سنة واحدة من عمر الحكومة كانت كافية لكي يتحول رقم النمو إلى رقم التضخم، ورقم التضخم إلى رقم.. نمو!!
أفسر: في خطاب ملك البلاد لافتتاح الدورة الأولى في حياة الحكومة القائمة، كان جلالة الملك قد قدم صورة عن الوضع الذي دخلت عليه الحكومة، والمعطيات المهيكلة الأساسية للوضع في بلادنا، ولا نعتقد بأن الأمر مجرد تمرين خطابي مناسباتي بقدر ما كان قاعدة يقدمها الملك لعموم المواطنين والمتتبعين وأصحاب القرار لتقييم أداء الحكومة في القادم من الأيام.
الذي حصل أن نسبة النمو التي أعلنها ملك البلاد «نسبة نمو تفوق 5.5 في المائة سنة 2021، وهي نسبة لم تتحقق منذ سنوات، وتعد من بين الأعلى، على الصعيدين الجهوي والقاري»، أصبحت بعد سنة واحدة فقط هي نسبة تضخم!
فقد أفادتنا مندوبية السي أحمد الحليمي في نشرة، أول أمس، أن متوسط معدل التضخم، بلغ على أساس سنوي، 5,5%، أي بمستوى يفوق خمس مرات المستوى المسجل بين سنتي 2017 و2021.
وبذلك فنسبة التضخم المتحكم فيها في حدود 1 % تضاعفت خمس مرات ونصفا!
أما النمو فالمرجح أنه سيكون في حدود نسبة التضخم السابقة أي 1 % (البنك الدولي يقدم 8،0 %).
الأوضاع الدولية: هي ذي الردود التي تقدم عادة وتتعلق بسلسلة التوريد وبالحرب الأوكرانية والجفاف، وإذا كانت هذه المعطيات قائمة وتفرض إجبارية الأخذ بها، فلا بأس من التذكير بأن ما تحقق من نتائج سردها الملك، كان في سنة استثنائية قاسية دوليا وكان العالم أغلق على نفسه أبواب الكرة الأرضية ورست السفن في موانئها وجثمت الطائرات على أرضيات المطارات ودخلنا جميعا جحورنا ككائنات مرعوبة…
ضاعفت المدافع من صدى المخاوف والتخرصات وكان المتوقع أن يتم ابتكار حلول تساير الإرادة المنتجة التي دبرت بها المؤسسة الملكية جائحة كورونا…
ولعل أحد مداخل هذا التفاعل يتمثل في «ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد» كما وردت في خطاب أكتوبر 2021.
ولا يمكننا لحد الساعة أن نرسم معالم هذه المنظومة، بل تابعنا ترددا مشوبا بالكثير من العجز في تدبير ملفات الأسعار في الطاقة وفي الغذاء. وما زلنا نتابع، توقعات بتزايد العجز والمعاناة الصامتة لقطاعات واسعة من المواطنين في أنواع الهشاشة (ارتفاع العدد الكلي ب3 ملايين نسمة في حالة ضعف وفقر وهشاشة).
لقد كانت «بداية هذه الولاية التشريعية، تأتي في مرحلة واعدة، بالنسبة لتقدم بلادنا»، كما ورد في نص الخطاب المشار إليه أعلاه…
النقطة الثالثة ولا شك تهم ما دعا إليه الملك من «تنفيذ إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية»، في الواقع كان رد الحكومة بخصوص هذه النقطة مثيرا للاستغراب قليلا، فعوض أن تعلن عن الشروع في إصلاحها، بناء على دفتر التحملات المعلنة بنوده في توصيات النموذج التنموي الجديد، جاء دعم نفس المؤسسات!
فقد انتظرنا الإصلاح وتجديد الإصلاح فكان للجهات المسؤولة خيار آخر هو ضخ دعم جديد بـ 7 ملايير درهم للحفاظ على توازنات العجز فيها وتغطيته بقشرة من الصباغة اللامعة…
والحال أن الدعم، إذا كان ضروريا كان يجب أن يكون مشروطا بالإصلاح لا بالحفاظ على توازنات الخلل!
لقد أطلقت بلادنا ثورة حقيقية اسمها التغطية الاجتماعية ورافقتها بثورة قطاعية في الصحة، ومن حسن الحظ أن الجدول الزمني والتركيب المالي وآليات التنفيذ وكل ما له علاقة باستحقاق ثوري مثل هذا رسمتها الخطب الملكية بالنقطة والفاصلة كما يقال، وسارعت الحكومة وخارطة الطريق بين يديها إلى العمل عليها.
وهو أمر لا يمكن أن ننكره، كما لا يمكن أن ننكر أن الوضع صعب ودقيق والظروف تزداد توجسا والمتوقع أن يزداد ارتفاع الأسعار…
إن الأشياء التي يمكن أن تساعد على وضع التأطير المؤسساتي للرد الاستباقي في ظروف المغرب، هي السعي إلى تقوية النزوع الإصلاحي في الإدارة المغربية، وتنفيذ توصية لجنة النموذج التنموي والمتعلق بالميثــاق الوطنــي مــن أجــل التنميــة و… آليــة لتحفيــزالمشــاريع الاســتراتيجية، تلك الآلية التي تعمل تحــت إشراف جلالة الملــك، لتفعيــل الأوراش الاســتراتيجية التـي تقودهـا الســلطات المختصة ورفـع التقاريـر بشـأنها إلـى جلالـة الملـك؛ ودعـم قيادة التغييـر.
إن الظرفية الدولية دخلت نفقا صعبا، وأطراف الحرب الروسية الأوكرانية سجنت نفسها في منطق الحرب الطويلة الأمد، وتفاعلاتها وإسقاطاتها على منطقة غرب المتوسط، ستزداد رهبة، بل من المتوقع أن تخلق جوا أكثر قتامة، بوجود أياد عديدة تريد تأزيم ميدان اللعب، والمغرب الذي ربح الكثير من تنويع تحالفاته وتكريس القوة الناعمة للمملكة بشكل عقلاني ومفكر فيه، قد يتعرض للعديد من الامتحانات، ولا أحد يعرف ماذا سيحصل في ظرف سنة بل في أقل منها