swiss replica watches
الحاجة اليوم لإعلام وطني ، جاد وجدي – سياسي

الحاجة اليوم لإعلام وطني ، جاد وجدي

الحاجة اليوم لإعلام وطني ، جاد وجدي
عبد السلام المساوي
المسألة غير هينة ، وغير سهلة ، ويلزمها قليل من الكلام الهادئ والرصين لأن الموضوع ساخن ولا يتحمل تناوله بالنزق الذي يسببه البوليميك والانخراط فيه .
ذلك أنه عندما تقرر وسيلة إعلامية ما ، سواء من خلال مالكها الوحيد او من خلال ملاكها المتعددين ، أن تصبح ناطقة غير رسمية باسم بلد أجنبي ، تقطع خطوة كبرى جدا في الانفصال عن المحيط الوطني الذي نشتغل فيه .
المسألة اختيار ؟ نعم ، والمسألة تندرج في تصور كل واحد للمهنة ، ولارتباطات المهنة ؟ نعم مرة أخرى .

لكنها بالفعل خطوة غير هينة . وفي الغالب الأهم يؤدي المرتبطون هذا الارتباط الأجنبي في نهاية المطاف ثمن هذا الارتباط عندما تعود العلاقات بين البلدان الى سابق عهدها ويجدون أنفسهم على رفين اثنين :
على رف المهنة ، التي لم يعودوا مهتمين بممارستها الا بقدر المصالح المادية والمكتسبات الزائلة التي تسمح لهم بتحقيقها ؛
وعلى رف الوطن ، الذي يشرع في النظر بريبة لمن يؤجر صوته او قلمه ، والكاميرا التي يصور بها لهذا البلد او لذاك .
في الأوقات الحساسة من تاريخ الإنسانية او وقت الحروب أو غيرها يسمى الأمر خيانة عظمى وله عقوبة أكبر من الكبرى ، في الأوقات العادية يمكن تناول الأمر بقليل من برودة النفس ( وفق ما يسمح به المقام الانتماء للوطن الا برودة النفس ) ، ويمكن اعتباره ضريبة من ضرائب هذا التطور الاعلامي الذي نحياه .
سوى أننا ملزمون بقولها : ولاء الصحافي يجب ان يكون لوطنه أولا .

