كان لافتًا للمتابعين ردود الفعل القوية والكبيرة لكل أطياف الشعب الفلسطيني التي تجاوبت مع ذكرى عيد العرش، وكذا مع الخطاب الملكي الذي ألقاه بالمناسبة، وهي ردود فعل تعكس وعيًا فلسطينيا صادقًا بأواصر الروابط المغربية-الفلسطينية التي جاءت للتعبير بهذه المناسبة عن كل العرفان لما يقوم به المغرب، ملكا وشعبا، تُجاه القضية الفلسطينية وتُجاه فلسطين، حيث شاركت أطياف الدولة الفلسطينية في الاحتفالات التي نظمتها سفارة المغرب بفلسطين، وكانت مناسبة للتأكيد ليس فقط على أواصر الروابط التاريخية التي تجمع الجانبين، بل وكما صرح بذلك رئيس الحكومة الفلسطينية (باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس)، في تعليقه على خطاب العرش: «نقدر ما أكد عليه جلالة الملك في كلمته أمس من دعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

وهذا الموقف يجسد التضامن القوي بين الشعبين والالتزام بقضايا الأمة العربية والعلاقة المتميزة بين فلسطين والمغرب هي علاقة ضاربة في التاريخ، بدأت في زمن الناصر صلاح الدين عندما جاءت الجالية المغربية لفلسطين، وعاشت في القدس، حيث هدم حي المغاربة في القدس، وأقيم مكانه الحي اليهودي، ودفع أهلنا المغاربة خارج حدود المدينة ضمن معركة الاحتلال وتزوير التاريخ العربي الإسلامي والمسيحي لمدينة القدس.

ونذكر بفخر انتصار المغرب لدعم منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 ليتم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني»، هذا التصريح وحده كافٍ للتأكيد على أواصر هذه الروابط و وعي فلسطيني رسمي بكون المغرب يضع القضية الفلسطينية بعد قضية وحدته الترابية أولوية في سياسته الخارجية التي ما فتئ الملك أن أكد مرارًا على كون فلسطين تعتبر قضية مقدسة بالنسبة للمغرب.
لاشك أن هذا الموقف الفلسطيني لم يأت من فراغ، بالإضافة إلى كونه موقفًا فلسطينيا رسميًا؛ فهو أيضا تعبير عن رغبة فلسطينية في الحفاظ على العلاقة التاريخية التي جمعت المغرب بفلسطين الشعب والقضية، تجسدت في مبادرات مغربية عديدة تم اتخاذها للتعبير عن دعم القضية الفلسطينة وحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، بدءًا من الموقف التاريخية للعاهل المغربي الرافض بقوة لما سمي آنذاك بصفقة القرن، مرورًا بعدةً مبادرات اتخذها من خلال لجنة القدس التي يترأسها الملك، أو من خلال صفته كأمير للمؤمنين، لحماية مختلف المقدسات الدينية بالقدس خاصة القدس الشرقية.
تصريحات المسؤولين الفلسطينية بمناسبة عيد العرش التي تم الإدلاء بها، على هامش الاحتفالات التي نظمتها السفارة الفلسطينية برام الله بفندق الكرمل، والتي حضرتها فعاليات فلسطينية رسمية داخل السلطة الفلسطينية يتقدمهم رئيس الوزراء الفلسطيني، وأعضاء داخل اللجنة التنفيذية لحركة فتح وداخل منظمةً التحرير الفلسطينية التي تزامنت مع ترؤس الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاجتماع الوحدة الفلسطيني، هي تصريحات لا يمكن إلا أن تلتقط بإيجابية في المغرب رسميًا و شعبيًا، ولاشك أنها ستزيد من حجم التضامن المغربي مع القضية الفلسطينية، دولة وشعبًا، كما ستعزز المبادرات التي يتم اتخاذها من طرف الدولة المغربية لدعم فلسطين.
لقد كانت مناسبة عيد العرش مناسبة لإبراز هذا الوعي الفلسطيني بأهمية المغرب بالنسبة للقضية الفلسطينية ولفلسطين، خاصة مع ما تتعرض له من محاولات لطمس هويتها، سواء من خلال الاستمرار في سياسة الاستيطان أو سياسة العقاب الجماعي الذي تمارسه إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني.

وهنا يبرز دور المغرب كما أعلن عنه خطاب العرش، دور المرافع عن القضية الفلسطينية، ودور المبادر إلى دعم الشعب الفلسطيني سواء من خلال لجنة القدس أو بيت مال القدس، أو من خلال المبادرات التي تقوم بها الدولة المغربية في قطاع غزة و رام الله، و هو دور يحظى باعتزاز كل مكونات الشعب الفلسطيني سلطة وشعبا وفصائل ومكونات وطنية.
لاشك أن تصريحات المكونات الفلسطينية الرسمية والشعبية والفصائلية خاصة منها حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد الشعب الفلسطيني، ستساهم في تجذير المبادرات المغربية تُجاه القدس وباقي الأراضي الفلسطينية، وستشكل نوعا من الدعم الفلسطيني للمغرب الرسمي من أجل القيام بخطوات لوقف كل أشكال الحصار على فلسطين، ولبعث عملية السلام، ولم لا اتخاذ مبادرة في هذا الشأن خاصة وأن المغرب له سوابق في ملفات معقدة واستطاع أن ينجح فيها كالملف الليبي، كما أنه يحظى بالمصداقية داخل فلسطين وإسرائيل، وله تأثير معنوي لدى كلا الجانبين تؤهله لاتخاذ خطوات حقيقية لتحقيق السلام، وهو ما أشارت إليه تهنئة الرئيس بايدن للعاهل المغربي عندما أشاد وأشار للدور الملكي في صنع السلام بالشرق الأوسط، الأكيد أن المعني هنا هو الملف الفلسطيني-الاسرائيلي.
فهل تكون رسائل التهنئة التي تلقاها الملك بمناسبة عيد العرش مقدمة لدور مغربي في هذا الملف؟
الأيام القادمة ستجيب عن هذا السؤال.