swiss replica watches
الدافري: توظيف الموسيقى الحسانية في فيلم “زنقة كونتاكت” جاء عن جهل وسذاجة والمسؤولية يتحمها المركز السينمائي – سياسي

الدافري: توظيف الموسيقى الحسانية في فيلم “زنقة كونتاكت” جاء عن جهل وسذاجة والمسؤولية يتحمها المركز السينمائي

كتبها: أحمد الدافري

إن إعطاء الرأي حول قضايا تتعلق بالثقافة والفن، يتم انطلاقا من الخلفية الفكرية والثقافية لصاحب الرأي..
ينبغي الاتفاق أن الرأي هو نشاط إعلامي ينطلق من خبر صحيح.

وكل إهمال لعنصر من عناصر الخبر يجعل الرأي فاسدا.
الخبر في قضيتنا هذه، هو أن فيلم زنقة كونتاكت أدرج فيه مخرجه ومنتجوه أغنية لمغنية اسمها مريم منت حسان، توفيت سنة 2015 في تندوف، كانت من دعاة انفصال الصحراء عن مغربها، وكانت تمارس الغناء في إطار بروباغندا البوليساريو، وكانت منظمات حقوقية إسبانية تؤازرها وتفتح لها مجال المشاركة في مهرجانات موسيقية في عدد من بلدان العالم.
الرأي السياسي في هذه المغنية، هو أنها كانت عدوة للمغرب وللمغاربة، وكانت أداة دعائية مسخّرة من النظام الجزائري وصنيعته البوليساريو لترويج أطروحة الانفصال عن طريق الأغنية في المهرجانات الدولية.
بل الأكثر من ذلك أنها كانت بطلة فيلم وثائقي عنوانه “صوت الصحراء” la voz del sahara من إخراج الإسباني مانويل دومينيغيز سنة 2007 . وهو فيلم مدته 55 دقيقة، تم تصويره في تندوف، يعج بخطابات الانفصال وبالادعاءات والمغالطات والكذب، ويروج أن المغرب بلد محتل..
من هنا، أرى أن هذه السيدة كانت من الناحية السياسية عدوة للمغرب، وعدوة لي أنا شخصيا.
الأمر الثاني الذي ينبغي أن نتفق حوله، هو أنه عندما نقرر الانخراط في مشروع فني، نكون إزاء فكرتين اثنتين.
فكرة أولى تتمثل في أنه لا يوجد في الحياة مشروع، مهما كانت طبيعته وكيفما كان نوعه وتخصصه، خارج إطار المنفعة.
أي أن النشاط البشري مرتبط بمصلحة تجلب فائدة مادية أو معنوية أو تجلبهما معا.
وفكرة ثانية تتمثل في أن العمل الفني هو عمل محايد، وغير مطلوب منه أن يكون له موقف من أمور الحياة، بل يكتفي بطرحها.. وهذه الفكرة الثانية في رأيي مخادعة والذين يتبنونها لابد أن تكون لديهم مصلحة ومنفعة في الدفاع عنها.
في حالة السينما، حين ينخرط السينمائي في مشروع ما، فهو يفعل ذلك من منطلق أنه مهني يحترف تخصص السينما، وله في هذه المهنة منفعة مادية، تتمثل في ما يعود عليه من دخل مالي من ممارسته لعمله، أولا، ثم ثانيا في ما يستفيد منه من منفعة معنوية مرتبطة بكينونته الفنية، بصفته صانع فرجة وصانع رأي.
في رأيي، أن صانعي فيلم “زنقة كونتاكت”، مثلهم مثل جميع مهنيي السينما، حين انخرطوا في مشروع الفيلم، كانوا يبحثون عن تحقيق المنفعة، التي سيستفيدون منها هم وغيرهم، بمن فيهم الجمهور المتلقي، باعتبار أن الفيلم السينمائي إن نجح وحقق الانتشار سيجلب المنفعة المعنوية للمتلقي، وهي المنفعة المتمثلة في الفرجة الممتعة، وفي التفاعل الذهني والوجداني مع العناصر الفنية والموضوعاتية للفيلم.
إن العمل السينمائي، مثله مثل الأدب والسياسة والدين، يقوم على خطاب.

وأي خطاب لا يمكن أن يكون محايدا، بل يتم تفكيكه على مستوى التلقي من أجل أخذ موقف. والمواقف لا يمكن أن تكون منفصلة عن السياسة.

لأن السياسة هي النشاط البشري الذي من خلاله يتم تدبير أمور الحياة برمتها.
إن الرأي في الثقافة هو رأي في السياسة، والرأي في الاقتصاد هو رأي في السياسة، والرأي في المجتمع هو رأي في السياسة.. والسينما فنيا، مثلها مثل الرواية أدبيا، لا يمكن فصلها عن السياسة.
ومن ثمة، إن كل عمل سينمائي يفتقد إلى مرجعية ثقافية ذات حمولة سياسية، هو عمل فارغ.
ما حدث في قضيتنا، هو أن صانعي فيلم زنقة كونتاكت، تعاملوا بسذاجة مع هذه المعطيات. لم يبحثوا جيدا في عنصر خطابي في منتهى الأهمية، وهو الخطاب الموسيقي الغنائي. فالبحث الجيد في هذا الخطاب، كان بالتأكيد سيؤدي بهم إلى التعرف على الخلفيات السياسية للمغنية.
إن توظيف أغنية للمغنية الحسانية المذكورة، أرى أنه تم عن جهل بمرجعياتها السياسية، وهنا يكمن الخطأ.
فالزج بمغنية انفصالية في عمل مغربي، لم يكن امرا صائبا، ولم يكن ينبغي أن يتم بطريقة اعتباطية، ولا يُعقل إطلاقا التذرع بأن الاختيار هو اختيار فني محض ومحايد.
لا وجود لحياد في العمل الفني.

