سياسويون و نقابيون ، ………. وحكومة، مزاد علني للوهم !!!
محمد جمال بن عياد
وجه عاهل البلاد، الحكومة إلى إنشاء “صندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا”، وقد كان سباقا الهولدينغ الملكي “المدى” إلى الإعلان عن تقديم مساهمة قدرها 2 مليار درهم لفائدة صندوق مواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد.
وقدم صندوق النقد العربي قرضا للمغرب بقيمة تناهز 127 مليون دولار، بهدف توفير الموارد المالية بما يدعم الوضع المالي للبلاد ويلبي الاحتياجات الطارئة، كما أعلنت مجموعة البنك الدولي أن عملياتها الطارئة لمكافحة فيروس كورونا قد بلغت 100 بلد من البلدان النامية يعيش فيها 70% من سكان العالم منها المغرب.
وقد سبق للاتحاد الأوروبي بتقديم 450 مليون يورو لحكومة البلاد لمساعدتها على مواجهة تفشي فيروس “كورونا” المستجد، كما خصصت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ 6,6 مليون درهم من أجل دعم البلاد في مجال التصدي لانتشار وباء كوفيد – 19، وفق ما أعلنته السفارة الأمريكية بالرباط . وربما هناك ما هو غير معلن عليه؟
وقد تم إنشاء لجنة لليقظة الاقتصادية على مستوى وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وقال رئيس الحكومة العثماني إنه هو من كلف وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بنشعبون بتنسيق أعمال لجنة اليقظة الاقتصادية، وليس هناك أي تناقض بين عملها وعمل الحكومة !!!
وتساءل العثماني، في معرض جوابه على تدخلات أعضاء مجلس النواب يوم أمس الأربعاء على البيانات التي قدمها يوم الاثنين الماضي بالغرفة الأولى حول حالة الطوارئ الصحية، “آش دخلكم بيناتنا، بين الوزراء؟!”، مؤكدا أن المهم هو تقييم عمل الحكومة.
وفي إطار تقييم عمل الحكومة، فرأي الكثير من المواطنين في الحكومة الحالية وسابقتها، لا يخرج عن فشلها في الوفاء بما تعهدت به، من قبيل الحد من الفقر والبطالة والفساد، وتخفيض المديونية الخارجية، وتطبيق مبدأ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، ورفع نسبة النمو الاقتصادي، وتأمين الرعاية الصحية، وتعليم ذو جودة، و……، بل “بيع الوهم”، الخطابات الرائجة !!!
في فيلم «البيضة والحجر» نرى الأستاذ الجامعي الذي جسده أحمد زكي يحاول أن يثبت نظرياته عن القيم وأهمية وجودها، ويحارب الوهم الذي يجر الناس إلى مستنقع الاستغلال والخديعة والخيانة والغدر، وتدور الأيام وتتدهور أوضاع الأستاذ حتى يصل الأمر إلى فصله وتخلي أخيه عن مساعدته، بل هز كيانه عندما بين له أخوه الصيدلاني، أن ّتخصص الفلسفة يحول بينه وبين أن يجد له فرصة عمل في مكان ما، وقال له: “ليتك تعلمت أي مهنة صنايعية أفضل من الهم الذي أنت فيه”، وقتها بدأت الأحداث تتسارع، فيصبح الأستاذ ذاك الفقيه الذي يشفي الناس.
لخص أحمد زكي نجاح مهنته الجديدة أنه يقوم على إيمان الناس بالوهم المدغدغ لمشاعر تحقيق الأمنية، مبينا أن الإنسان كلما امتلك لغة تخاطب آمال الناس ورغباتهم وباعهم وهما، أحبوه وصدقوه وآمنوا به وأعطوه كل شيء، وانتهى به الحال بعد ذلك بفيلا وحراس ومكاتب وعلاقات مع كبار رجال الدولة، إنه فن بيع الوهم، الوهم الذي عبر عنه في زمن هتلر: “أكذب، أكذب، ثم أكذب حتى يصدقك الناس”.
إن الوهم الذي جاء في فيلم «البيضة والحجر» هو نفسه الذي تعيشه البلاد، ولكن في شكل آخر ولو اختلف العرض، في زمن “اللهطة واللهفة” على الاستفادة من المال العام وتوزيع كعكة المناصب، وإرجاء تنزيل مبدأ المساءلة والمحاسبة، وتجريم الإثراء غير المشروع إلى حين آخر، لكن الأكيد هو أن هناك مقاربة مشؤومة برغبات الناس، وقد علل أحمد زكي في الفيلم سبب تقبل الناس للوهم، بما ورد في مقدمة ابن خلدون: “عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدعون.. والكتبة والقوالون.. والمغنون النشاز والشعراء الناظمون… والمتصعلكون وضاربو المنديل… وقارعو الطبول والمتفيقهون… وقارئو الكف والطالع والنازل”.
فلا غرابة أن يجد المرء مجموعة من سياسويي و نقابويي لعبة بيع الوهم في البلاد يدعون أنهم يحاربون الفساد ويدافعون عن العيش الكريم للمواطنين.
والسؤال المطروح، هل يمكن أن نعتقد أن الذين يستفيدون من “ريع” التقاعد غير المستحق والتعويضات والامتيازات دون تعب أو جهد لتحصيلها؟ أن يتم تصديق بأن مشاريعهم وانجازاتهم المعلن عنها لم ير الوطن مثلها، وهناك صمت البعض الذي غالبا ما يكون سببه كثرة المنتفعين من بيع الأوهام “السياسية والنقابية”، فلو كشفوا الحقيقة لخسروا ما “تلصصوه” وبهرجة مكانتهم الاجتماعية الوهمية.
وكيف يمكن لمن يبيع الوهم أن يأتي بصلاح ويحارب فسادا، أو يكون قدوة لغيره في محاربة الفساد؟، وهو يضرب على وتر العاطفة الدينية، ويردد الشعارات ليشعرك بطهارة ما يدعو إليه.
لقد سمع أن علي بن أبي طالب ” رضي الله عنه”، طرد القصاص من المساجد لكثرة ما يستغلون الدين من خلال ألسنتهم، ولأنهم جعلوا القصص شبكة لتحقيق غاياتهم، ومن هنا صار بعض الناس يظن التدين كله وهما لا حقيقة، من تأثره بما يرى من تناقض بين المتحدث باسم الدين وتعاملاته وواقعه.
ولا شك في أن ثمة صورا من بيع الوهم، والمواطنون يتعرضون يوميا لأشكال من الشطط في استعمال السلطة واستغلال المنصب للكسب غير المشروع، وتمييز وتفضيل في تطبيق القانون على الجميع، فهل مازال المواطن يقبل أن يكون سوقا لشراء وتقبل الوهم؟