swiss replica watches
تخاريف…. – سياسي

تخاريف….

كتبها: الإعلامي أحمد الدافري
الخطاب الطويل الذي ألقاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمام كاتب الدولة في الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، في إطار اللقاء الثنائي الذي عقداه مع بعضهما في قصر المرادية قبل خمسة أيام، نشرته بالكامل كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية في موقعها الرسمي مترجما من اللغة الفرنسية التي كان يتكلم بها الرئيس تبون إلى اللغة الإنجليزية..
الذين ترجموا الخطاب الطويل لتبون بكل تلك المعطيات وبكل تلك التفاصيل، اعتمدوا حتما على تسجيل صوتي. والتسجيل الصوتي لا يمكن أن يتم من الناحية الأخلاقية وحتى الأمنية إلا بموافقة إدارة شؤون رئاسة الدولة. بل هي التي من المفروض أن تشرف على عملية التسجيل.. وهذا أمر يمكن تفهمه، بحكم أنه لم يكن من الممكن أن يتم التواصل بين الرئيس الجزائري وكاتب الدولة في إطار حوار مباشر فيه تبادل آني للأفكار بينهما، بسبب عائق اللغة. فالرئيس الجزائري يبدو أنه غير قادر عن التعبير عن أفكاره باللغة الإنجليزية لأنه حسب ما يبدو لا يحسنها وإلا كان استعملها. وكاتب الدولة الأمريكي مطالب هو وطاقم مكتبه بأن يستوعبوا جيدا مضمون خطاب الرئيس الذي كان يتحدث بالفرنسية، لذلك كان من الضروري أن يتوفروا على تسجيله الصوتي لتفريغه وترجمته. ويبدو أن البروتوكول الخاص بهذا اللقاء هو الذي حدد هذه الطريقة في المحادثة، باتفاق بين الطرفين.. أي أن إكراه التواصل اللغوي، فرض على الرئيس الجزائري أن يتحدث ويقول كل ما لديه بدون انقطاع، ربحا للوقت. فقد كان من الممكن أن يتم اللقاء بحضور مترجم خاص بالرئيس ومترجم خاص بكاتب الدولة الأمريكي، لكن هذه العملية كانت ستكون متعبة من الناحية التواصلية وقد لا تكون الترجمة جد دقيقة، وكانت ستأخذ وقتا طويلا، وسيًصبح وقت اللقاء مُضاعفا. لذلك، كان الحل الملائم هو أن يتحدث الرئيس الجزائري ويقول كل ما لديه، على أساس أن تتم ترجمة ما قاله لكاتب الدولة الأمريكي.
إلى هنا كل شيء واضح. لكن يبقى السؤال هو : ما هو مضمون الخطاب الذي ألقاه كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية أمام الرئيس الجزائري؟.
الطبيعي هو أن الذي لديه رسالة يريد أن يوصلها للآخر، هو الطرف الذي قرر القيام بجولة في المنطقة. فكاتب الدولة الأمريكي هو الذي برمج هذه الزيارة، وكانت لديه أمور يريد أن يوصلها للجزائر وللمغرب في زيارته لهما. ومن ثمة، فإنه من الطبيعي، واحتراما للبروتوكول الجاري به العمل، أنه هو الذي يتحدث في بداية لقائه بالمسؤولين الذين يلتقي بهم، ويوضح لهم أغراض زيارته، ويكشف لهم عن أفكاره.. ومن ثمة، منطقيا، يكون خطاب الرئيس تبون كان تعقيبا على الأفكار التي طرحها عليه كاتب الدولة الأمريكي، لأنه هو المستقبٍل، أي المتلقي.. فكاتب الدولة الأمريكي جاء إلى الجزائر حاملا أفكارا، وقام بطرحها على الرئيس الجزائري. وهذا الأخير توصل بالأفكار وأجابه عنها، وبعدها انتهى اللقاء، وغادر كاتب الدولة الأمريكي الجزائر في زيارة لم تتجاوز خمس ساعات..
في هذا الإطار، يمكن إذن التسالؤل عن مضمون الخطاب الذي جاء بلينكن حاملا إياه إلى الرئيس تبون. لماذا لم يتسرب خطاب بلينكن وتسرب خطاب الرئيس تبون؟ لماذا خطاب بلينكن ظل محميا ولم تكشف عنه المواقع الجزائرية؟. لماذا كشفت وزارة الخارجية في موقعها عن خطاب الرئيس تبون كما هو بالنقطة والفاصلة، ولم تكشف وزارة الخارجية الجزائرية عن خطاب كاتب الدولة الأمريكي في موقعها، كما هو، بالنقطة والفاصلة؟.
الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت أن ترسل رسالة من خلال نشرها لخطاب تبون في لقائه ببلينكن مفادها أنها ليس لديها شيئا تخفيه، وأن جواب الرئيس الجزائري على الأفكار والملاحظات التي حملتها له واضح ويمكن أن يطلع عليه الجميع. وكل من أراد أن يعرف تلك الأفكار والملاحظات يمكنه استنتاجها من خلال مضمون خطاب/ رد الرئيس تبون المنشور في موقع وزارة الخارجية والذي تم تسريب تسجيله الصوتي.
