف باحتراسنا اتجاه النزعة الباشلارية لغموض مصطلحاتها، فالقول بأحلام اليقظة اللاواعية، والاستناد إلى النموذج المثالي L’archetype “ليونج”، بقدر ما هما وسيلتان لإعطاء الحظوة للإشراق الشعري، هما أيضا وسيلتان للخلط النقدي”(33).
– جان بيير ريشار J. P. R:
يعتبر “جان بيير ريشار” رائدا من رواد النقد الجديد الذين غايروا القراءات الأدبية، سواء من حيث التركيب أو الدلالة، أو من حيث الممارسة النقدية، وهذا الاختلاف المنهجي سنحت لأعماله أن تتبوأ مكانة على الصعيد الأدبي والنقدي، إذ خلخل كل المفاهيم القديمة، جاعلا منها عتبة سفلى من أجل الولوج إلى العالم الممكن، ومعرفة تلك الأخيلة، والصور المنتشرة هنا وهناك، والمتفحص لكتبه المتنوعة سيجد نفسه مشدوها أمام مجموعة من القضايا المعرفية، النفسية والتعبيرية، باعتبارها مدونة مفتوحة على الذات، والإنسان، والعالم، ويمكن اعتبارها أيضا صيغة منهجية من خلالها نعرف كيف استطاع أن ينوع المواضيع لتأخذ براعتها الفكرية التي تنم وتشكل عن قوة شاعرية، وموسوعية، أكثرها تنم عن قوة تبسيطية، وهذه الشاعرية تنطوي على إيقاع نقدي، فيحس القارئ بالشجو، فتتصاعد التيمات من النصوص، كما تتصاعد الأبخرة البيضاء من البحيرة الزرقاء. فتغدو شروعا لا يتعلق بالمراوغة التأويلية، بل تتسم بوعي نقدي، وتحليلي الذي يعترف بإيجابية الأشكال الأدبية، لهذا استفاد من أستاذه “غاستون باشلار” حتى إذ من الصعب التمييز بينهما من الناحية الأدبية، لأن كل واحد منهما يستحضر العمق الذاتي الذي يبني النص بامتدادات متجددة. وهذا ما نراه في كتاباته “الأدب، والإحساس”، و”العالم التخييلي لملارمي”، و”دراسات عن الشعر الحديث”، “شعر وأعماق”، “دراسات عن الرومانسية”، “قراءات مصغرة”. وهذه المتون ستكون مرجعا للموضوعاتية، حيث استطاع “بيير ريشار” أن يقيم تصالحا بين المناهج المتعددة الرؤى، وجعل الذات ترتبط بالبعد النفسي والميتي، والجمالي، والفني، والخيالي، والحدسي، والكينوني، والوجودي، والتأويلي، والمعماري، والبنائي، لأن القيمة الموضوعية “لكل تحليل لا تتحقق إلا بملامسته واستمراريته في التحليلات التي تجاوره أو تتقدم عليه، إن التجانس في نهاية الأمر هو المعيار الوحيد الصالح للموضوعية”(34)، وتبدو قراءة “ريشار” قراءة إشعاعية تريد إبراز المعنى انطلاقا من العلاقة والتصنيف، والانفصام والحسية، وذلك لما تحمله من انقسامات وتعددية في الوسائط Mediation، وكلية في الحضور إلى جانب العناصر الأخرى، يقول في هذا الصدد “إن مجموع الدراسات النقدية التي يتضمنها هذا الكتاب أمست خاضعة كسابقاتها لرغبة مزدوجة، تسعى دوما إلى القراءة التي تنبني على الماهيات اللفظية للآثار الأدبية، وكذلك على الصور الموضوعاتية المتنوعة الغريزية، حيث يبدو من خلالها عالم فريد وخاص “الأنساق”، وإلى جانب هذه التنقيبات يمكنها أن تتأمل وتحاور المشاهد عبر الفهم لكل الصور الحسية، ومنطقها الكامن والخفي”(35). ومهما يكن من أمر فالفعل التيمي هو مبدأ تنظيمي محسوس ودينامي باطني، حيث يسمح للذات أن تتشاكل مع العالم فتأخذ امتدادها الخفي والسحري عبر الزمنية والخطية، حتى تصير الذات المبدعة فاعلة ومنفعلة، وتشكل منطلقا لتحديد التيمة عندها، وهذا ما سنراه في هذه الملاحقة الأدبية الكبرى، والموظفة عبر خيوط شفافة تبرز مسالك هذه التجربة الريشارية، كما تفتح كل المنافذ عبر الحضور المتميز لهذه العناصر والتي من شأنها أن تشكل أرضية للخلق والتطبيق.
