swiss replica watches
الحرب على أوكرانيا ومخاطر أزمة الاقتصاد المعولم – سياسي

الحرب على أوكرانيا ومخاطر أزمة الاقتصاد المعولم

عادل بنحمزة
قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، كان هناك نقاش واسع في الأوساط الأكاديمية والسياسية حول ما تعيشه الدولة اليوم على المستوى العالمي من وضع غير مستقر، بل هناك وجهة نظر تدعو صراحة إلى مراجعة أدوار الدولة بصفة جذرية، وذلك لأسباب موضوعية تتمثل في التحولات التي تمس مبدأ السيادة بأبعاده المختلفة، خاصة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
فكثير من الدول الأوروبية مثلاً التي تأثرت تأثراً كبيراً بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008، واجهت صعوبات حقيقية على مستوى تأمين قراراتها السيادية والالتزام بوعودها أمام مواطنيها. كمثال على ذلك، نتذكر أن دولاً كإيرلندا والبرتغال واليونان وإسبانيا، لم تعمل الأحزاب التي اختارها الناخبون في الانتخابات لتقود حكوماتها، سوى على تنفيذ حزمة من الشروط التقشفية التي فرضتها المؤسسات المالية الأوروبية والدولية كشرط لضخ أموال في اقتصادياتها المحلية، وخاصة معالجة نقص سيولة البنوك، ومن أهم هذه الشروط كان هناك تخفيض كلفة التحملات الاجتماعية في قطاعات حيوية تمسّ الحياة اليومية للمواطنين، كالصحة والتعليم والأجور والتقاعد ومعونات البطالة، إضافة إلى تخفيف الضمانات القانونية المتعلقة بالتشغيل وسوق العمل بصفة عامة.
صحيح أن هذه الدول عادت للتعافي، لكن الأزمة أوضحت محدودية دور الدولة وعجزها أمام إملاءات المؤسسات المالية الدولية، فإذا كان هذا وضع دول تنتمي للغرب المتقدم فيمكن تصور وضع الدولة في باقي دول العالم، خاصة الفقيرة الغارقة في التبعية.
الأزمة الحالية المتمثلة في الحرب الروسية على أوكرانيا، وما نتج منها من انعكاسات على أسواق الطاقة ومن تحولات جيواستراتيجية بالتزامن مع آثار جائحة كورونا، ظهرت تأثيراتها القوية والسريعة على الاقتصاد العالمي، لكن ذلك قد يتجاوز الجانب الاقتصادي إلى الجانب السياسي، فاستمرار الوضع الحالي أضحى يهدد استقرار كثير من الدول بصفة جدية، وما عرفته باكستان وسريلانكا يعدّ مقدمة لما يمكن أن تعرفه دول أخرى إذا ما استمرت الحرب لفترة طويلة.
ترابط البعدين الاقتصادي والسياسي في الأزمة الحالية نجد نموذجاً له بالعودة إلى الأزمة الاقتصادية والمالية لسنة 2008، إذ إن لجوء عدد من الحكومات في تلك الفترة إلى تأميم الخسائر التي تكبدها القطاع المصرفي والبورصوي، وفرض تبعات وتكلفة ذلك على المواطنين البسطاء الذين كانوا باستمرار على هامش الأرباح الخيالية التي كانت تجنيها هذه المصاريف والبورصات من المضاربات والاقتصاد الافتراضي، يعتبر تجاوزاً كبيراً هدد في العمق الديموقراطية وهدد الاستقرار، فكما أنتجت أزمة 1929 صعود النازية في ألمانيا، فإن الأزمة الممتدة للنموذج الاقتصادي.
والسياسي العالمي السائد اليوم بأزماته وأعطابه ولا عدالته، تدفع بقوى غير ديموقراطية إلى صدارة المشهد السياسي، خاصة في أوروبا من خلال اليمين المتطرف والنازيين الجدد الذين حققوا اختراقات انتخابية غير مسبوقة في عدد من الدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة، إذ إن انحراف التصويت لهذه المجموعات يجد أحد تفسيراته في يأس المواطنين البسطاء من السياسيين الذين يعجزون عن الوفاء بالتزاماتهم، خاصة ذات التكلفة المالية، وذلك راجع لمحدودية استقلالية قرار الدول في مواجهة تيارات الاقتصاد المعولم.

