بحلول 21 مارس 2023 ستكون قد مرت سنة على الموقف الجديد للدولة الإسبانية من ملف الصحراء، وهو الموقف الذي قضت فيه إسبانيا بالاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي التي سبق أن تقدم بها المغرب للأمم المتحدة لطي النزاع، باعتبارها هي الأساس الوحيد للحل السياسي، كما أعلنت عن دعمها لمجهودات ستافان دي مستورا وفقاً لقرارات مجلس الأمن، التي انتهت في آخر قرار لها بتبني معايير الحل السياسي المغربي، وهي بذلك تكون قد صاغت موقفها من الملف وفقا للتوجه المغربي ورؤيته السياسية، وكذا مع قرارات مجلس الأمن.. لتنضاف إلى سلسلة الدول الأوروبية والغربية التي تبنت مواقف جديدة من الملف داعمة مبادرة الحكم الذاتي.
الموقف الإسباني يرجع لأسباب تاريخية بالأساس باعتبار إسبانيا آخر مستعمرة للصحراء، وأنها ظلت مسجلة لسنوات طوال منذ أن توجه المغرب للأمم المتحدة في لجنته الرابعة، «لجنة تصفية الاستعمار» قصد تصفيتها من الاستعمار الإسباني تزامناً مع خطوة المسيرة الخضراء، تحت اسم «الصحراء الإسبانية»، في دلالة قوية ذات بعد سياسي وقانوني أن منطقة الصحراء لم تكن يوماً تشهد أي تواجد لكيان دولتي خارج التواجد المغربي ثم بعده الإسباني كمُستعمر، على عكس ما يروج له مزيفو التاريخ ومزوروه، ونظراً لهذا المعطى التاريخي فقد كان للقرار الإسباني الجديد نفس الأثر الذي كان للموقف الأمريكي، واعتُبرا معا موقفين مكملين لبعضهما، متكاملين من الناحية السياسية، فالولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة الولاية في كتابة مسودة القرار الذي يعرض لمجلس الأمن للتصويت والمناقشة، وإسبانيا كان لها دائماً ذاك التأثير السياسي في الملف أيضاً التاريخي في المنطقة وفي الملف، اعتباراً لكونها آخر مستعمر للمنطقة، وهي من سلمت الصحراء للمغرب في إطار اتفاقية مدريد، وهي أكثر الدول الغربية التي لها أرشيف يُثبت الارتباط الديني، السياسي، التاريخي والإداري لمنطقة «الصحراء الغربية» بوطنها الأم وبسيادة الإدارة والحكم المغربيين على كامل التراب الإسباني الممتد إلى الكويرة.
بعد مرور سنة على هذا الاعتراف كان الإعلان عن خطوة كبيرة في تزامن ذي دلالة يعكس متانة وقوة العلاقة التي تجمع الملكيتين المغربية والإسبانية، ثم الملك كرئيس للدولة مع رئيس الحكومة الإسبانية باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية الإسبانية، بحيث تزامنت الذكرى الأولى لهذا الاعتراف بإعلان الملك محمد السادس، أثناء الاحتفاء به بجائزة التميز الرياضي لسنة 2022، عن تقديم ملف الترشح المشترك لاحتضان كأس العالم بين المغرب، إسبانيا ثم البرتغال سنة 2030، في خطوة تشير إلى ما أصبحت عليه العلاقة بين البلدين، والتي لولا الحوار الصريح والشجاع الذي قاده الملك، وكان مشرفاً عليه بشكل شخصي مع القيادة الإسبانية لما استطاع البلدان تجاوز عقبة الأزمة التي عاشاها معا، وهي أزمة كانت غير مسبوقة أوقف فيها المغرب كل أشكال التعاون الأمني والقضائي بالإضافة إلى تداعياتها السياسية والاقتصادية على المنطقة المتوسطية، وليس فقط على المغرب وإسبانيا.
إسبانيا التي يُنتظر أن يزور رئيس حكومتها المغرب بعد الدعوة التي وجهها الملك لرئيس حكومتها عقب زيارته الأخيرة للمغرب ضمن وفد اقتصادي وسياسي كبير تُوج بتوقيع اتفاقيات اقتصادية جد مهمة سيكون لها انعكاس إيجابى على رجال ونساء أعمال البلدين وعلى اقتصاديهما، وهي الزيارة التي ستأتي من أجل تعزيز كل فرص التعاون بين الدولتين، سيحظى فيها باستقبال ملكي سيكون وبلاشك بقيمة هذا الموقف الجديد لإسبانيا وسيعكس قوة العلاقة التي تربط اليوم بين البلدين.
المغرب وإسبانيا يقدمان معاً اليوم نموذجاً حياً في شجاعة الحوار لحظات الأزمة، وفي الخروج منها برؤية واضحة نحو المستقبل، بفضل قياداتهما ووضوح المواقف والرؤية والرغبة المشتركة في تجاوز مُسببات الأزمة التي تم طيها، وهي إشارة يبعثها المغرب، بالأساس، لكل الدول التي أدخلت علاقتها معه في نفق شبه مسدود، لا مخرج منه إلا بالحوار وبالاستماع له وتلبية مطالبه العادلة والمشروعة في احترام سيادته الكاملة على ترابه، وفي الإعلان الصادق عن الرغبة في المضي قدماً دون استعلاء وتعال، ودون منطق استعماري تجاوزه التاريخ وشعوب المنطقة، وعلى رأسها الشعب المغربي.