– أهم مفاهيم الموضوعاتية:
– مفهوم المعنى / والبعد المقولاتي:
لفهم أهمية المعنى ودورها التركيبي والنظمي، لابد من وضعها في المقولات التصنيفية، فهي لا تقف عند النص، بل تتمدد بتمدد الحوافز، فتشعر الذات بالغربة، والعشق، والعزلة، والموت، مما يجعلها تأخذ عدة معاني: منها الظاهر، والخفي، فالظاهر ينقل عن طريق الخيال، والإحساس الباطني، فتتشكل الأشياء وتتلاحم حتى تصير عنصرا بؤريا لا نعرف ضوابطه إلا عن طريق الكشف والإظهار، وهذا العمق هو الذي يجعلنا نعمق وعينا بالوجود، والزمن، وبالرغبة، ويحمل إضافة جديدة إلى كل قيمة تركيبية من الناحية التصنيفية، والتصنيف الذي تخضع له عناصر المدلول في العمل الأدبي، لابد أن يكون ذا دلالة، وحاضنا لاتجاهات تحدد مسار المعنى، وترتبط مع بعضها في علاقات حسب “عبد الكريم حسن” والمعنى Sens) تعني الاتجاه، والمسار والبعد، وهذه العناصر بدورها تمنح لهذا المعنى اتجاهات ومسالك وذلك بواسطة الخيال الجامح، فتحس بالرغبة والألفة بمفهوم “باشلار”، مما يعطيها أبعادا دلالية، وإنسانية، واجتماعية، لذا فالشاعر مثلا لا يكون شاعرا حتى يستنبط، ويبتكر، ويعقد قرانا مع العالم، والذات، والزمن، والمكان والحركات، الأصوات، والألوان، ويتعالقا حسيا، وعشقا لا متناهي، فيأخذ النص شعريته انطلاقا من مفهوم الحسية.
هكذا سيشكل المعنى غلافا مرئيا للحظة المحسوسة للأصل، ومن ثم للتغير واللانهاية، ويرى عبد الكريم حسن: “إن تصنيف المعنى يقوم على استجوابه، وفي استجوابنا للمعنى لابد أن نطرح كافة التساؤلات الممكنة على مقولاته، وإذا أردنا التطبيق وليكن مستمدا من دراسته لبروست توجب علينا أن نطرح تساؤلات من هذا النوع.
– كيف يتشكل المكان ويكتسب أهمية؟
كيف يختار الجسد البروستي مستقره وسط العديد من الإمكانيات المتاحة، وذلك عبر المقابلة بين المقولات القاعدة Catégories de base كالقريب والبعيد والمغلق والمتفتح …
ما هي الصيغ الخاصة بالزمن البروستي؟ ما هي الأزمنة المحببة عنده، وهل هناك أزمنة حيادية؟ أو جحيمية؟ وكيف تتمفصل هذه الصيغ المتجددة في نسيج العمل الأدبي.
أما على مستوى الحسي: كيف تتوزع الألوان، وكيف تتحدد الحسية نفسها أو كيف تنتظم الأصوات، والحركات والمذاقات؟
وكيف يمكن البلوغ إلى هذه البواطن؟ هل عن طريق الحب، وهل نكتفي بالظاهر دون الباطن؟
هل هذه العناصر كلها هي الشخصية البروستية، أو المالارمية … التي تندمج بالأبعاد: الذهنية، الحسية، الوجودية، النفسية والإيروسية”(36).
