ما هي آثار ذلك على باقي العالم وإفريقيا؟

مع استمرار الحرب على أوكرانيا في ظل الدمار والخراب، الذي خلفته، وتشرد سكان هذا البلد وتحولهم إلى لاجئين، اختار الأوربيون والولايات المتحدة الأمريكية العقوبات كسلاح لمواجهة الآلة الحربية لبوتين، مستمرين في التصريح أن هذه العقوبات ستكون قاسية وستلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد الروسي.
طبعا حكومة أوكرانيا ورئيسها زلينسكي تطالب بتدخل غربي لحمايتها، أوعلى الأقل فرض الحظر الجوي فوق التراب الأوكراني، وهو ما يمكن أن تعتبره روسيا إعلان حرب، مما جعل بوتين يلوح بالتهديد النووي ويتحدث عن جاهزية قواته في هذا المجال، لكن ولحد الساعة، فإن الأوربيين والأمريكيين قد قرروا عدم التورط في هذه الحرب والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية، لكن هل بإمكانهم تطبيق هذه العقوبات وهم في حاجة إلى الغاز والبترول الروسيين بالإضافة إلى عدد من المواد الأولية التي تستعمل في الصناعات الأوربية؟ وهل تقبل ألمانيا، أكبر اقتصاد أوربي، أن تضحي بصناعتها ونموها من أجل أوكرانيا، خاصة أنها في حاجة إلى 40 في المائة من الطاقة المستوردة من أوربا؟
لحد الساعة، تستورد أوربا ما مجموعه مليار أورو يوميا من حاجياتها من روسيا، والتي لا يمكن تعويضها على المدى القصير، فهل ستتخلى عن هذه الصادرات الأساسية التي يصعب تعويضها بسرعة، بل إن الأمر قد يحتاج سنوات؟
القمة الأوربية التي احتضنتها فرنسا يومي الخميس والجمعة الماضيين، كانت قصد اتخاذ قرار بشأن «الاستراتيجية المشتركة للاستقلالية الطاقية» و»الدفاع الأوروبي»، في سياق النزاع الدائر في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وجرى تغيير جدول أعمال هذه القمة في آخر لحظة بسبب انعكاسات الحرب، التي كانت مقررة منذ منتصف دجنبر، وكانت مخصصة بداية لبحث «نموذج جديد للنمو والاستثمار» في أوربا، وكان الهدف من اللقاء، حسب مصادر بروكسيل، هو العمل على استقلال الاتحاد الأوربي عن الوقود الأحفوري الروسي بحلول 2027، فهل يمكن تحقيق هذا الهدف في غياب وسائل التخزين والبنية التحتية ؟
وتقضي خطة المفوضية الأوربية بتقليص الاعتماد على الغاز الروسي وخفض واردات الفحم والنفط من هذا البلد عبر تنويع الموردين وتطوير الطاقات البديلة مثل مصادر الطاقة المتجددة أو الهيدروجين، لكن الأجندة التي تم اقتراحها ستكون صعبة التحقيق، وذلك للارتباط الكبير بالطاقة المستوردة من روسيا.
واتفق رؤساء الدول والحكومات ال27، خلال هذه القمة، على إحداث صندوق مشترك لتخفيف تداعيات هذا النزاع، مما يسمح لبلدان هذه المنطقة تحمل التكاليف المرتبطة بالعقوبات المفروضة على روسيا منذ بداية الصراع، على غرار مخطط التعافي الذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو، والذي تم إحداثه لمواجهة تداعيات وباء «كوفيد-19».
وشددت في هذا اللقاء على الدور المركزي لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ورغبتها في استثمار «أكبر وأفضل في القدرات العسكرية»، وتشجيع التعاون الصناعي والمشتريات المشتركة بينها، من أجل التوفر على قوات أوربية بدل الاعتماد الكامل على قوات الحلف الأطلسي كما هو الأمر الآن.
التحدي الكبير الذي عالجته القمة الأوربية الأخيرة هو مشروع المفوضية لخفض الاعتماد على الغاز الروسي بمقدار الثلثين هذا العام، وكذلك خفض واردات الفحم والنفط من روسيا، عبر تنويع مصادر التوريد وتطوير طاقات بديلة مثل مصادر الطاقة المتجددة أو الهيدروجين.
كما أن أوربا تسعى إلى تعزيز تخزين الغاز، وكذلك التزام إجراءات عاجلة جديدة تهدف إلى التخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على المواطنين الأوروبيين حيث بلغ سعر الكازوال أكثر من 2 أورو للتر الواحد، وهو رقم لم تعرفه أوربا، أي حوالي 23 درهما للتر الواحد تقريبا.
القمة الأوربية تناولت تداعيات الحرب بأوكرانيا على مواطنيها ومقاولاتها، لكن هذه الحرب الأوربية الأوربية لها تداعيات على باقي العالم، وخاصة بإفريقيا، حيث ستكون لها تأثيرات كبيرة على أسعار الطاقة والمواد الغذائية، في بلد مثل المغرب الذي يعتمد على استيرادهما من الخارج خصوصا القمح، وهو استيراد سوف تزداد نسبته خاصة في سنوات الجفاف مثل هذه السنة، وهو نفس الوضع بالنسبة لبعض بلدان الجوار، التي تستورد القمح بشكل أساسي من روسيا وأوكرانيا مثل الجزائر، مصر وليبيا.
طبعا هذه الحرب الأوربية الأوربية والحصار ضد روسيا ستكون لهما تداعيات على الاقتصاد العالمي وبلدان الجوار الأوربي مثل المغرب، وقد اختار الأوربيون، طبعا، تطبيق الحصار لكن مع استثناء حاجياتهم من الطاقة مثل الغاز والبترول، لكن هل سيسمح لبلدان مثل بلدان شمال إفريقيا، ومن بينها المغرب، باستيراد القمح الروسي أم أن العقوبات الغربية سوف تحول دون ذلك؟ وهل ستقدم أوربا تعويضات لهذه البلدان لمواجهة آثار هذا الحصار كما قدمت لمواطنيها ومقاولاتها، أم أن سياسة الكيل بمكيالين المتبعة في العلاقات الدولية سوف تضعف الحصار الغربي على روسيا، خاصة أن بلدانا أخرى من العالم سوف تتردد في تطبيق هذا الحصار كالصين خصوصا التي لها مصالح كبيرة وتريد الحصول على الطاقة والمواد الأولية من روسيا الفيدرالية، وهو نهج سوف تسير عليه بلدان أخرى مثل الهند وتركيا رغم تحالفها مع الغرب، إذا رأت أن هذا الحصار لن يفيدها بقدر ما سيضر اقتصادها، ذلك لأن أغلب اقتصاديات العالم كانت تسعى إلى التعافي من الوباء مع ما طرحه ذلك من مشاكل حول استيراد السلع والتضخم الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي مع ارتفاع الأسعار، الذي زادت من حدته الحرب الروسية بأوكرانيا، وهي كلها عوامل سيكون لها آثار جد سلبية خاصة بالبلدان الإفريقية.
هذه التطورات للحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها السلبية على الاقتصاد وأثرها على التجارة، في عالم مازال يعاني من تداعيات الوباء، يمكن أن تفشل الحصار الاقتصادي على الدب الروسي الذي دعت له الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوربي.