swiss replica watches
المساواة في تعميم التعليم – سياسي

المساواة في تعميم التعليم

عصام خربوش:  باحث في علم الاجتماع السياسي ومجالات الحكامة

تتخذ المساواة في تعميم التعليم صورا مختلفة، وتطرح في حالات كثيرة لا يتسع المقام هنا للخوض في مجملها.

لكن مع ذلك سنحاول ملامسة المساواة في تعميم التعليم بوصفها مبدأ من مبادئ الحكامة، من ناحية أولى تتعلق بالمساواة بين الجنسين، و من ناحية ثانية ترتبط بالمساواة بين العالم القروي و العالم الحضري أي استحضار العامل الجغرافي والترابي.

المساواة بين الجنسين

تعد المساواة من المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها الحكامة، و مدخلا من مداخل التنميةالمستدامة.

وقد عملت السلطات العمومية المغربية على خلق الظروف التي تتيح السير في اتجاه تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين عبر العديد من المبادرات و إجراء مجموعة من الإصلاحات القانونية لتمكين المرأة من أن تتبوأ المكانة اللائقة بها داخل المجتمع لأن تهميشها يؤدي حتما إلى تسليم الأجيال القادمة عناصر التخلف الفكري والسلوكيات المتجاوزة.

ففي مجال التربية والتعليم يعني بقاء المرأة بمعزل عن النظام التعليمي أن الجيل الذي سينشأ تحت رعايتها ستهيمن عليه عقليات و قناعات من الصعب تغييرها وإن كان محتواها غير صائب.
وتعود عدم المساواة بين الجنسين في الاستفادة من تعميم التعليم إلى مجموعة من العوامل التي تمنع الفتاة من ولوج المدرسة عند بلوغها سن التمدرس مما ينجم عنه تفشي الأمية لدى الإناث مقارنة مع الذكور.

فالملاحظ في معظم الدول هو أن عامل نوعية الجنس يغذي الأثر الذي يخلفه الفقر على فرص تمدرس الفتاة.

كما يمكن التطرق إلى مجموعة من العوامل الأخرى كبعد المدرسة عن محل إقامة الأسرة، العامل الإثني واللغوي، الإقصاء الاجتماعي، المحيط التربوي. وعوامل أخرى ذات صبغة ثقافية ترتبط بدور الفتاة داخل الأسرة و المجتمع.
إن الأمر إذن يتعلق بتحد من النوع الذي يدعو إلى إعمال سياسة خاصة.

و بالفعل تمكنت بعض الدول من رفع هذا التحدي، حيث استطاعت دولة كغينيا أن ترفع نسبة تمدرس الفتاة بأكثر من نسبة 26% بفضل إدخال التجهيزات الصحية إلى المدارس.
أما على المستوى الوطني، فتشير المعطيات الإحصائية الصادرة عن قطاع التربية الوطنية ابتداء من الموسم الدراسي 2012/2011 إلى أن نسبة التمدرس الخاصة بالفئة العمرية 6-11 سنة تفوق في صفوف الإناث %93,5 مقابل 96,3% في صفوف الذكور.
إن ما حدث من تقدم بخصوص تعميم تمدرس الفتاة، ترتب عن بداية الأعداد للدور الذي ينبغي أن تضطلع به المرأة لضمان مساهمتها في جميع الميادين.

وضمن هذا المضمار، يمكن الإشارة إلى النقاش الذي أثارته خطة إدماج المرأة في التنمية، انطلاقا من نهاية التسعينات، بعدما مهدت لمرحلة جديدة تحاول أن تضع حدا للتقليل من شأنها،. كما جاء الميثاق الوطني للتربية و التكوين لينص في البند 12 على أنه: “يعمل نظام التربية و التكوين على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين و تكافؤ الفرص بينهم، و حق الجميع في التعليم إناثا و ذكورا، سواء في البوادي أو الحواضر، طبقا لما يكفله دستور المملكة “.
ربما تبدو في الأفق ملامح نجاح محاولات اعتماد استراتيجية وطنية لتحقيق الانصاف و المساواة بين الجنسين. فعلى صعيد التربية و التعليم وضع قطاع التربية الوطنية “مخطط عمل استراتيجي على المدى القصير والمتوسط لمعالجة إشكالية المساواة بين الجنسين في المنظومة التعليمية، من أجل تفعيل التوجهات و التدابير التي تضمنتها المخططات المعتمدة، والتي من شأنها تسهيل إدماج مقاربة النوع داخل هذا المنظومة، أي الأخد بعين الاعتبار وضعية الإناث في جميع المناهج والبرامج التعليمية بكيفية تتأتى الإحاطة بها على مستوى واقع التمدرس.
وإذا كانت المساواة بين الجنسين من المبادئ التي تقوم عليها الحكامة، فإن ترسيخ هذا المبدأ يتوقف على تكريس تدبير يستند على الابتكار و المسؤولية وعلى الالتزام الجدي به باعتباره منطلقا أساسيا.
لكن هل بالفعل بإمكان المدرسة المغربية أن تحتفظ بالتلميذات إلى غاية نهاية 15 سنة من عمرهن كحد أدنى، ولعل الأهم هنا يتعلق بمبدأ آخر من مبادئ الحكامة. إنه مبدأ الفعالية الذي يحيلنا على تحد عويص يجابه المنظومة التعليمية وهو مشكل الانقطاع عن الدراسة.