ومهنة الصحافة ليست مهنة عادية . هي تقترب في كثير من تفاصيلها من المهن الحاسة التي يسمح لها بالخروج والتنقل في الحالات الإستثنائية لأنها تمارس دورا يقترب كثيرا من دور الجندية ودور الأمن ودور حماية الوطن في جبهة أخرى هي الجبهة الإعلامية .
البعض ينسى أو يتناسى ، والبعض يبرر اللجوء لمد اليد للأجنبي تحت يافطة مراكز البحث او تمويل المشاريع والدورات التكوينية ، والبعض يعلنها مدوية بشكل واضح ووجه مكشوف ويقول ” لقد بعت والسلام ” ، لكن الأمر يبقى على خطورته الأولى : لا مجال للولاء المزدوج ، ولا ثقة في أصحابه ، تماما مثلما لا ثقة في الذين يضعون على سبيل الاحتياط جنسيات بلدان أخرى ، ويتحدثون لنا عن المغرب وباسم المغرب ، فقط حين تكون الأشياء طيبة لهم ، أما حين البأس فيقولون لنا انهم ليسوا معنا ولم يكونوا معنا ابدا في يوم من الأيام .
للتأمل ليس الا بكل هدوء ، حسبما يسمح به مقام الانتماء للوطن ، وهو مقام لا يتقبل الا قليل الهدوء .
ألحاجة اليوم ماسة لصحافة مواطنة ، جادة وجدية تنقل الأخبار الموثوق منها والصحيحة الى الناس تواكب هذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة العدو بوطنية وبتقدير حقيقين ، تقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان الصحافة . وهم كثر ….فهناك من يصر على أن يظل الوحيد الذي يستفيد من هذا الميدان غير المدر للدخل بالنسبة لأبنائه الأصليين ، الوفير الأرباح بالنسبة لعدد كبير من المتسلطين عليه …
الحقيقة ، التي انكشفت اليوم ، أكدت حاجتنا لإعلام وطني ، مواطن ، قوي ، موجود في كل مكان من المغرب ، متمكن من المهنة وأجناسها وأدواتها ، حرفي التعامل ، سريع التجاوب ، لا يترك لأعداء الوطن ولا للطابور الخامس الفرصة مهما كانت صغيرة لترويج الأكاذيب .
هذا الإعلام نستطيع صنعه وتشجيعه اذا امتلكنا جرأة الإيمان النهائي والتام بأن المعركة الإعلامية تسير مع المعركة السياسية ومعارك الوطن جنبا إلى جنب .
ان الدفاع عن الوطن ، هو أساس وجود الإعلام ، وأن ما عدا هذا الأمر من تنويعات هي أشياء إضافية أو نافلة ، تتوارى الى الخلف حين المعارك الكبرى …وفي اللحظات المصيرية يصبح الإعلام قبل البندقية والطائرة والصاروخ أداة المواجهة الأولى .
هنا _ وهاته يجب قولها بكل بصراحة _ الحكاية الوطنية تختلط في أذهان بعض من يكتشفون الصحافة في الزمن المتأخر والميت من أوقاتهم بالدفاع عن الرواية الرسمية .
لا يستطيع هؤلاء أن يميزوا بين دفاع مستميت عن الوطن ، وعن قضايا الوطن ، وبين الخلاف أو الإختلاف العادي في الأيام العادية حول قضايا محلية يفرقنا تدبيرها ولا نحقق حولها الإجماع ولا نريد لهذا الإجماع أصلا أن يكون لأنها قضايا خلافية ، عكس قضايا الوطن الكبرى.
أن تصرخ بنفس الحماس وبنفس القوم دفاعا عن وطنك ، مثلما يفعل آخرون أثناء الدفاع عن فلسطين أو عن العراق او عن سوريا أو عن ميانمار أو عن مسلمي الروهينغا ، أو ضد رسامي شارلي يبدو أو عن أنصار لهم في بلدان أخرى يعتبرون أنهم ملزمون بمساندتهم ، لا يعني أنك بوق رسمي ، ولا يعني أنك مأجور ولا يعني أنك تتلقى مقابل ما تكتبه من قناعات في هذا الصدد.
قد يكون الأمر فقط دفاعا من جانبك عن وطنك ، لأنك تعتبر هذا الوطن أغلى ما لديك ، وتعتبر الدفاع عنه بوسيلتك وبمهنتك الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تقدمه له في لحظات الضيق والشدة التي يمر منها .
كيف السبيل الى اقناع من لا يقتنعون أصلا بأي شيء ان هذه البديهية على بساطتها قد تكون هي تفسير كل الأشياء ؟
لا ندري ، ولا تكترث كثيرا بطريقة الإقناع هاته ولا حتى بجدواه .

هناك ما هو أهم : هذا الوطن المستهدف من أكثر من جانب ، والذي لا ينتظر من أبنائه الأصليين إلا الوقوف معه دون أي قيد أو شرط ، مثلما تفعل كل الأجناس مع أوطانها ، بكل اختصار ….
قال الملك محمد السادس ، في خطاب لمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء عبارته الشهيرة : ” لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع ، فإما ان يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي ، إذ انتهى وقت إزدواجية المواقف ” .
ينبغي للإعلام أن يكون بمثابة الشاهد داخل المحكمة، حيث يلتزم أن يقول الحق، ولا شيء آخر غير الحق.

