التوحد … معاناة في صمت!!!

الحسين أمساسي

من أقوى الأشياء التي تؤلمنا نحن الكبار أن نرى طفلا لا يستمتع بطفولته ، منعزلا ، لا يمارس طقوس الصغار اليومية ، من فرحة الظفر بهدية أو حلوى ، إلى متعة مداعبة دمية او الركض من أجل قبلة يعتبرها عربون حب والديه ، صور كثيرة حقا مؤلمة عاينتها قبل أن أعقد العزم على ملاقاة أخصائي ، كان لابد من ارتشاف قهوتي السوداء بفاس رفقة الدكتور بنعيسى الزياني ، المحلل النفسي و الأخصائي الإكلينيكي و رئيس المركز الدولي للدعم النفسي ، حاملا معي صورا كثيرة ، أسئلة كثيرة ، معاناة أسر كثيرة استخلصتها من سؤال طرحته من نافذتي على الفضاء الأزرق : هل أنتم اسرة تحتضن طفلا متوحدا … تعاليق كثيرة و رسائل على الخاص ستسافر بكل منا في رحلة ذهاب و إياب إلى قلوب تعاني في صمت ، أمهات ، آباء ، إخوة ، أساتذة و مربيون .
الدكتور الزياني و كعادته يصارع من أجل ان يقدم لي معلومات أحتاجها بمصطلحات عربية ، كون المقالة ستكتب بلغة الضاد ، ولو كان ممكنا لكتبتها بالدارجة حتى تصل الرسائل لكل الأسر ، و حتى نساهم من خلال هذا المنبر الإعلامي في توعية الناس لخطر قادم و بقوة .
الطفل المصاب بالتوحد لا و جود للآخر سواء في أفكاره أو في مشاعره أو حتى في سلوكه ، باختصار لا وجود للآخر في عالم الطفل المتوحد بمن في ذلك أمه وهي الأخرى غائبة عن وعيه و لا وعيه ، يضيف الدكتور الزياني ، بعد أن أكد أن علاقة طفل التوحد بأمه باردة و باهتة ، لذا نتحدث عن” إفلاس علاقة أم طفل”
فالطفل حسب التحليل النفسي يتقمص التوحد للتعبير عن إفلاس علاقة الأم بالطفل ، وكأنه يتمرد بتوحده على الأم الثلاجة أي الأم الباردة المشاعر غير المتفائلة بالشكل الكافي مع الطفل ، طفل التوحد عنده عجز اجتماعي ، لا يلعب مع باقي الأطفال ، عجز تواصلي لا يتكلم ، سلوكه نمطي ولا يحب أي تغيير ، اضطراب التوحد لحد الان مجهول الأسباب ، هو اضطراب يستمر طول الحياة و تقتصر مساعدة طفل التوحد فقط في تدريبه على الكلام عبر أخصائي النطق orthophoniste
و مساعدته على تجاوز اضطراب الحركة بواسطة أخصائي الحركي psychomoteurs ، قد يساعده الاخصائي النفسي الإكلينيكي في تعديل السلوك , الصعوبة تتجلى في كون طفل التوحد لايقبل و لا ينفد الأوامر ، بل أنه لايرى نفسه مختلفا عن الآخرين فيما يرانا نحن مختلفون و غريبو الأطوار .
أغلب أمهات أطفال التوحد يعانين من الألم و المعاناة و الإهمال و الإكتئاب لأن الزوج يتخلى و يتهرب و يحمل الزوجة مسؤولية الحالة ، لتكمل معظمهن مسيرة الصبر في انتظار ما قد يأتي و ما قد لا يأتي ، و ليظل أطفال التوحد مابين مطرقة المعاناة و بين سندان مجتمع لا يرحم .
يصيب التوحد الذكور بنسبة أكبر ، و فئة مهمة من أطفال التوحد خصوصا نوع اسبرجر أي التوحد الخفيف استطاعوا أن يحصلوا على نتائج خيالية في الدراسة و استطاعوا أن يحصلوا على شهادة الدكتوراه بل فيهم مشاهير بلغوا عالم النجومية .
غادرت فاس بعد أن قدمت الشكر و التقدير للدكتور الزياني على المعلومات و المساعدة ، غادرت فاس و انا على يقين أننا لم نستوعب بعد حجم المعاناة و الآلام التي تعيشها فئة من أطفالنا في صمت ، خلفهم قلوب أمهات ، قلوب آباء ، قلوب إخوة ، قلوب جيران ، قلوب أساتذة و مربيين ، يرون صغيرات و صغارا لا يطيرون كالفراشات ، لا يبتسمن كعروسات ، ولا يأملن في أمنيات بلونها الوردي هي من صنع الصغار ، غادرت فاس و كلي أسئلة ، هل ستزيد كل هذه التكنلوجيا من حولنا ، كل هذا التباعد ، كل هذا التفكك الأسري من ويلات وويلات أجيال لاذنب لهم سوى أنهم ربما في المكان الخطأ ، و في الزمان الخطأ .