المساواة بين القرية والمدينة

أضحت المساواة بين المجموعات في أي موقع كانت و كيفما كان أصلها الاجتماعي أحد أوجه مبدأ المساواة كمبدأ عام و أساسي في منظومة الحكامة على جميع مستويات تطبيقاتها. و بالنسبة لمجال التربية و التعليم هناك دول كثيرة غير خالية من مظاهر التمييز السلبي تجاه بعض الأفراد و المجموعات، وهو الأمر الذي يضطرهم إلى العيش على هامش المجتمع. و في معظم الأحوال يطال التهميش في المجال التربوي الفتيات و الفقراء و الأقليات الإثنية، خاصة في المناطق القروية المعزولة.
وفي هذا الاطار، يشير أحد الأبحاث التي أجراها معهد اليونسكو للإحصاء في ثمنين دولة إلى أن 26% من الأطفال ممن هم في سن التمدرس لا يلجون المدرسة على الإطلاق.

وقد بلغت نسبة لأطفال المنتمين منهم إلى المناطق القروية 30%، في حين لم تتجاوز نسبة الأطفال المنتمين إلى المناطق الحضرية 18%، و هذا يعني أن نسبة الغير متمدرسين في المناطق القروية أكبر من النسبة العامة بأربعة نقط مئوية وباثني عشر نقطة مئوية من نسبة الأطفال غير المتمدرسين بالمناطق الحضرية.

لكن أول ما يمكن استنتاجه من هذه المعطيات هو أن عدم تكافؤ الفرص في التمدرس بين العالم القروي و العالم الحضري هي ظاهرة دولية في دول الجنوب.
غير أن ما ينبغي الانتباه إليه هنا يظهر في كون التهميش على المستوى التربوي هو سبب ونتيجة يتعايشان باستمرار، نظرا لارتباطه بالتهميش في جل مناحي الحياة. وهذا يفسر كثرة الصعوبات التي تعرقل التمدرس في الكثير من القرى بمناطق مختلفة من العالم سيما في البلدان النامية التي تفتقد إلى أبسط التجهيزات و الخدمات الأساسية مثل الطرق و الجسور، المدارس، المستشفيات…
ويحتل الوسط القروي في المغرب كما في جل تلك البلدان مكانة خاصة و متميزة.

و ذلك راجع إلى عدة عوامل ثقافية، اجتماعية،جغرافية… فإلى حدود اليوم ما تزال القرى المغربية تشكل تجمعا بشريا عريضا، و نقطة تقاطع للعديد من الأنشطة الاقتصادية أهمها الفلاحة و تربية المواشي…
وعلى الرغم من الأوضاع غير المرضية التي يعرفها التعليم في المجال القروي بالمغرب، فإنه لا يمكن نكران ما تم القيام به من مجهودات لتزويد القرى بالمدارس والأطر التربوية وبعض التجهيزات الأساسية.
إلا أنه، و نظرا لتفرد العالم القروي بخصوصيات و مشاكل خاصة، بالإضافة إلى عدم استفادته بكيفية متواصلة من مشاريع تنموية متكاملة مقارنة مع الوسط الحضري، وما أفرزه ذلك من زحف للسكان القرويين صوب الحواضر الكبرى على وجه الخصوص، و من تفاقم في الفقر ومستوى المعيشة المتدني.

كل ذلك أدى بالتعليم الأساسي في الوسط القروي إلى أوضاع متردية رغم المجهودات المبذولة ، كما وضع أما التمدرس مجموعة معقدة ومتشابكة من العوائق (Obstacles) تشترط (Conditionnent ) بشكل كبير هذا التمدرس، و تشكل بذلك محددات هامة (Déterminants) لطلبه من طرف الساكنة القروية.
وبتتبع تطور نسبة التمدرس في الوسط القروي، يتضح بأنه كان إيجابيا، لكنه بقي بطيئا. كما ظل التفاوت بين الوسط القروي و الوسط الحضري قائما، حيث انتقلت النسبة في الوسط الحضري بالنسبة للفئة المتراوحة أعمارها بين 8-13 سنة من %78,1 سنة 1982 إلى %84,2 سنة 1994، وخلال هذه المدة انتقلت النسبة في الوسط القروي من %36 إلى %42,5، أما بالنسبة للإناث فقد انتقلت نسبة تمدرسهن من %23,2 إلى 25,9 % أي بفارق2,7 % فقط، في حين بلغت نسبة تمدرس الفتيات في الوسط الحضري 80,7 % سنة 1994.
وتشير إحصائيات قطاع التربية الوطنية إلى أن نسبة التمدرس فئات الأطفال المتراوحة اعمارهم بين 12 و 14 سنة، أصبحت بعد الموسم الدراسي 2012/2011 تفوق 75,4٪. ويتحقق تمدرس هذه الفئة العمرية حسب المصدر ذاته بنسبة 93,7٪ في الوسط الحضري وبنسبة 55,8٪ في الوسط القروي، في حين لم تتجاوز نسبة تمدرس فتيات القرى من نفس الفئة46,1٪.
إن ما يمكن استخلاصه من هذه المعطيات الإحصائية، هو أن تعميم التعليم بالمغرب هدف لم يتحقق بعد، أما أول متضرر من جراء ذلك، فهم أطفال الأسر القروية التي ظلت تغذي براثن الأمية باستمرار.
ولا شك أن هذه النتيجة، تدعو إلى تسليط الضوء على السياسة التعليمية من جهة وعلاقتها بسياسة التنمية القروية من جهة أخرى.

فبدون الإقدام على تعبئة وطنية توازيها مجهودات استثنائية لتحقيق التنمية في العالم القروي، سيتأجل تعميم التعليم في الألفية الثالثة إلى وقت لاحق.
وعليه، فإن الطريق لا يزال طويلا أمام انتقال العالم القروي من واقع التخلف و التهميش إلى الحالة أو الحلة التي تجعل منه وسطا اجتماعيا يدعم ويعزز رهانات المشروع الوطني للحكامة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*