وانطلاقا من هذه العناصر، فالمعنى لا يتأسس خارج الذات، فهو مرتبطا بها سواء من الناحية الحسية أو التخييلية، أو الوجودية، أو الدلالية، وعبرها تلغي نفسها في عملية انفتاحها، هنا نتوصل أن لا وجود لمعنى إلا كهروب وانفلات من يد المبدع والقارئ، وذلك لأن التجربة الأساسية حسب “جان بيير ريشار” تبرهن بأن الإبداع نوع من التزحلق الذي يكسر أذرعه، والفجوات المرتبطة ببلاغة الامتلاء، والتخطي، يقول في هذا الصدد: “لقد حاولت أن أهتم، وأركز جهودي على تلك اللحظة الأولية في عملية الإبداع الأدبي، المدة التي يولد فيها هذا العمل، انطلاقا من عملية الصمت الذي يحمله بين طياته، وكذا الوقت الذي يستغرقه في عملية البناء، انطلاقا من الأبعاد الإنسانية والمدة التي يلمح فيها المبدع نفسه وعمله ويقظته الفيزيقية، وكذا معرفة العالم كيف يتشكل، وكيف يأخذ معناه الذي تصفه الذات، وذلك بواسطة اللغة التي تعمل على تشويشه، وإعادته، وإحلاله في لحظة واحدة”(37).
– مفهوم الحسية والعلاقة والتجانس:
إن هذا المفهوم ارتبط بالفلسفة عند “بركسون”، و”نيتشه” و”هوسرل” و”باشلار” حيث إن كل واحد يعيد النظر رابطا بينه وبين الذات، بواسطة وعي ينطوي على مكان التفكير، والتجديد، ولكي يتخذ هذا المفهوم مجموعة من الرغبات لابد من إعادة العين إلى واقعها، وإلى وعيها بالعالم وبنفسها، هذا يعني أننا نمنح للحسية سرها، لكشف العقبة التي لا يمكن اختراقها، لأن الوعي الإبداعي يتعذر عليه الإمساك باللغة العادية، مما يدعونا إلى تطوير الوعي والإحساس الأولي ن أجل العبور إلى المرحلة الثانية، هي المرحلة التي تندمج فيها المقولات الفكرية الدالة عن الداخل والخارج، ويرى “هورسل” أن كلا من الوعي والعالم الخارجي يجسد حقيقة ملموسة، وعندما يتخذ الفكر من العالم موضوعا للتفكير، فإنه يتجه إليه مباشرة، لذلك يصبح من الطبيعي أن نتعرف على الحقيقة من خلال تحديد مضامين الوعي نفسه”(38).
فالمبدع يطور إشكالية الحضور والغياب بما يعقده من مطابقات، وتلاقحات، وفي تطويره لهذه الإشكالية يدفعها إلى خلق فجوات بين التلاؤم، والتنافر، لكي تتعرى “الذات” و”المعني” أمام أعين القراء، ويقول ملارميه: “لكي تكون هذه الذات فاعلة، أعني أن تكون الذات شاملة، وغير ناقصة، يجب عليها أن تفكر بكل حواسها وشعورها، أي بجسدها، مما يسمح للتفكير لمعرفة وحدة إيقاعية كتلك التي تمنحها أوتار العود للجسد، وهو يهتز معها في علبتها الخشبية المفبركة”(39).
