swiss replica watches
القناع في الشعر العربي المعاصر – سياسي

القناع في الشعر العربي المعاصر

القناع
القناع لغة هو ما تغطي به المرأة رأسها كما جاء في مادة (قنع)، وكان الممثل الهزلي (السماجة) هو الذي يقوم بمحاكاة حركات الناس، فلبس قناعا (محمد حسن الأعرجي) من التمثل عند العرب ص: 54 وأن القناع يرتبط بالشخصية الدرامية والأصل اللاتيني لمصطلح Persom هو ما يضع الممثل على وجهه أثناء التمثيل (معجم المصطلحات في اللغة والأدب ص: 297).
وأما اصطلاحا فهو وسيلة فنية لجأ إليه الفنان للتعبير عن تجاربه بصورة غير مباشرة، وقد شاع هذا المصطلح في بداية الستينيات وخاصة بالتأثير الغربي، للتخلص من الغنائية والمباشرة، حيث يندمج في صوت الشخصية يكون لنا صوتان، مع الحذف والإضافة لكي تتناسب شخصية الفنان مع الشخصية المستحضرة. فأدونيس اتخذ معيار الديلمي قناعا سماه بالدمشقي، وتحدث عن تجربته الشعرية والحياتية، وخليل حاوي الذي أضاف إلى السندباد “الرحلة الثامنة”، وهذا القناع يبقى سحري في مواجهة الطبيعة.
وقد استخدم هذا الشكل في عصر النهضة في المسرحيات وفي بلاطات الملوك (كما يقول فاضل تامر في (مدارات نقدية) ويقول أيضا جابر عصفور في هذا الصدد: القناع يتخذه الشاعر المعاصر ليضفي على صوته نبرة موضوعية شبه محايدة، تنأى به عن التدفق المباشر للذات، دون أن يخفي الرمز المنظور الذي يحدد موقف الشاعر من عصره، وغالبا ما يتمثل القناع في شخصية من الشخصيات تنطق القصيدة صوتها فتسيطر هذه الشخصية، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية استخدم الشعراء الأساطير، والرموز مثل “تموز– المسيح/التنين – بعل – لعاز، حيث أن هذه الأسماء ترمز كلها إلى فكرة البعث وقد أطلق عليهم أحمد زروق تسمية “الشعراء التموزيون(1) وتموز هو إله الحياة النباتية في الأساطير السومرية والذي يموت نصف العام فتضمحل الأرض ويعود إلى الحياة في النصف الثاني من العام، فتزدهر الأشجار والحقول، وقد أطلقت عليه الثورات اسم (أدونيس) وكذلك أطلقت النصوص الإغريقية القديمة الاسم نفسه)(2).
“وقد أطلق على قصائدهم قصائد التوحد، لأن الشاعر يوحد في قصيدته بين ذاته وبين رمزه، فهذا القناع ما هو إلا التوحد الذي نجده في الكثير من القصائد الشعرية العربية كقصائد بدر شاكر السياب في “المسيح بعد الصلب”، وتموز جيكور، وقد وجد في الصلب، وتموز مصدرا للبعث مثلما وجد أدونيس في الطائر الفينيق الذي يحترق لينبعث من جديد، يقول السياب:
بعدما أنزلوني سمعت الرياح
في نواح طويل تسف النخيل
والخطى وهي تنأى إذن فالجراح
والصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
لم تمتني ص: 26.
القناع في النقد العربي:
لعب القناع الأسطوري دورا مهما في الذهنية السحرية والدينية، لأن هذا الإيحاء الرمزي يحمل سلطة خفية جعلته يسيطر على الطبيعة، وعلى كل المجردات.
