swiss replica watches
حينما يبكي اليتيم – سياسي

حينما يبكي اليتيم

فنجان بدون سكر :

بقلم عبدالهادي بريويك

لم يخبرها أحد بوفاة الوالد؛ ولم يعانقها أحد ..فقط بقيت في ركنها تتأمل معاني العويل وترانيم الحزن ..في انتظار توديع أبيها الذي مات دونما سابق إنذار ..بكيت وهي في مقتبل العمر وهي ترى الرجال والفقهاء يرثلون القرآن بأجمل التراثيل..والجيران منشغلون بتقديم العزاء في الخيمة الكبيرة ونساء الحي يقدمن الكسكس للمعزين ..
قالت مع نفسها والدمعة خرجت جفاء من مآقيها ..لماذا رحلت يا أبي وكنت أثق بك منذ حملتني مولودة بين يديك وأنك ستغادرنا الى دار البقاء ونحن في كل الحاجة اليك وليس غيرك رجل يحمينا ..بكت وكان بكاؤها صامتا مثل رصاصات مسدس صامت تبذره في النعش قبل أن تصيب قلب والدتها ..التي لم تصدق الخبر ..
مرت الأيام والاشهر والسنوات كبرت اليتيمة في جو الاحتفاء والاحتفال في كنف جدها الجندي رحمه الله ومعها اختها الصغيرة في ظل شجرة عائلة وارفة الاغصان محفوفة بالحب والحنان ..
يحل العيد من كل سنة وفي كل سنة تبحث عن صورة شاء القدر أن يخبئها تحت التراب؛ تبحث عن دفء وحنان وقد تمرست مع والدتها الحنون شغف القراءة والعطاء احتراما لقبر أبيها الذي لم ولن يموت في ذاكرتها الطفولية البريئة ..
ستبكي اليتيمة المتيمة بأمها المكافحة من أجل البقاء ..ولا سيما في عاشوراء ..حيث اعتادت استقبال لعبتها المفضلة بشكل مدلل؛ بكت ومرت كل الأعياد فهي لا تنتظر دراهم الغرباء ولا كراسات الوطن ..تنتظر مولدا جديدا لأبيها حتى يخرج من التراب الى الهواء ..
دمعتها فيها نوع من الخوف والجفاء ..ولها رغبة في التحدي والبكاء والعزلة وكأنها تعشق الصمت بكل وفاء ..
حينما بكت اليتيمة واليتم ليس عيبا ..بكت وفي وجدانها الغاز يصعب فهمها وهي تبكي حال وفاء أمها الأرملة رغم العرسان الذين تقدموا لها وحافظت على ذكرى البساطة وكانت للقبر خير وفاء ..وللتضحية رمز الخلود والعطاء..
دمعة اليتيم ليست عابرة ؛ لأن فيها جرح لا يعلمه الا الوسادة التي ينام عليها ليلا وله فيها شوق وحنين وفيها حكايات واقع متنمر يعش على مذهب الذئاب ..
في دمعة اليتامى ..رحلة بين الهوية الأبوية وبين واقع الحافلات والطرقات والحدائق والجيران ..وفيها نوم سحيق لا يعرفه في الدنيا الفقهاء ولا الساسة ولا الأتقياء ..وفيها حلم تشبه ابتسامة مريم العذراء …حينما انجبت عيسى عليه السلام ..وفي دمعتها تلملم لغة الاشقياء ..
أيها الرجل العظيم ..
ماذا لو كنت تعشق الحياة بغير استغلال ..وتعشق الشجرة بلا ظلال ..وتعشق الجبل بلا شلال ..؟؟
دعك من غرائزك المطلقة ..واعتبر اليتيم جزء منك كما لو كانت بنتك أو إبنك ..ومر ممر العابرين ..لعلك بعد قبرك غدا ستجد نفسك من الصالحين.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*