التشكيلي منير بنرقي يجمع بين التشكيل و التصوف في تفكير عن اللانهايات..

التشكيلي منير بنرقي يجمع بين التشكيل و التصوف في تفكير عن اللانهايات..

عرض الفنان منير بنرقي مؤخرا في قاعة محمد الدريسي التابعة للمديرية الجهوية للثقافة بطنجة آخر لوحاته تحت عنوان..مالانهاية..infinite
حيث إختار الفنان التشكيلي منير بنرقي إفتتاح معرضه بمرافقة غنائية وموسيقية للإنشاد الصوفي ،في كلمة إفتتاحية المعرض أكد الفنان منير بنرقي على أهمية ثنائية تأثير أساسية في استلهامه التشكيلي من علاقته بوالديه، أولا من خلال ووالدته التي كانت رفيقته في أولى خربشاته التشكيلية في الصغر .

ولازالت تواكبه بحضورها في إفتتاح هذا المعرض. وثانيا بحضور ذكرى والده الفقيد الذي فارق الحياة قبل سنة و من خلال عمامته الشرقاوية الصفراء التي ارتداها والده الفقيد في عرسه واعاد إرتدائها الفنان التشكيلي في افتتاح معرضه هذا، لمداواة الجرح العميق في ذاته التشكيلية المفكرة بعد رحيل والده المفاجئ قبل سنة، دون أن يغادره ذلك الأثر والتأثر الذي ظل دائما ملازما له وملتزما به في وفاء لروح الفقيد.
الفنان منير بنرقي إشتغل على توظيف الرمل في صياغة عدد من لوحاته ومنحوتاته بهذا المعرض، تأكيدا منه على الانتماء للأرض والتوجه إليها، مبرزا أن فكرة الموت كانت إحدى منطلقاته الفكرية في إبداع معرضه التشكيلي الحالي.

ويمكن التساؤل حقيقة كيف لفكرة الموت أن تكون باعثا على الإبداع بقدر ما تبعث حقيقة على الاستسلام والتوقف، ولكنها بالنسبة لمنير بنرقي آلية متصلة لتفكيره وتواصله غير المنقطع مع روح الوالد وكل الأرواح، فالرمل والأرض أصل وحياة ومنتهى وفناء.

لذلك اهتدى الفنان بنرقي لأهمية التعبير عن فكرته التشكيلية التي عبر عنها من خلال جملة من اللوحات التشكيلية والوجوه النسائية الرملية المنحوتة المغطاة بالحايك الأبيض، بمصاحبة موسيقية غنائية روحية من فرقة المديح والسماع الصوفي بكلمات وأشعار تعبر بألفاظ واضحة عن مراده.

لكنه كفنان تشكيلي لم يجنح فقط لهذا الوضوح الموسيقي والغنائي للتعبير عن إرادته التشكيلية، ولكنه اختار كذلك استعمال الأدوات التجريدية والرمزية كما هو نهجه التشكيلي المفضل، مضبفا إليه أداء فني متميز ومتفرد من خلال الرقص أو “الجذبة الروحية” بلباس أبيض مصمم من قماش الرسم، على مقامات روحية وغناء صوفي وذلك قبل أن يمكن الجمهور من الرسم عليه “على ذاته” وعلى ثوبه الأبيض، مؤكدا على أن هذا المعرض هو من الجمهور وإليه، ليجعل من معرضه معرضا تشكيليا تفاعليا حيا، مكن كثيرا من الحاضرين من رسم تقسيماته التشكيلية.
ولربما الغرابة في الأمر أن تكون القراءة الختامية لهاته الرسمة التفاعلية للجمهور وبصماتهم من خلال تفاعل الألوان الأساسية الثلاثة الأصفر والأزرق والأحمر، التي أنتجت لونا أسودا على رداء الفنان منير بنرقي.

ولربما هاته الخلاصة التي أرادها منير أو أرادتها صدفة الحياة أو حتى القراءة الصوفية للمشهد، فالصوفية غالبا ما تجنح للعزلة لبناء بياض ونقاء الروح بلباس التقوى، لكن مخالطة الناس غالبا ما تجر للخطأ والمعصية، وتترك ندوبها على شخص الإنسان، الذي يبقى دائما بحاجة لتزكية النفس وتطهيرها من دنس الدنيا ودنس المخالطة.

الفنان منير بنرقي كان ذكيا للغاية في إختيار توقيت افتتاح معرضه التشكيلي لما له من رمزية في بعده الزمني، وفي اختيار ألوانه وجمهوره وأدائياته، كما حقق ربطا غير مسبوق بين التصوف والتشكيل حول مواضيع الحياة والروح والموت والأرض والرمل …
هذا الربط الذي نسجه الفنان منير بنرقي بين الصوفية والرقص والألوان كان مهما للغاية، وهو ينتصر بذلك للصوفية التي يمكنها اقتحام مجال الفن الواسع – وفق قراءته للتصوف المعاصر-، بعدما كان الفن يعتبر بالنسبة لجيل المتصوفة المؤسسين مظهرا من مظاهر البذخ والدنيا، مما يزهد فيه كثير من المتصوفة الذين اشتهر أكثرهم بلبس الثياب الخضراء لأنه سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأباحوا غيره من سائر الألوان.
وتنسجم رؤية الفنان التشكيلي منير بنرقي مع مفهوم رؤية العالم عند المثاليين الألمان في سياق النهضة الأوروبية، في ارتباطه بأسئلة المابعد Post التي عرفها الفكر الغربي، حيث خضعت مقومات الفكر الحداثي للمراجعة والفحص والنقد والتشريح والتفكيك والتجاوز، ومن ثم تبلور المصطلح في تيارات فكر ما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية وما تعلق بهما من إشكالات التعددية الثقافية، وفي علمي اجتماع المعرفة والنفس، وفي فلسفة الدين والتصوف، وفي الجمع بين التعبير المادي التشكيلي والقراءة الفلسفية الروحية في القضايا اللامتناهية.
ويعتبر هذا المعرض التشكيلي الفردي الجديد للفنان منير بنرقي محطة تعكس تطورا كبيرا في أعماله التشكيلية، وذلك بعدما سبق لمركز التفتح الفني والأدبي بطنجة أن إحتضن أول معرض فردي له بتاريخ 18 ماي 2019، وبعدما سبق له المشاركة في عدد من المعارض بالمغرب وخارجه.

حافظ خلالها الفنان بنرقي على نفس النهج والإلتزام التشكيلي من خلال رسم عدد من اللوحات التجريدية أو الإنطباعية التي تعكس نشأته بمنطقة فكيك الصحراوية بالمغرب الشرقي، بمختلف تجلياتها في التصوف والطبيعة والبناء والعادات الاجتماعية والثقافية والدينية … وتوظيف مكثف لعدد من الألفاظ المحلية والأمازيغية والأجنبية (أجنة، ميرا، أورار، تالة…) في تسمية لوحاته وأعماله التشكيلية، والحوامل من الأدوات النسائية التقليدية (المغازل، المكحلات، المرايات، ، المشاطي، الشموع…) والقماش الأبيض والفخار… في التعبير عن رسائله الفنية، وهو بذلك يعكس قدرة كبيرة على التعبير وفق عدد من المرجعيات والمدارس الفنية وعبر وسائل متعددة للرسم والصباغة الزيتية والمائية والنحت والأدائيات…”
طارق يزيدي
مدير مركز التفتح الفني والأدبي بطنجة