وبإمكاننا أن نلاحظ أن هذا المفهوم حسب ريشار لا يكاد يلتفت إلى الجوانب التقنية، وهو فقط مشدود بالعوامل الداخلية ومأخوذ باشتغال الدلالة، كما يمكننا عند قراءة أعمال بعض الشعراء كمالارميه وبودلير وبوفون … ولوركا، ندرك أنها تأخذ طابعها الإيحائي وتتشكل الدوال آخذة فعلها التخييلي حتى تتحول لغتها إلى كلام شعري، وهذه الخاصية يتميز بها “دان بيير ريشار” في نقده العمل المنقود، سواء في سذاجته أو في عمقه، أو في تنظيمه للأفكار حسب مفهوم فايول Fayolle. إن الأهمية الجوهرية التي تحتلها كتبه، جعلتنا نتوصل إلى أن العمل الأدبي هو الكائن الضائع في الفيافي، لا يموقع ذاته في العالم، والواقع إلا بواسطة “الحسية” التي تخترق التدجين، والتسييج، وتغزو كل المواطن لمعرفة العمق، وإبراز الحس الباطني، وهذا ما يبدو لنا من خلاله “أدب وحس” و”بروست والعالم الحسي” و”قراءة مجهرية” (Microlecture)، وهذا الكتاب الأخير رغم شعريته الشفافة، وطبقاته النقدية المتنوعة ابتداءا من صفحة (14 إلى 28) أصبح نصا لا يتغير بل ينتقل من شخصية إلى أخرى، هذا الانتقال يسمح للمعنى بالتصدي للواقع، واللغة، والذات، وكذا الرغبة في التحقق الفعلي”(40). وهذا المعطى الحسي جعل “جون بيير ريشار” لا يتناولها في ذاتها، بل في علاقتها بالخيال، يقول في هذا الصدد “فمن جهة يستند الخيال الشاعري إلى الأشياء المحسوسة، ومن جهة أخرى هناك خيال ينطلق من الفكرة، فالعقل ليس العدو اللذوذ للخيال، ولكنه على العكس من ذلك يشكل اكتماله وقناعته، إن المفاهيم تعيش فينا وتأخذ معناها بالنسبة لنا نحن الذين لا نفكر بها، فشمولية المفهوم لا تمنعه من أن يرتبط بالواقع الصميمي لكل منا وأن يوسم به، إن الفكرة لا تنفصل عن أسسها المتخيلة، إنها بالنسبة لمالارميه موسيقية عذبة شامخة ضاحكة شفافة”(41).
إن ارتباط الحس بالخيال هو ارتباط العقل بالمتخيل، والفكرة بالواقع، والصورة الخام بالصورة في ولادتها، وهذا ما نجده عند “غاستون باشلار” و”هيدجر وبركسون”، و”مايرون”(42).
– مفهوم العمق:
إن الاستراتيجية المقترحة في هذا الفرع، لا تجد مصداقيتها إلا على أرضية الإبداع، بحيث يغدو النص المقولاتي ورشة للتشكيل، وحقلا للتفكير، إذ من شأن هذه الأرضية أن يتحقق العمق بالتمفصلات، والآثار النفسية للقراءة حافزا لعملية التحليل التأويل، وقراءة النص هي أولا قراءة تركيبية Syntoxique تقتضي التلقي لعمليات توليد الأشكال – المعنى Formes – sens، كما تؤشر عليها في النصوص مختلفة نقط التمفصل والتعالق، وكما أنها تقتضي إدخال الرموز والأساطير من أجل الكشف الظاهري أو الضمني، يقول “أرغون” في هذا الصدد: “إنني أعتقد من جهتي أننا عندما نفهم تماما، وبطرق ليست بالضرورة، طرق الفهم المعتادة عندما يبدأ الشعري، إن الشعر يجعلني أدرك الحقيقة بطريقة أكثر مباشرة وبنوع من الإيجاز، حيث تفاجئنا المضاءة المكتشفة، إن الإحساس الشعري هو سمة المعرفة التي نصل إليها، والوعي الذي يحرق المراحل”(43). فالشعر في تناقضاته وجدليته، يبني التوازن بين الذات والعالم، وبين الأنا والزمن، والمكان والصورة، وذلك انطلاقا من الفراغ، والبياضات، والنبر، والوقف، والتقاطعات، لذا دعا “جان بيير ريشار” إلى ضبط المعنى في قوالب عميقة لها الدينامية والحيوية، لتكسير تلك القوالب في سبيل البحث الدائم عن رؤية تحريرية للذات المبدعة، وتكثيف عناصرها المكانية، والزمانية، والمادية، يقول “بارت” في هذا الصدد: “إن الدراسة الموضوعية دراسة لحقل تفكك الصورة، على الرغم من أنه تفكك يحمل فيض معنى سلبيا، إنه يعني هنا الإمكانية الثابتة لتبديل وحدة بمجموعة من الوحدات، تحمل مزيجا من القدرة على أسر المعنى، وخيبة الأمل في هذا الأسر، لأن المعنى يفلت منا على الدوام، فالمعنى لا يمكن أن يكتمل لأنه منفتح دوما على وجوه أخرى للموضوع، بهذا يأخذ التفكيك معنى إيجابيا يتمثل في قدرة المعنى على أن يصنع نفسه باستمرار”(44). وانطلاقا من هذه المنظومة القولية، فـ “جان بيير ريشار” كرس جهوده للكشف عن الصور والمركبات الجديدة التي تمثل أصالة المبدع، والتركيب كما يقول “الجشتالتيون”، وإعادة تنظيم بنية الشيء وجعله يحتل مكانا في التفكير، وهذا ما أكده في كتابه: “عن مالارميه” حيث كرس نصوصه للنقد والتأويل، وجعلها مطاوعة للرسم التقليدي المرتبط بالدراسة الأدبية، أي ابتداء من الإنسان إلى الإنتاج، وأخيرا إن شعره وأعلامه المرافعة، وكذا دراسة الصور والأشكال، والوسائل الأدبية، وهذه الفصول الأدبية المرتبطة قد ضبطت هذه الترسيمة الكرونولوجية طارحة بشكل دقيق “الأحلام الحيوية”.