هكذا تعاني الانتخابات اليوم كأحد مظاهر الديموقراطية ومداخلها الأساسية، من خطر تحوّلها إلى طريق معبدة لخصوم الديموقراطية ممن يحملون مشاريع متطرفة قد تعيد العالم إلى أجواء الحربين العالميتين الأولى والثانية، خاصة في سياق الأثر الجيواستراتيجي الأكيد للحرب الدائرة في أوكرانيا.

مخاطر عدم الاستقرار العالمي لا تقتصر فقد على ما يجري اليوم في الغرب، بل أيضاً ما يجري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا، فإذا كانت الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008 وتداعياتها قد أنهت عصر الثنائية الحزبية في أوروبا، بغض النظر عن اختيارات هذه الأحزاب الأيديولوجية، وساهمت في بناء مشهد حزبي جديد يبحث عن الاستقرار السياسي والحزبي، فإن الصورة تبدو أكثر ضبابية عندما نتجه إلى أقصى الكرة الأرضية في اتجاه الشرق الأقصى، وأهم ما يظهر فيها أن التنين الصيني يبدو في طريقه إلى مراجعة كثير من اختياراته التنموية بفعل توالي الأزمات (الأزمة الاقتصادية العالمية، جائحة كورونا، الحرب الروسية على أوكرانيا) وتأثيرها عمّق بنيته الإنتاجية القائمة على التصدير وانعكاس ذلك على الهيكلة الجديدة التي عرفها المجتمع الصيني في العقود الأخيرة، ففي حال عدم القيام بإجراءات استباقية، فإن الصين قد تعيش كارثة اجتماعية كبيرة، أهم وقودها طبقة وسطى تعادل مجموع سكان أوروبا وحجم متقاعدين يعادل عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى موجة هجرة المصانع التي بدأت قبل سنوات في اتجاه فيتنام وميانمار وبغلاديش، بل في اتجاه الولايات المتحدة نفسها وتعويضها بما تتيحه الثورة الصناعية الرابعة من روبوتات تزيد من استغناء المصانع الصينية عن اليد العاملة. فالصين صارت رائدة عالمية في صناعة الروبوتات واستعمالها، وهذا سيكون له انعكاس كبير على سوق العمل داخلياً.

من جهة أخرى، تواجه الصين اليوم مخاطر الانزياح عن نموذج “ديموقراطي” أرساه الحزب الشيوعي الحاكم، وضمن هذا النموذج تداولاً على السلطة بسلاسة داخل الحزب، وله يعود فضل قدرة الصين على تجنب مصير الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي، ذلك أن الرئيس شي جينبينغ له طموح كبير في السلطة وكاريزما سيكون لها أثر بلا شك على تداول السلطة داخل الحزب الشيوعي، إذا أضيف إلى ذلك أزمة الطاقة وشح الموارد النفطية والغازية مع استمرار الحرب على أوكرانيا والعقوبات على روسيا والتوترات التقليدية في الشرق الأوسط، خاصة في مربع طهران ودمشق وتل أبيب والرياض، ورغبة الولايات المتحدة في محاصرة بكين في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي، فإننا يمكن أن نتوقع تحول الصين إلى دولة إمبريالية لحماية مصالحها، أو أنه سيعرض عليها تحمل تبعات انتفاضات شعبية ستحمل مطالب ديموقراطية وسياسية لا قبل للصين كنظام سياسي بها في هذه الظرفية بالذات، ما سيجعلها موضوعياً على طريق الاتحاد السوفياتي البائد، وأي انهيار للصين بهذا الشكل الدرامي سيكون له وقع الكارثة على الاستقرار العالمي.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*