وقد ارتدت الآلهة الأقنعة التي تناسبها، حيث نجد الإله ديانة (Dano) في هيئة مطر من ذهب، وSeus يأتي أوربة Europa في هيئة ثور أبيض، ويأتي Leda في هيئة بجع جميل، هكذا تتغير الأقنعة عند الآلهة وذلك تبعا لسنة التوظيف وقانون الممارسة الإبداعية، فالملوك والأمراء تقمصوا هذه الشخصيات، وهذا ما نجده عند أوليس الذي تقمص شخصية فلاح مجنون يحرث البحر، ويقول: أزرع ملحا وأحصد سمكا(3). ووائد بنربيعة الملك الذي يتقمص شخصية المهرج فيركب قصبة، ويحمل دبوسا من خشب، ولكنه يخفى سيفه تحت ثيابه المصنوعة من جلود الثعالب، والذئاب، وقد عمل المسرحيون اليونان على توظيف القناع لبناء رؤية مناقضة للسائد، فقد تمكن يوريبدس واستخلوس أن يخترقا المقدس والكينونة الغارقة والمدهشة لبناء جاذبية شعرية.
وما عملية القناع إلا تطورا تدفقيا في المفاهيمية الإنسانية حول طبيعة الإنسان والآلهة.
وقد تأثر المثقف بهذا المفهوم، منهم صلاح عبد الصبور، وأدونيس، وخليل حاوي، فحاول كل واحد أن يختفي وراء التاريخ، والفن والجمال، والأسطورة، مما منح له استمرارية في الزمان، فنجد أدونيس في ديوانه “أغاني مهيار الدمشقي الصادر سنة 1961 حيث تقمص مهيار الدمشقي بكل جوارحه، وعواطفه ص: 121، وقد عمل إحسان عباس في كتابيه “الصورة الأخرى في شعر البياتي”، و”أبو ذر في وجع الأزمات الثلاث”، فعمل استبدال القناع، بالرمز الكبير، والصورة الكبرى والمرأة والقرين للدلالة على توظيف التاريخ “كالحلاج”، والمعري والخيام وكذا البعد الأسطوري كبروميثوس وسيزيف، وهذا ما يدل على أن الناقد قد تأثر بفراي، وكارل يونخو آليوت، فتوظيفه للمرآة جعله يعي أهميتها الأصلية، تصلح أن ترفع للماضي، في وجه الحاضر، وبينما القناع يشير إلى الماضي فقط. أما القرين فهو يشير إلى الحاضر والمستقبل.
فالرحيل من بلد إلى بلد، ومن منفى إلى منفى هو الذي قاد البياتي إلى إيجاد مفهوم البينية، أي ما يموت وما لا يموت، وبين المتناهي واللامتناهي قصد التعبير عن محنة المجتمع والكون، ولم يكن هذا الاختيار صدفة، بل أن بلمو بدوره أضفى على ديوانه رماد اليقين لغة التمرد، وبكلمات لا تموت ولا تحمل قناعا بل شخصية تاريخية بطريقة درامية وتأثيرية، يتكلم من خلالها. فالبحث في جسدية الديوان عن سمتي الحداثة، والتجدد، جعلتنا هذه العملية نستكشف قضايا الإنسان والعالم، فرؤية الغنائية أصبحت مقاطع تأملية تعبر عن ذات الشاعر الذي يظل يتسربل بين المقاطع كبعد درامي في إسقاط تجربته على العالم المنسي، وهذا ما نجده عند صلاح عبد الصبور والبياتي في دراسة لفاضل تامر “القناع الدرامي والشعر” مجلة الأقلام ع 11 – 12 – ع 1981، فالشاعر محمد بلمو يرتدي قناعا مؤلفا من نفسه والمضاد له.
