swiss replica watches
لحسن حداد: مهمة الرجل الأوروبي «التحضيرية»! – سياسي

لحسن حداد: مهمة الرجل الأوروبي «التحضيرية»!

لحسن حداد/ وزير سابق

عضو مجلس المستشارين

ليست النيوكولونيالية إعادة لإنتاج الخطاب الاستعماري فحسب، ولكنها طريقة ممنهجة تقتضي تغليف نفس نزعة محاولة «تحضير شعوب الجنوب» بغلاف القيم الكونية، مثل حقوق الإنسان وقضايا الدمقرطة ودولة الحق والقانون.

لا يعني هذا أن الكثير من دول الجنوب لا تعاني من غياب الحقوق الأساسية وهضم حرية الصحافة، ولكنّ تنصيب «الأوروبيين» أنفسهم أوصياء على هذه القضايا فقط بحكم أنهم «أوروبيون» يطرح أكثر من سؤال حول مدى تجاوز «نزعة التحضير» التي رافقت التوسع الاستعماري في القرون الثلاثة الماضية.
يعطي الأوروبيون لأنفسهم هذا الدور في وقت تتنامى فيه النزعات الشوفينية والشعبوية في بلدانهم، وتتقوى مظاهر العنصرية والتضييق على المهاجرين لدى شعوبهم، ويتم التطبيع مع العنصرية لدى الرأي العام وفي وسائل الإعلام وفي الفضاء العمومي، ويتم ترك المهاجرين في البحر لأسابيع رغم نداءات المنظمات غير الحكومية.

هذا يُعيد إلى الأذهان محاولة تحضير شعوب الجنوب في زمن الاستعمار بموازاة مع وضع أنظمة تفريق عنصرية في البلدان المستعمَرة ونهب خيراتها وإفقار شعوبها وتقتيل أبنائها، بل تهجيرهم في إطار تجارة رقيق مربحة لم تعرف نهايتها إلا في القرن التاسع عشر.
إن «المهمة التحضيرية» التي قال بها الفرنسيون وبرروا بها التوسع الاستعماري خلال فترة الجمهورية الثالثة (1870 – 1940) بُنيت على ثنائيات «الأبيض» و«الأسود»، و«المتوحش» و«المتحضر»، كما بيَّن ذلك مؤرخون أمثال أوليفيي لاكور وميشال فوكو وويليام كوهن وميشال دوشي وغيرهم (انظر مقال بيرنيل لوج وماريون لوكلير «الاقتصاد السياسي في فرنسا والجذور الفكرية للمهمة التحضيرية في أفريقيا» في مجلة «القرن الثامن عشر» الفرنسية، 2011 – 2012. الرقم 44. ص117).
ضرورة التحضير هو مثل أعلى للجمهورية وللقيم التي بُنيت عليها الثورة الفرنسية، ولهذا فهو يأخذ بعداً كونياً حين تتم ترجمته إلى ضرورة تحضير الآخر (نفس المقال، ص117). «التحضير» كما تم تنفيذه في المشروع الاستعماري حدث عبر السيف والكتاب، عبر السلطة والفكر، عبر تراتبية قيمية جعلت مما هو أوروبي نموذجاً أعلى، وما هو أفريقي سُمْكٌ إثنوغرافي يثير إعجاب الأنثروبولوجيين يتم تتحيفه أو تدجينه أو إبادته.
لكن لماذا نتحدث هنا عن «الرجل الأبيض» وليس فقط عن الإنسان الغربي أو الأوروبي؟ إنها إشارة إلى القصيدة المشهورة «الحمل الثقيل للرجل الأبيض» للشاعر الإنجليزي روديارد كيبلينغ، التي نَظَمَها في
1899 ويدعو فيها الأميركيين إلى السيطرة على الفلبين (في خضمّ الحرب الفليبينية – الأميركية 1899 – 1902). إنها حمْلٌ ثقيل لأن البيض سيقومون بتضحيات جِسام من أجل «تحضير» الشعوب الأخرى غير الأوروبية.

لقد أثَّرت هذه القصيدة بشكل كبير على نقاشات الكونغرس الأميركي آنذاك حول التدخل الأميركي في الفلبين، بل صارت نبراساً لمنظّري الإمبريالية الأميركية لمدة قرن من الزمن، وهي نفس المقولة التي تبناها المحافظون الجدد (بشكل ضمنيّ) إبان رئاسة جورج بوش الابن لتبرير التدخل في العراق والشرق الأوسط برمّته.

الأوروبية، ولكنها تشتغل، وهناك حركية، وهناك تطور، وهناك نقاش.
إن تحقير هذه المؤسسات والضرب بدورها عرض الحائط يعني أنها ليست على مذاق الأوروبيين الثقافي والآيديولوجي.

كأن الديمقراطية إذا لم تكن أوروبية فهي ليست كونية. تداخل الكوني والأوروبي هو فخ يسقط فيه حتى المدافعون عن حقوق الإنسان في دول الجنوب. التقوقع الإثني لأوروبا (والغرب بشكل عام) يجعلها تعد نفسها الأنموذج الأعلى للديمقراطية وحقوق الإنسان.

وحين يتبنى هذا الموقف يساريون وخُضْر ومناهضون للرأسمالية يظهر التناقض بقوة أكثر: «نطالب بالمساواة ولكن من وجهة نظر أوروبية محضة. ما تقومون به أنتم شعوب الجنوب هو دون المثل الأعلى الأوروبي. ولكن لا تكْتَرِثوا. نحن هنا بالمرصاد للأنظمة التي تقمعكم. التحضير من شيمنا منذ قرون».
لقد علَّمنا التاريخ أنه مهما حاول الإنسان الغربي التظاهر بالمساواة واحترام الآخر، فإن طبيعته المتعالية سرعان ما تظهر من حيث لا يحتسب. انظر فقط كيف تعاملت وسائل الإعلام الأوروبية مع المهاجرين الأوكرانيين على أنهم أكثر حضارة من المهاجرين العراقيين والسوريين، أو كيف تهكم نجوم تلفزيون ألمان ودنماركيون على أمهات اللاعبين المغاربة في مونديال قطر وغيرها… نيوكولونيالية فكرية ترى في نمط العيش الأوروبي معياراً كونياً يتم عبره قياس «تقدم» الأمم الأخرى.

عن الشرق الاوسط

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*