Les rêveries amoureuses والتجربة الليلية L’experience nocture. والدينامية والتوازن والإضاءة، (Dynamismes et equilibres).
من هنا يمكننا أن نقر، أن “جان بيير ريشار” قد تخبط في خضم العديد من التيارات الفكرية، والفنية المتضاربة، مما جعل الموضوعاتية تستقيم مع الاتجاهات المتباينة، والمتنوعة بأدوات تعبيرية شكلت البؤرة الأساسية التي استكملت شروط البحث، وعمق التحليل واستواء في المنهج واحتكام إلى قوة المجادلة والمصدرة”(45).
– مفهوم العلاقة:
يقول “جان بيير ريشار”: “إن من توجهات المنهج الموضوعاتي أن كل ظهور من تمظهرات الموضوع يتجلى في اتجاه الحضور الضمني للظهورات الأخرى، ووراء هذا الحضور الضمني يتجلى في اتجاه منطق التعددية، أي في اتجاه نوع من النموذج البنيوي لكل موضوع أو عنصر محسوس، هنا تتجلى صعوبة المنهج الموضوعاتي، ومتطلباته المنهكة، فالمنطق الفاعل فيه هو منطق المقارنة بين التنويعات وذلك أن أي عنصر من العناصر المدروسة لا يكتسب معناه إلا بالعلاقة مع العناصر مع العناصر الأخرى التي تنتمي إلى حقل واحد”(46). إذن تعتمد دراسة “جان بيير ريشار” على تيمة أساسية يفسر بها العمل المدروس، وهي التيمة التي تتلمس المواقف، والمشاعر، والأفراح التي يحتوي عليها النص سواء في مواجهته مع الذات، أو العالم، أو الطبيعة، وهو ما يؤدي إلى خلق نوع من العلاقة المتعددة، تنافرية، تلاؤمية، تجاوزية، تحاورية، تجانسية، تمفصلية … كل هذه العناصر تنبثق من استنطاق النص من طرف الناقد، وذلك عن طريق الأجناس التخييلية، والبلاغية، والثورية، والاستعارية، والتشبيهية، والمجازية، وباكتسابها القدرة على الإبراز والاكتشاف، تبدو القراءة الموضوعاتية قراءة تلاصقية وتجاذبية حيث تفضي إلى ما تحمله من إحساسات تظهر في المجال الأدبي بمثابة تعازيم تقارب الواقع ولا تمسه، وتلقي عليه ظلالها تضارع في انعكاساتها خدعة المرآة.
– خلاصة:
يبدو من خلال هذا الاستقراء الكلي للموضوعاتية، أن المبدعين والنقاد العرب لم يتعاملوا معها كمنهج بل وظفوا العديد من المفاهيم كالصورة، والمعنى، والاستعارة، والعمق، والدال، والمدلول، والشكل، والمضمون، والتعالق والانفصال … هذه الحالة لا تحدد البعد النظري والتطبيقي، بل تقتصر على شروحات، وحجج، وتبريرات تساعد كل ختم الدائرة المقولاتية دون أن تقدم أي تحديد منهجي.