لنترك جانبا الجزء البكائي من الخطاب الصوتي والمكتوب للرئيس تبون الذي يتعلق بعلاقة الجزائر بالمغرب، وما تخلله من تلفيق وتزوير لحقائق تاريخية وادعاءات وأكاذيب، حين اعتبر أن المغرب بلد توسعي، وأنه أراد أن يحتل أراض جزائرية سنة 1963، بينما الحال أنه تاريخيا لم تكن قبل الاستعمار الفرنسي هناك أية دولة جزائربة بنفس الأراضي التي تركتها فرنسا بعد أن احتلت أربع بايلكات / إمارات صغيرة تحت حكم الأتراك في شمال إفريقيا هي إمارة الجزائر المركزية Alger وثلاث إمارات تابعة لها هي إمارة الشرق وعاصمتها مدينة قسنطينة وإمارة التيطري وعاصمتها مدينة المدية وإمارة وهران شرق الإمبراطورية الشريفة (المملكة المغربية حاليا) التي اقتطع المستعمر الفرنسي والإسباني أراض منها، من بينها أراض تم توسيع بها الجزائر الفرنسية L’Algerie قبل أن تسلم فرنسا هذه الأراضي الجديدة التي احتلتها لأول حكومة جزائرية في استفتاء استقلال الجزائر الفرنسي يوم 1 يوليوز 1962.
الأهم بالنسبة إلينا في خطاب الرئيس تبون هو حديثه عن القانون الجديد للاستثمار الذي يستعد لإصداره في غضون شهر أو شهر ونصف، حيث قال في خطابه لبلينكن بأنه أعطى تعليماته كي يكون هذا القانون ساري المفعول لمدة عشر سنوات من أجل تحرير الاستثمار الأجنبي والوطني وإزالة القيود عنه قدر الإمكان، وإزالة الحواجز لوضع حد لكل ما فعلته فئة سماها الرئيس تبون الأوليغارشية المتبقية المرتبطة بالمافيا الروسية والإيطالية والمافيات الأخرى، التي اختلست كل أموال البلاد.
لنركز هنا على ما قاله الرئيس تبون في خطابه. تحدث عن المافيا الروسية والإيطالية (لا شك أنه يقصد تجار الأسلحة والممنوعات) وباقي المافيات التي اختلست كل أموال الجزائر. كلها وليس بعضها. أي خطاب هذا؟. هل لم تعد الجزائر تملك أموالا؟ كيف أن المافيات اختلست كل أموال الجزائريين دون أن يطالها القانون؟.
الأمر الثاني في خطاب الرئيس تبون هو كشفه عن مخطط اقتصادي قال بأنه يحاول من خلاله تعزيز دور الجزائر في إفريقيا كلها بما فيها البلدان المغاربية، وقال بأن الجزائر هي البلد الديناميكي الوحيد في محاربة الفساد، وأنهم في الجزائر يتحملون مسؤوليتهم في كل عمل سياسي.
كيف يمكن الحديث عن أن الجزائر هي البلد الديناميكي الوحيد في محاربة الفساد (مع التسطير على كلمة الوحيد أي الوحيد في العالم) ومع ذلك فإن الأوليغارشية (حسب تعبيره) التي كانت تحكم البلد، استولت على كل أموال الجزائر وهربتها، وأفلتت من العقاب، ومن بين هذه الأوليغارشية اسمان بارزان هما الجنرال خالد نزار والجنرال محمد مدين (التوفيق)، اللذان تمت محاكمتهما، وحُكم عليهما بالسجن في إطار الصراع بين أفراد الأوليغارشية بعد الحراك الشعبي الجزائري قبل أن تتم تبرئتهما؟
دائما في إطار التفاخر والتباهي، يضيف الرئيس تبون في خطابه الموجه لبلينكن بأن الجزائر هي الدولة الوحيدة التي سيكون لديها مشروع كبير لهيكلة الدولة (الدولة الوحيدة، يعني الدولة الوحيدة في العالم !)، موضحا أن هذا المشروع هو زراعي، ومؤكدا أنه بحكم أن الجزائر دولة كبيرة فهي يمكنها مساعدة إفريقيا بإمدادها بالحبوب، ويقول في هذا الإطار :”نحن نستطيع فعلها. من الممكن تقنيًا الوصول إلى إنتاج 30 مليون طن. نحتاج 9 ملايين طن ويمكننا تصدير 21 مليون طن للمغرب وتونس ومصر دون أية مشكلة”.
هكذا إذن. بالنسبة إلى الرئيس تبون، لا مشكلة لدى الجزائر مستقبلا في تصدير 21 مليون طن من الحبوب للمغرب وتونس ومصر بسهولة.
في انتظار ذاك اليوم، نتمنى أن يعمل النظام الجزائري حاليا جهدا أكثر لمد شعبه بما يحتاج إليه حاليا من زيت ودقيق وحليب، ونحن لا نتمنى له سوى الخير. وهذا ما كان.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*