وهو ما أكده في ص 21 – 22 – 23 فالشاعر يتجرد من ذاتيته ليخلق وجودا يتجاوز به الرومانسية كما عند البياتي في “تجربتي الشرعية”، وفي “النار والكلمات”، وفي “الذي يأتي ولا يأتي”، و”الكتابة على الطين”. إن بلمو استمد شعريته من هؤلاء الأبطال الذين عانقوا الرفض في البوح، والرحيل كاحتجاج على الفساد كما يقول خلدون الشمعة في كتابه “الشمس والعنقاء” حيث درس فيه قصيدة البياتي عين الشمس أو تحولات محيي الدين بن عربي في ترجمانه الأشواق، وهذه التناصية المحرجة جعلت بلمو لا يصور الشخصيات ليمنحها الحياة، بل استخدم معجما بدويا يقارب به ذاتيته عبر التناقضات، وهذا ما أكد في قصائده، حيث يتحدث عن موقفه من الشخصية الموظفة، ومن العالم.
وهذا ما نجده أيضا عند البياتي في قصيدته “عذاب الملاح”، حيث عمل بلمو بتوظيف الرؤية من الخلف، إما مخاطبا، أو غائبا، لذا لم ينفصل القناع عن الفكر منذ ولادته في الساحة الشعرية العربية، إنها مرحلة دفعت العديد من شعراء المغاربة إلى التعامل مع القناع، كسؤال وجودي يجعل الممكن ضد الكائن، يوزع النوع في التربة الوجدانية، فأصبح الفكر النقدي التفكيكي لا يتفاعل مع هذه الأصناف من الشعراء إلا من خلال الأسئلة، ماذا؟ وكيف، ومن؟ ولمن، وأين، وما.
فهذه الأسئلة النوعية لا تتأسس إلا في ضوء المفاهيم الموظفة للشعر، إنه انتقال من الحرف إلى الكلمة الشعرية وفنونها، وإلى مرحلة التمرد والعشق، فبلمو لم يعمل على تأسيس فعل المهادنة، بل كسر كل الترسبات الماضية، بلغة نوسطالجية تحن إلى الماضي، لتجعله بابا مفتوحا قابلا أن يستوعب كل التناقضات الموجودة في هذا المحلي، والكوني، كما ترى في ص 41 – 43 – 45 – 57.
فالشعر هو المخرج الأول للإنسان في بحثه عن التعالي، والسمو عن تخصيص الذات من كل أنواع السيطرة، فالشعر مكانه تجميع المتناقضات وزمان تداخلها حيث الحيرة والضياع، الألم واللذة من رؤية تتجاوز المعاني العيانية لتجسيد تنظيمه من جديد وفق رؤيا تهدم الأشياء وتغيبها بعد أن ترتسم في بؤرة لا واعي الشاعر في البدء كان النمو قداسة والشاعر قوة آي قوة في العالم، لذا لم يعد الشعر كلام يتردد بل هو سيد الكلام لأنه يمتد في الوجود، واللغة التي تمنح للوجود الممكن الذي ينتمي إليه الإنسان، ويحتمي بظله على
حد تعبير هيدجر، فهو يفوه في الداخل ليتفجر في المخيلة، خواطر تمتزج بالعالم، والحياة لتحاورهما عبر التساؤل والعودة إلى أصوله، بدلا من الدوبان في نسيج الإسمنت والخطيئة.
النص المقنع بين التأسيس المعرفي والتوظيف البيداغوجي
إن العنوان عبارة عن استراتيجية تجمع بين البعد المعرفي بالمادة الدرامية، لأن طبيعة هذا المفهوم الدرامي هو تحول معرفي وتعلمي يفرض أسئلته وانشغالاته الجمالية والواقعية، والإنسانية، ولعل أول ما ينتصب أمامنا هو مفهوم نحت المفاهيم باعتبارها إنشغالات ترتبط بمرجعيات وبسياقات نصية، وفرجوية.
لأن هذه النص من بين المفاهيم أكثر صعوبة والتباسا، حيث يرتبط بالبعد الديني، وبالتاريخي، والأسطوري والأدبي والعلمي، وهذا التعدد أكسبته صبغة انفلاتية من التحديد، والتعريف، ووضعته في الاعتبار واللامحدود، الشيء الذي أعطى لهذا النص الدرامي اختيارات وتصورات، وطرائق تكشف عن وجود اشتغال حوله، ووفق مواصفات وأهداف خاصة فهذا النص هو فاعلية إجرائية، عبره تتخذ اللغة الدرامية مداها، ومهاراتها، واختلافها وتنوعها، لأن المسرحية المقنعة وحدة ديداكتيكية تشكل قاعدة الالتقاء بين ما هو خيالي، وما هو واقعي، قصد تحقيق الكفايات، فالنقد بدوره هو تغير يوجه بنيات المجتمع بكل أشكاله السياقية والوظيفية إلى فهم النص المقنع.
فهو وعي وضرورة، وتفكيك، وتمحيص من أجل كشف كل الإكراهات التي تحول دون تأسيس “نقد النقد” كعلم واحد ووحيد مثل علم الاجتماع وعلم النفس، لأن سؤال الماهية لم يعد جهدا فلسفيا وإطارا نظريا لتأصيل المفهوم، وكذا تحديد الجهود النظرية، فرغم هذا الإنكار فقد بدأت هذه النظرية التحليلية تتطور باتجاه تأسيس نفسها على مبدأ فحص الذات، وكذا مبدأ التبصر العميق في أعماق التماثل، والاختلاف من أجل رصد الرؤية والموقف فضلا عن جدوى النهج كإجراء عملي وإبداعي وهو الضامن الحائل من دون تجمد القوالب المألوفة وسيادة المتوالية واجترار الأنظمة المقننة.
فتعدد القراءات هو تعدد المنطلقات المعرفية، والنظرية، فهو استجابة القارئ بوصفه نزوعا محدثا نحو تكريس فعل القراءة، يمثل تجميعا لعدد من المناهج كما تقول جين بتومبكنز” وهذا ولوج لوعي النص ووعي القارئ، فهذا الفهم الكيميائي للقراءة يعني أن يكون هذا التفاعل بين مختلف المكونات، إذن هو الفعل الثقافي الإيجابي الذي يخرج النص من مرحلة الكمون إلى مرحلة الفعل، فهو فعل التوصيل، وإنجاز ييقوم به القارئ، لأنه فاعل ومنفعل، يستطيع أن يزيل الوهم، وبعد أن زالت الأقنعة وتبدت الحقيقة، تبين لنا أن التنوير إنما قائم على انتصار العقلانية الأداتية ذات الاعتراض الأداتية، حفرت في تقاليدنا، وفي فنوننا ليقودنا إلى حرية شاملة، وإلى إيجاد قفص حديدي من العقلانية البروقراطية(4) فهذه الرؤية تحذرنا بنهاية التنزيل تحت عمق الحداثة، لأن العقل والحقوق، والأخلاق انتهت إلى شيء مقنع وهذا ما سماه نتشيه بأزمة الزمن الحاضري، أي إفلاس الزمن الحاضر المقنع.
إن انتشار التنوير العلمي هو إعلان عن تحرر الإنسان الذي تحول إلى نظام اضطهاد عالمي باسم تحرير البشر، وهذه الهيمنة والتلهف هو الوصول إلى كابوس قهر الذات All thatissolidmeltsinto air فالحداثة هي الولادة الجديدة وتتجاوز الحدود والاختلافات لكنها وحدة أضداد، وحدة اللاوحدة، فهي تحيلنا إلى تيار من العزلة وولادة من جديد وأشياء تصادفنا في الحياة، إنه “عالم السجن” يجبر الإنسان بالقيود التي تتدلى كالسكينة، فيظل يحسب الأرقام والألم يكسر جفونه، وأيامه ثواني تضيع هباء، لا موت، ولا حياة، سوى عقارب من العجرفة التي تتراقص بين حياة قرص الساعة، والزمن يسير بلا توقف، يحاول الممثل (أ) ينحو، يحارب الأوهام، والرعب والفقدان أما الآخر (ب) يسير في تباطؤ، متثائلا يشعر بالجمود، والركود، لا يعرف وجوده ومن قذف به في هذا اليم، وكيف وصل؟ وماذا يصنع في هذا المكان أسئلة تحاول أن تحرره من هذه القوى الميتافيزيقية التي دفعته للانعزال عن الواقع / السجن المقنعة، وقد نظر إلى هذا العالم المغلق خارج ذاته، فهو خطاب متعاليا حول الذات، وهو الوسيلة الحادقة، والقادرة على مد خطوط الحياة ورسمها، لأن كل موجود لديه إمكانية صيرورته لأن العالم منظومة وأغنية Mélodique بحيث لا نعود نعرف أين هو الفن وأين هي الطبيعة (ما الفلسفة ص: 193،فالشاعر المقنع يحاول أن يقضي على إرادة النفي (الرغبة – المرح – الرقص – الضحك)، جاعلا من عالمه المعيشي خلاصا (Salut) ليس بالمعنى المسيحي، ما دام ليس هروبا من الوجود وانعزالا عن الحياة) إنه خلاص أرضي salirt terrestre بإثباته لقوة الحياة. فالسجين (1) يبحث عن الثابت في المتحول، والخالد في الزائد لأن ضاعة الكتابة هي تمريق التجربة وخروج عن دفق الحياة السائدة في السجن. أما السجين المقنع (2) يحاول أن يبدع شيئا خارجا عن ذاته، رغم أنه يعيد تمثيل الواقع كعالم ليس له سوى مرجع واحد ذاته، تبحث عن عضويته كعالم غير منفرد، وذكرى التي يكرهها ما هي إلا الوظائف الجديدة التي صارت تناط بالمثقف، والذي أصبح مثقفا نوعيا بعد أن كان ينظر إليه على أنه مثقف شمولي؟ وإذنما هي رؤيتنا وما هي لغتنا، وما هي حقيقتنا، أو هويتنا اليوم؟ وما هي قدراتنا على المواجهة؟
فاليوتار يسمي ما بعد الحداثة La condition rostmadermé تمثيل الكتابات التي تتجاوز القناع، إلى هذا المصطلح والقرينة إلى ما بعد البنيوية Poststuctureltes ويسميها امبرطو إيكو بتعدد اللغات المعمم لزمننا حيث يقول (إن التعريف هو لقط حداتي موروث من نماذج الوضعية المنطقية، ولا ينسج مع الإطار كمقولة التحديد، لأن ما بعد الحداثة هي طريقة التفكير(5) والثقافة، فهي مغايرة لما بعد التحديث الذي يشير إلى الحقبة الزمنية التي مر بها المجتمع. وترى دودلي فيتس D F. HS في كتابه مختارات من الشعر الأمريكي اللاتيني المعاصر Authologyogcompararylaétin – American poetry وأن ظهور مفهوم الحداثة في كتابأرتولد توينبي دراسة التاريخ Study of historyجعلنانرى أن الفكر العربي يتميز في القرن 20 على 3: بالاعقلانية–والفوضى –واللامعياريةفهذا الأقولالنهائي للبرجوازية وظهور الطبقة العاملة الصناعية أحدثت انقلابا في القيم وفي المعمار الذهني طارحة تفاصيل واقتباس وغموض، والتناقض، والتعقيد بدل الثراء، والتناغم والبساطة(6). وهناك من يناهض هذا التيار ما بعد الحداثة، لأنه مشروع لم يكتمل بعد كما يقال إن الشعر أو الفن لا يحيل خارجه، ولا يعيد تمثيل الوقائع، بل هو إنتاج فني لم يوجد من قبل، بل يعمل على خلق عالم بديل ينافس عالم الواقع، إنه عالم ليس له مرجع سوى ذاته، عالم يأتي بظلاله، وليس له ذكر ما رغم هو جزء من الشجرة، فهو (الفن) يتوافق مع منطق الإبداع Acutosuffisant مكتف بذاته فهو القادر على وصول إلى مناطق الحياة واختراقها، وهذا لا يتم إلا عبر الخيال،فإن الفنان يعيش الحياة من خلالها، لأنه يموت (الفنان) والحياة تعيش،إنه نشاط ميتافيزيقي للحياة (الروحانيات) أو ما سماها ميرلوبونتي بهذيان الرؤية Delirum vision(7)حيث يستدعي قوة الانجذاب والثقل والتفجير، وحتى قوة الزمكان، وهذه الصيرورة اللافعلية واللغة تسمح لنا بإمكانية التعدد أو بالمتناهي اللامحدود Le fini illimité فالمسرح آلة متجددة لإنتاج المعنى وهو يعمل بالغموض، لا الوضوح، لأن الشعر لا يقدم آراء، بل يقدم إشارات تحتمل التأويل(8). لذا يشير بارت إلى نوعين من القراءة النصة التي تثير المتعة Pleasur، والقراءة التي تثير السعادة Happiness النص المتعة (يصيب القارئ بالرحايملأوه ويشعره بالاكتفاء) ويشعر بالتواصل مع النصوص المقنعة.
النص السعادة (اكتشفت، القلق يزلزل ذوقه ومعتقداته، تلازمه بالاختلاف ص: 200.
إن الكتابة النقدية هي إنتاجية أدبية مؤطرة بإنتاجات ثقافية واجتماعية ونفسية، فهي فضاء تشكيلي، ودلالي، وهي لعبة مؤلفة من المعنى/ والمبنى، إنها مركبة من أجزاء تمثل دلالة تفصيلية على قدرة الناقد، وكفايته الإبداعية ضمن تاريخ الأشكال الإبداعية وتاريخ الأنواع، حيث تؤطرها مجموعة من استراتيجيات التواصل بين النص / والمتلقي، ومقصديةالإبلاغ الرمزي، والخيالي، والواقعي، فالكتابة النقدية هي تمرد على اللغة، والأسلوب، لأن اللغة هي معطى اجتماعي سابق عن المؤلف، أما الأسلوب فهو بعد ذاتي يقوم على المواجهة بين المبدع والنقاد، لأن الكتابة النقدية هي مجال ممارسة الحرية، وتجاوز لهذه اللغة التي تعمل على القمع والتسلط، إذن فهي تطرح الأسئلة، أكثر من جهة النص المدروس ما دامت الكتابة النقدية قائمة على المساءلة، وإعادة الفحص الدائم، لأن النقد هو الجهة الذي يرجح فيه جانب الضبط والتنظيم والاستمرارية، فالكتابة النقدية هي الجهة التي تؤكد على فحص الواقع الراهن، وعلى التساؤل والتغير أي على الحركة، والتطلع إلى المواجهة لأن الكتابة النقدية هي العلاقة الجدلية بين ما هو عام / جماعي، وما هو خاص / فردي، وموضوع الشعرية الإبداعية، لأنها تظهر لنا هذه القراءة المضمرة كما يقول شارل مورو في كتابه “التيمات”، فالحرية النقدية هي اعتراف بالآخر الجماعي، وبالفردانية وعلى هذا الأساس فالممارسة النقدية هي تلاقي بالتاريخ، ووعي بالمجتمع وتركيب بين الضرورة الاجتماعية والحقيقة الفردية، والشاعر المقنع يعمل على إبداع الأشياء الممكنة وذلك من عمق الأعماق،حيث يتجلى المعيش والوعي، وتخيل الذات المبدعة على الأعماق والاستئناس بها والتحرك فيها كما يرى غاستون باشلار في كتابه (الشعر والعمق) ص: 10، فهذه التيمات تتداعى بشكل لا إرادي في ذهن المؤلف، فتكون أسطورته الشخصية التي تزيح النقاب عن إبداعه وخلفياته، فمحاولة استكناه إوالياته في حيثياتها النفسية وملابساتها الدقيقة. إذن فالقناع يجعلنا نبدأ بمعاينة النص المدروس، ومحاولة استنطاقه وقراءته وبيان تشكلات فضاءاته، وشفراته وكل ما يؤدي إلى الكشف عن إبداعية النص المدروس لمعرفة شعريته،إلا أن الناقد لا يقف أمام هذا “النص” بل يهدف إلى معرفة أسراره وجماليته، لأن دلالة النصتظل مؤجلا وفق شروط اجتماعية وثقافية قصد توليد المعاني وإنتاجاتها، لأن المؤلف لا يجد تحققه إلا عبر عملية العلائقية بين ما هو سوسيوثقافي، واجتماعي. وعبر هذا التلاقح تتحقق الصيغة الجدلية في فضاءاته الإبداعية اللانهائية.