وإذا ثبت أنه حاول تضليل العدالة، فمن واجب وصلاحيات القاضي والنيابة العامة متابعته جراء ذلك كما تنص عليه المساطر القانونية المختصة بالموضوع.
لكن بأي معنى يمكن عقد هذه المقارنة؟ إنه ببساطة عندما يتعمد الإعلام قلب الحقائق والإفتراء على الخصوم والأعداء.
نعم، من حق الإعلام أن يعبر عن رأيه المخالف أو حتى المناهض لسياسات بعينها ويكشف الحقائق التي يحاول البعض التستر عليها، لكن ليس من حقه، أخلاقيًا ومهنيًا، امتهان الكذب وتشويه الحقائق، فقط بذريعة أن الخصم والعدو تجوز شيطنته بكل الوسائل، بما في ذلك الكذب والإفتراء.
لست أزعم فرضية حياد الإعلام، لأنها غير ممكنة وغير واقعية، وذلك لأن الإعلام هو للتعبير عن آراء ومواقف متباينة بالتعريف من مختلف القضايا المطروحة على الساحة، إلى جانب القيام بمهمة الإخبار، ونقل المعلومات على أوسع نطاق ممكن، غير أن موضوعية الإعلام ومسؤوليته ينبغي أن تظلا الهدف والغاية في مختلف ظروف العملية الإعلامية.
يمكن الحديث، إلى ما لا نهاية، عن الإعلام المستقل، غير أن هذا لا ينفي أن كل إعلام موجه بهذه الطريقة أو تلك.

هذا ما كان يعبر عنه بأن وسيلة إعلام بعينها هي ” لسان حال ” هذا الحزب أو ذاك.

وهو ما يتم التعبير عنه اليوم ب ” الخط التحريري” لهذه المؤسسة الإعلامية أو تلك. أو باعتباره الجريدة الرسمية أو الوكالة الرسمية لهذه الدولة أو تلك.
هذا واقع الإعلام عمومًا في مختلف دول العالم حيث لا تخلو الممارسة الإعلامية من سدود تمنع تسرب الآراء المخالفة إلى مؤسساتها بطرق مختلفة، بعضها يبدو طبيعيًا لكنها بعضها الآخر فج غليظ إن صح التعبير.
وهذا الأمر الأخير هو واقع الكثير من الإعلام العربي بمختلف تعبيراته المرئية والسمعية والمكتوبة والإلكترونية في الوقت الراهن حيث الإستقطاب على أشده بين الإمبراطوريات الإعلامية التي تسيطر عليها كيانات متخلفة ليست تربطها بالحداثة والمعاصرة كبير علاقة. بل إنها، في معظمها، كيانات فطرية ظهرت على السطح في غفلة من الزمن الحضاري، فنشرت تقاليد الإستعباد في مجال هو بؤرة من بؤر التحرر بامتياز، إلى درجة انها لا تطيق التعبير الحر عن الرأي ولا تعير الكفاءة أي اهتمام.
وهكذا ضاع الإعلام، وضاعت القيم وضاعت المروءة التي ينبغي أن تكون سائدة في ميدان صنع الرأي العام وتنمية ملكة تقويم الأشياء.

يتحدث الجميع عن حرية الرأي وحرية التعبير كأنهما شيء واحد؛ والحال إن البون شاسع بين الأمرين.

ذلك أن الحرية الأولى تكون عادة مبنية على حد أدنى من المعرفة بالموضوع، محور التداول والحوار والتجاذب بين الناس، أي الإلمام بأهم المعطيات التي تسمح بتكوين رأي مستقل منه أو تأييد رأي قائم، تمت بلورته من قبل آخرين على أساس من المعرفة، بينما ليس هناك أي حاجة إلى هذا النوع من المعرفة، بالنسبة لحرية التعبير، التي قد تنحصر في شعور هذا أو ذاك، الذي ليس بحاجة إلى أكثر من ذلك، ليحق له التعبير عنه بكل الحرية الضرورية.
فشعوري بالألم، على سبيل المثال، لا يحتاج إلى معرفة مسبقة بما يعنيه الألم لأعبر عنه بأي طريقة كانت؛ في حين أن الإسهام برأي حول قضية ذات طبيعة موضوعية ومعرفية أو قانونية أو سياسية يتطلب توفري على الحد الأدنى من المعرفة بالقضية لأزعم كوني أمتلك عناصر تسمح بتكوين الرأي فيها، مهما كان هذا الرأي صائبًا أو خاطئًا لأن هذه مسألة مغايرة تمامًا.
كثيرًا ما يتم الخلط في هذه المسألة فيكثر اللغط وتقل المحصلة النهائية من المعرفة والرأي معًا.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*