الفن هو موقف من الحياة ومن الوجود ومن السياسة والمجتمع والسلوك والأخلاق والقيم. الفن فلسفة ورؤية وتصور يمتزج فيه التيكنيك بالفكر.
غير أن الخطأ الذي ارتكبه صانعو الفيلم، وهو خطأ في نظري حدث عن جهل وليس عن قصد، كان من الممكن تداركه، وتصحيحه، لو قام المركز السينمائي المغربي بالدور المنوط به..
إن المركز السينمائي المغربي مؤسسة تابعة للدولة، له تخصص وصلاحيات.. تخصصه تدبير شؤون السينما في إطار مساطر وقوانين.. وهو المسؤول الأول عن الخطأ الذي لم ينتبه له صانعو فيلم زنقة كونتاكت.

فالفيلم حصل على تأشيرة الخروج إلى القاعات السينمائية، وشاهده الجمهور قبل أن يشارك في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وإن أخطأ الصغير ينبغي على الكبير أن يعيده إلى جادة الصواب،
وأقصد هنا بالصغير صانعي الفيلم، وأقصد بالكبير المؤسسة التي ساهمت في تمويل الفيلم والتي لها موظفون يعاينون الفيلم ويراقبونه قبل منحه التأشيرة.
أمر آخر يحاول البعض بشكل غير بريء أن يدرجه في النقاش، هو فوز فيلم “زنقة كونتاكت” بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
إن مسألة منح الجوائز في إطار لجنة تحكم على عمل فني ليست علما دقيقا بحتا يخضع لمقياس مضبوط، ولا تتم عملية الحكم وكأن الأمر عبارة عن تقييم جودة مكونات وعناصر سلعة مادية استهلاكية بواسطة آلة أو كمبيوتر، قبل أن يتم إخراجها من المعمل إلى السوق..
إن منح الجوائز في مهرجان سينمائي عملية يتكلف بها أعضاء لجنة.

وأعضاء اللجنة يتعاملون مع أفلام المسابقة على أساس أنها كلها حاصلة على تأشيرة، وأنها خضعت لمراقبة المركز السينمائي..
وهنا، نظرا للثقة التي من المفروض أن تكون في كفاءة لجنة المراقبة وإجازة الأفلام في المركز السينمائي المغربي، قد لا ينتبه أعضاء لجنة تحكيم أفلام المهرجان إلى أن مغنية ما في فيلم ما هي مغنية انفصالية، لأنه قد لا تكون لديهم أية معلومة عن هذه المغنية، وقد يحتاجون إلى القيام ببحث لمعرفتها، لكنهم ليسوا ملزمين بالقيام بهذا البحث بعد مشاهدة الفيلم، والذي يجب عليه القيام به هو المركز السينمائي المغربي الذي منح التأشيرة للفيلم.
نحن الآن إزاء حدث، كل جهة تحاول أن تبعد عنها مسؤولية وقوعه، مع وجود جهات معينة تسعى إلى تصفية حساباتها مع لجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم التي ليست مسؤولة عن اختيار الفيلم في المهرجان، وليست هي التي منحته التأشيرة، وليست هي التي وافقت على إنتاجه ومنحته المال.
إن الدخول في نقاش عن كون فيلم زنقة كونتاكت هو فيلم يسيء إلى القضية الوطنية أو إلى الأخلاق أو يطبّع مع المجون والدعارة، يمكن قبوله، وهو نقاش صحي، لا حق لبعض الذين يعتقدون أنهم آلهة السينما في المغرب أن يعتبروه نقاشا نابعا من الرغبة في قتل السينما والإبداع..
هو نقاش صادر عن مجتمع حي متعدد ومتنوع ولا حق فيه لأحد أن يعتبر نفسه أفضل من الآخر.

فانتظارات المغاربة من الفن عموما، تختلف باختلاف فكرهم وأحوالهم الاجتماعية، وانتظارات الأب أو الأم المنشغلين بهموم الأسرة من الفن مثلا، ليست هي انتظارات شخص لم يجرب بعد أن يكون رب أسرة.
لذا، يجب توجيه النقاش في هذه القضية نحو وجهته الصحيحة، وتحميل المسؤولية كاملة لمؤسسة المركز السينمائي في ما حدث، وفي منح الدعم لمشاريع صدامية، تزيد في خلق الشقاق داخل المجتمع، عوض أن تعمل على تقوية البناء الاجتماعي والارتقاء بذوقه وثقافته.
وهذا ما كان.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*