وهذا القصور أصبح ضرورة ملحة للتفكير في المادة، وفي علاقتها الداخلية، والخارجية، وهياكلها، ومؤسساتها الدلالية، والاجتماعية، والنفسية، من ثم فالتفكير في الموضوعاتية كظاهرة تحليلية إلى جانب الاهتمام بالمادة النصية، والذات، والمجتمع، غدا الموضوع المنوط بالدراسة الشاملة المعمقة في الفكر العربي، هذا الفكر الذي اعتبر ثمرة مجهود إنساني، وعصارة تجربة تاريخية اختزالية لكل الأنماط الحياتية والذاتية، وبالتالي مراحل تطورها في المادة النصية، إلا أنني لن أقتصر على هذا الحكم، بل سأقتحم الساحة الإبداعية، والأدبية العربية لأعرف إلى أي حد برزت الموضوعاتية كموضوع مهيمن في إنتاجات الفكر الإبداعي العربي، بحيث أصبح المنهج بمثابة المصطلح والوظيفة، ومن أهم ما يشغل المبدع والناقد العربي المعاصر خاصة عندما طرحت على الساحة العربية إشكالية “المعن” و”النفس” و”المرجع” و”الذات” و”التاريخ” و”الحداثة” و”العمق” وارتباطها بباقي المفاهيم المعرفية والإنسانية، وكذا إمكانية اعتبار هذا المنهج موجه صوت الذات الفاعلة، وإلى إشكالية الخروج بهذه الذات من حالة الكمون إلى حالة الفعل المعقلن بالمعنى الغربي للكلمة، وبالتالي فالباحث العربي عمل على تسطير هذا المنهج على وثيرة الأدب مستخرجا كل الثنائيات المتحكمة في النص، ومن بين هؤلاء د. “حميد الحميداني” في كتابه: “سحر الموضوع” و”عبد الكريم حسن”: في كتابه: “المنهج الموضوعي” و”سعيد علوش” و”غالي شكري” … وهذا ما سنراه في عملية التطبيق قصد إظهار أو إبراز كل المكونات الفلسفية التي تحكم هذا المنهج.

إنجاز: مختبر اللغة والفكر بفاس
د. الغزيوي بوعلي ودة. بن المداني ليلة

الهوامش:
(1)- G. Bachlard : La philosophie du nom, ed PUF, 1973, P : 22.
وانظر كذلك: حركة النقد الجديد بفرنسا، هاشم صالح، مجلة المعرفة، السنة 18، العدد 207/أيار (مايو) 1979، ص: 71 إلى 81.
(2)- Jorge poulet, La conscience critique corti, Paris 1971, P : 278.
(3)- G. Poulet, Les métophores du cercle, ed Flammarion paris 1979, P : 24 et voir encore léoeuvre de roger Fayolle ed Armand colin coll, U, Paris 1987, P : 187.
(4)- بتر كرايد، عن النقد الموضوعاتي، الترجمة الصديق بوعلام، الثقافة المغربية، ع 6، مارس – أبريل 1992، ص: 26.
(5)- عمر أوكان، لذة النص، أو مغامرة الكتابة عند بارت، إفريقيا الشرق، ص: 24.
(6)- د. عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعاتي نظرية وتطبيق، ط 2، السنة 1996، ص: 18.
(7)- J. Starobinski, L’œil vivant, ed Gallimrd paris 1961, P : 24.
(8)- J. Starobinski, JJ. Rousseau, La transparence et l’obstacle, Gallimard 1975, P : 9.
(9)- J. Starobinski, JJ. Rousseau, La transparence et l’obstacle, PP : 139 – 140 – 141 et voir encore pour l’enrichissement, G. Bremond, Logique du récit, seuil – 1973, PP : 60 – 61.
(10)- هيدجر، رسالة في الإنسانوية، ضمن مسائل III، غاليمار، باريس 1966، ص: 125 بتصرف.
(11)- د. عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعي / نظرية وتطبيق، ط 9، 1996، ص: 20.
(12)- Mechel Mansy, études sur l’imagination, ed j corti, PP : 30 – 31 – 40 – 16 – 20.
