swiss replica watches
تزويج القاصرات وضرورة تقييد الاستثناء في سن الزواج – سياسي

تزويج القاصرات وضرورة تقييد الاستثناء في سن الزواج

تزويج القاصرات
وضرورة تقييد الاستثناء في سن الزواج

سامر أبوالقاسم

بخصوص ظاهرة تزويج القاصرات، وما تثيره من مشاكل في البنية الأسرية، وما تعكسه من اختلال للتوازن في العلاقات والتفاعلات المجتمعية، لن نَمَلَّ في ترديد ما سُقْنَاه من أدلة ـ منذ أن أُثِيرَ نقاشٌ مُسْتَعِرٌ مع بداية هذه الألفية بخصوص موضوع إيجاد الحلول المناسبة لإدماج المرأة في التنمية ـ على أن هذه الظاهرة غير مراعية لشروط وظروف العيش الحالي، التي ينبغي أن تتوازن وتتفادى السقوط فيما نراه من تخريبٍ للبناء الإنساني، ونسفٍ لجهود التربية على القيم ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته.

فبعض البلدان الإسلامية اختار السادسة عشرة كسن للزواج، وبعضها اختار السابعة عشرة، والبعض الآخر اختار الثامنة عشرة، دون أن يثير هذا الاختلاف أي إشكال بخصوص الانضباط لخصوصية الالتزام الشرعي كما هو وارد في المرجعية الفقهية.

وقد تباينت اجتهادات الفقهاء فيما يخص تحديد سن البلوغ في غياب علاماته، حيث ذهب أبو حنيفة إلى القول بأن الذكر بإتمام ثمان عشرة سنة، والأنثى بإتمام سبع عشرة سنة.

وذهب الشافعي إلى القول بإتمام خمس عشرة سنة للذكر والأنثى.

وذهب أحمد بن حنبل إلى القول ببلوغ سنهما خمس عشرة سنة كاملة. في حين ذهب مالك إلى القول بإتمام ثمان عشرة سنة للذكر والأنثى.

دون أن يكون لهذا الاختلاف في التقدير الفقهي أي أثر على مستوى التشكيك في عقيدة هذا الفقيه أو ذاك.

والقول بكون الزواج المبكر في يومنا هذا يشكل ظاهرة وليس قاعدة، يتناسى بأن التشريع لا يهتم بما يشكل قاعدة في السلوك فقط، بل يمتد حتى إلى الظواهر الشاذة، فالسلوك الإجرامي ـ عموما ـ لا يشكل قاعدة في المجتمع المبني على أسس الاستقرار، لكن بالنظر لما لهذا السلوك من خطورة على العلاقات الاجتماعية اهتم به التشريع وجعل له حداًّ وفصَّل فيه القول.

فالسن كوصف منضبط وكمعيار للزواج، لم يكن موضوع نص شرعي من القرآن أو السنة، لذلك ليس هناك ما يفيد تحديد سن الخامسة عشرة حسب ما كان واردا في مدونة الأحوال الشخصية، كما لم يكن هناك ما يمنع شرعا من رفعه إلى سن الثامنة عشرة كما هو وارد في مدونة الأسرة الحالية.

بل إن سن الثامنة عشرة يتماشى مع بعض آراء الفقهاء بما فيهم المذهب المالكي، وهنالك من الحيثيات والاعتبارات الواقعية اليوم ما يدعمه ويبرره.

وقد جاء في الآية السادسة من سورة النساء: «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا…الآية».

وحسب رأي المفسرين، فالآية تشير إلى اختبار اليتامى حتى يبلغوا سن الزواج، كما يضيف المفسرون: “فإن أبصرتم من اليتامى صلاحا في دينهم ومالهم فادفعوا إليهم أموالهم بدون تأخير”.

انطلاقا من الآية ومن رأي المفسرين، نصل إلى أن “البلوغ” وحده غير كاف للتصرف في الأموال أو توقيع عقد، بما في ذلك عقد الزواج.

إذ لا بد من حصول الرشد، وهو الصلاح للدين وإدارة المال، يستوي في ذلك الذكر والأنثى. والصلاح لا يتم إلا بناء على تمييز بواسطة العقل، وهو الذي يؤهل الفرد، وعلى ذلك تنبني أهلية الأداء.

فأهلية الأداء هي صلاحية المُكلَّف لأن تُعتَبر شرعا أقواله وأفعاله، وتترتب عليها أحكامها. فأهلية الأداء تقوم على المسؤولية، التي أساسها في الإنسان التمييز بالعقل، ومدونة الأسرة توجب أن يكون كل من الزوجين عاقلا بالغا خلوا من الموانع الشرعية.

وقد ارتبطت أهلية الأداء في المدونة بالسن، لأن السن مَظَنَّةُ العقل، والأحكام تربط بعلل ظاهرة منضبطة، وقد حددت السن في الثامنة عشرة. فالشخص الذي أَتَمَّ الثمان عشرة سنة اعْتُبِر عاقلا أهلا للأداء، ما لم يوجد عارض من عوارض الأهلية.

إلا أن المدونة تشير إلى إمكانية “ترشيد” القاصر إذا بلغ السابعة عشرة من عمره وأنس الوصي رشده بعد اتخاذ الإجراءات الشرعية، فعن طريق دلالة المنطوق نستنتج أن سن الرشد هو الثامنة عشرة بالنسبة للفتى والفتاة معا، وعن طريق دلالة الإشارة يمكننا استنتاج أن الرشد قد يبدأ مع سن السابعة عشرة عن طريق “الترشيد”.

وبما أن عقد الزواج تترتب عليه أعباء ومسؤوليات، حسب ما هو وارد في تعريف مدونة الأسرة، ولكي تتمكن المرأة من تحمل الأعباء والمسؤوليات يجب أن تكون مُكَلَّفَة ـ مثلها في ذلك مثل الرجل ـ أي ذات أهلية أداء كاملة، وهي ما لا يمكن توفرها إلا بشرطي البلوغ والعقل اللذين قد يكثفهما سن الثامنة عشرة فما فوق، واستثناء سن السابعة عشرة عن طريق الترشيد إن توفرت شروط التماس التمييز لدى القاصر.

والعقل السوي والسليم لا يمكنه إنكار ما للطفل من حقوق على أسرته خصوصا وعلى مجتمعه عموما، على مستوى التربية والمراقبة والتأطير والتوجيه والتأهيل لخوض غمار الحياة، مما يلزم من الإمكانات الصحية والنفسية والعقلية والمادية. لأجل ذلك فسن الثامنة عشرة أنسب للزواج.

فالنقاش الدائر اليوم حول زواج القاصر، والمزايدات التي يعرفها هذا الموضوع، يمكن الخروج منها بهذا المقترح المبني على أن سن الزواج هو الثامنة عشرة للفتى والفتاة كما هو منصوص عليه في مدونة الأسرة الحالية، وإذا ما كان هناك مجال للاستثناء فينبغي ألا يبقى استثناء مطلقا وغير مقيد، بما يمكن أن يسعف من جهة أخرى الاجتهاد القضائي، ومن ثمة فحصر الاستثناء بإتمام سن السابعة عشرة وإقرانه بشروط الحصول على الترشيد هو اجتهاد غير مناف بالبات والمطلق مع ما هو منصوص عليه من أصول وقواعد الاجتهاد الفقهي.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*