فالنقد التفكيكي هو صياغة جمالية لا يعود إلى صوت المؤلف بل يشير إلى أصوات أخرى مقامية وذلك عبر التحويل والاستبدال الدلالي، والرمزي فهو وعي مشترك وتقاطع في آن واحد، وهي رؤية ديمقراطية نقدية التي يتسم بها هذا الخطاب النقدي.
وختاما إننا نؤكد أن كل قراءة نقدية هي بالضرورة نص مضاعف يكشف عن أنوية معرفية وإيديولوجية ضمن بنية نصية كبرى، لأن الإيمان بشرعية القراءة النقدية هي عبارة عن إضافة منهجية جديدة يمكن أن ينتمي إليها كل المناهج النقدية المعروفة وهي “طموح يمكن أن يتحقق بالنسبة للناقد العربي الجاد الذي يجيد التأمل في أدواته ويطيل التمعن في الخطابات الأدبية والظواهر الثقافية ويقيم معها حوارا خلاقا وخصبا وفق طموح منهجي الذي هو أساس كل فاعلية نقدية أصيلة وجادة”(9) لأن القناع هو الهروب من اليومي، والسلطة، والانخراط في سجل اللامتناهي، يكون فيه المبدع هو سيد الكون، لذا التجأ العديد من الشعراء إلى القناع من أجل الثورة ضد العالم، والذات. وكذا الهروب من المألوف، والتكرار الذي يخنقه، إنه ملعب لا يدخله إلا الراسخون في وحل المعاناة، والمكابدة، لذا فالقناع هو تمرد على المألوف، وإعطاء لهذه الذات الفتها، وجنسيتها، لذا ندعو دوما إلى إعادة النظر في السلوكات الإنسانية.
إنجاز الدكتور إنجاز
الغزيوي بوعلي بن المدني ليلة
فاس
الهوامش:
(1)- أحمد زروق، الأسطورة في الشعر المعاصر – الشعراء التموزيزن -،منشورات مجلة آفاق، بيروت 1959.
(2)- لطفي النوني، معجم الأساطير، بغداد، 1995، ص: 28.
(3)- هوميروس، “الإلياذة”، دار العودة، بيروت، 1985، ص: 41.
(4)- دفيدهارفي، حاله ما بعد الحداثة، ص: 33.
(5)- ايجيلتوث، أوهام ما بعد الحداثة، ترجمة منى سالم، القاهرة، أكاديمية الفنون 1996، ص: 7.
(6)- Hassan Ihab : On the problem of the post moden, new literary history V : 20 N° 1 (Autunm) (1988) P : 21 – 22.
(7)- بدر الدين مصطفى، فلسفة ما بعد الحداثة، ص: 179.
(8)- جان جاك برونسيهامبرتو إيكو، من الأثر الأدبي المفتوح إلى بندول فوكو، ترجمة محمد ميلاد، ضمن مسارات فلسفية، ص: 114.
(9)- تامر فاضل، اللغة الثانية، المركز الثقافي العربي، ط 1، 1994، ص: 238.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*