(13)- ي – س – ستيبانوف، ما السمائية؟ ترجمة وتقديم قاسم المقداد، المعرفة، ع 235 – 9 – 1981، ص: 64. ولمزيد من التوضيح انظر: (فينوميلوجيا العالم الاجتماعي)
Schutz, A. the phenomenology of the social world Neurth Western University press – 1967, P : 12.
(14)- د. الحسيني السيد، الاتجاهات الفينومينولوجية الحديثة في علم الاجتماع تحليل تنقدي، عالم الفكر، المجلد 25 – العدد 2، 1996، ص: 84.
(15)- Jacques le Goff, comment écrire une biographie aujourd’hui in le débat N° 54 – Mars – Avril 1989, P : 48 – 49.
(16)- ستيفن ألمان، الصور الأدبية بعض الأسئلة المنهجية، ترجمة محمد أنقار ومحمد مشبال، دراسات سيميائية لسانية، ع 4 – 90، ص: 108 – 110.
(17)- Ecco. Umberto : Lector in ibula, 1985, P : 35.
وانظر كذلك مبادئ لعلم النفس للدكتور الغالي أحرشاو، ص: 120.
(18)- د. حسن عبد الكريم، المنهج الموضوعي، ط 2، 1996، ص: 21.
(19)- Jean Burgos : La thématique d’apolinaire herbier bestiaire, colloque d’appolinaire de versovie 1968, P : 25.
(20)- عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعي، ط 2، 1976، ص: 22.
(21)- Mechel FGoucoult : L’archéologie du savoir, ed Gallimard 1969, P : 83.
(22)- Mechel Foucoult : Les mots et les choses ed Gallimard, Paris 1966, P : 331.
(23)- F. G : Les mots et les choses, P : 383.
(24)- روجي غارودي، البنيوية أو فلسفة موت الإنسان، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة 1979، ص: 45.
(25)- J. Lacan : Les écrits techniques de Freud, Seuil 1975 , P : 88.
(26)- G. Bachlard, La poetique de reverie, P. U. F Paris, 1978, P : 47.
(27)- Gastan Bachlard, La philosophie de nom, PUF – Paris 1983, P : 2.
(28)- G. B, La formation de l’esprit scientifique, J. Vrin 1972, P : 23.
(29)- Gastan Bachlard, La philosophie de nom, 1983, P : 2.
(30)- G. B, La formation de l’esprit scientifique, 1972, P : 14.
(31)- G. B, L’espace poétique, PUF – Paris 1975, P : 3 et 10.
(32)- Jean Louis Cabanes, Critique littéraire et sciences humaines, PP 67 – 68 et voir encore, Les chemins actuels de la critique, direction Georges Poulet / 10/18 – 1973, P : 303.
(33)- د. لحميداني حميد، سحر الموضوع، منشورات دراسات سال، 1990، ص: 30.
(34)- عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعي، ط 2، 1996، ص: 88.
(35)- Jean. P : Richard, page paysages (Micro lecture II ed seuil 1984 (voir avant propos).
(36)- عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعي thématique نظرية وتطبيق، ط 2، 1996، ص: 62.
(37)- J. P. Richard, Poésie et profondeur, ed seuil 1955, P : 9.
(38)- روبرت ماجليولا، التناول الظاهري للأدب نظريته ومناهجه، ترجمة عبد الفتاح الديدي، مجلة الفصول، ع: 3 – 81، ص: 183.
(40)- J. P. Richard, L’univers imaginaire de malarmé, P : 18.
(39)- J. P. Richard, Microlecture, ed seuil coll poétique Paris 1999, PP : 7 – 8.
(41)- عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعي، ط 2، 1996، ص: 71.
(42)- محمد وقيدي، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار، مكتبة المعارف، ط 2، 1984، ص: 194 – 195.
(43)- برنار لوشر، “أرغون” ولي الدين السميدي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1979، ص: 185.
(44)- عبد الكريم حسن، المنهج الموضوعي، ط 2، 96، ص: 81.
(45)- Jean Pièrre Richard, Sensation et paysages littéraires, Magazine littéraire N° 345 Juillet – Aout 1996, PP : 96 – 102.
(46)- د. عبد الكريم حسن: المنهج الموضوعي”، ط 2 – 96، ص: 78.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*