swiss replica watches
درس المهدي بن بركة – سياسي

درس المهدي بن بركة

عبد الغني فوزي
ليس من السهل تاريخيا ، أن يتحول إنسان ما إلى رمز . ولعل هذه الصفة تترسخ من خلال عطاء ما ، في ميدان ما ، عطاء لا يرتهن للآني في محدوديته ؛ بل تراه مشرئبا دوما للمستقبل؛ في ترسيخ للقيم التحررية المعبرة عن تطلعات الإنسان في كل مكان كالديمقراطية والحرية والكرامة … ونعلم أن هذه الأخيرة تتخذ صورا ما ، من داخل سياقاتها التاريخية والسياسية . وبالتالي ، فالديمقراطية كانت وما زالت في المحك في الخمسينات والستينات من القرن السالف، المرحلة التي بزغ فيها نجم المهدي على الأرض وعلا ولو فوق الرصاص …من هذا المنطلق الأكبر ، إني دائم البحث عن الرموز في الثقافة والفكر والسياسة ، بل وفي الحياة اليومية. في المقابل ، يعتبر المهدي بن بركة من بينها أو إحدى العلامات اللامعة والفارقة التي تجذبك ، و إن لم تعايش مرحلته ، إلى اكتشافها ، نظرا لمسار هذا الرجل الدينامي والغاص بالمهام الوطنية والعربية بل والعالمية..
تعرفت على المهدي بن بركة من خلال اطلاعي وكشفي لمنطلقات وإيديولوجية اليسار . وزاد ارتباطي بهذا الرجل أثناء قراءتي للفكر الماركسي والاشتراكي . ومن ثمة ، فهذا الرجل لا يعتبر ملكية خاصة ، بل ميراثا لكل القوى الحية والتواقة للديمقراطية في المغرب وعربيا وعالميا أيضا. إذا حصل ، فنحن في حاجة سياسية لمثل هذا الرجل ، فمن خلاله تحس أن للسياسة معنى وقيمة نبيلة . وهو بذلك يلقن درسا بليغا لممارسات بلا مبادىء ، ولمشهد مشخصن بلا أخلاق ، ولانحرافات سريعة وعلى منحدرات مميتة .
ولعل الذي أثارني أكثر في مسار هذا الرجل ، هو انشغاله الدؤوب بما يؤمن به ، فاقترن عمله بتوق وتطلع شعبه ، بل امتد ذلك لما هو إنساني . باعتباره كان مثابرا في الخمسينات والستينيات من القرن السالف ، كثير التحرك والحركة في النظرية والممارسة بشكل متواز دون ادعاء أو شعاراتية تسوق الناس دون أفق . ليس فقط لتبليغ أفكاره ، بل لدعم الحركات التحررية عربيا وعالميا . وهو بذلك رمز محض للنضال، يقرن المبادىء بما هو ميداني . وفي هذا الصدد كان يلعب دوره الطلائعي دون مكاتب مكيفة ولا كراسي موسمية في التأطير الجماهيري ، معتبرا التعليم كحجر الزاوية في كل مجتمع ، لأهميته في التواصل والتكوين ..
كان الرجل بحق دون مبالغة عاطفية أو مزايدة سياسوية ديناميا ، يقوم بمهام سياسية في إطار مرجعيته ، فكان استمرارا طبيعيا لتربة المقاومة المغربية ، وأن الاستقلال مجرد جسر صغير ينبغي أن يوصل لديمقراطية سليمة وحقيقية . لهذا تضافرت الأيادي الخارجية والداخلية لاغتياله بكيفية غريبة ، تنم عن صدأ المعاول والسلط . وفي المقابل لا يمكن اغتيال فكره كمساحة حرة تسعى للبناء ، عوض التراجع والمراوحة في المفترق . وهو بذلك يلقننا درسا جميعا ، كونه كان يختزل عملا مؤسساتيا في ذاته المتحررة من المنافع والمصلحة الخاصة .
لكن من الملاحظ ، أن الكل يسعى اليوم إلى السطو على ميراثه أو لكل مهديه . دون الأخذ بكل هذا الرجل الذي لم يفقد صلابته وثباته على مبادىء ظل يغذيها بالممارسة الميدانية ، في تناظر خلاق بين الفكرة والميدان . وهو بذلك كان يمارس نقده الذاتي باستمرار ، بسلاسة تنم عن فراسة وخبرة نادرتين .
من يقدر على النقد الذاتي الآن ؟ و أيننا من المهدي بن بركة ؟؟
المهدي بمثابة جرس يفضح الكثير من الممارسات السياسية والحزبية المعطوبة ، من خلال عطاء سياسي يكتسي راهنيته دوما بالنسبة للخطوط والقوى المناهضة التي تعرف شتاتا غريبا .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*