“بركات” السجن!
“بركات” السجن!
سياسي/ الرباط
من يتأمل في بطن توفيق بوعشرين التي تنهطل على حجره من فرط السمنة وعبء التخمة، وهو يغادر أبواب السجن، قد يعتقد، للوهلة الأولى، بأن الرجل كان يقضي فترة استجمام في أرخبيل المالديف وليس في مؤسسة منذورة للإصلاح والتهذيب!
ف”كرش” توفيق بوعشرين في حلته الجديدة، لا يمكن “تربيتها” إلا في مؤسسة سخية العطاء، توفي الكيل في ميزان الوجبات الغذائية، وتحسن الرعاية الصحية! اللهم إلا إذا كان توفيق بوعشرين، مثله في ذلك مثل الشيخة طراكس، يتناول عقاقير “دردك” التي تضاعف منسوب الهرمونات في الأرداف والأوداج.
ومن يتمعن كذلك في الحمرة الدهماء التي كانت تعلو وجنة عمر الراضي، وأردافه المتموجة بالنتوءات العظيمة، يدرك بأن والد هذا الأخير إنما كان يصدح بغير الحقيقة، عندما كان يتحدث زاعما عن “معاناة” ابنه في السجن مع الوجبات الباردة.
فعمر الراضي خرج عريض المنكبين، كامل الدسم غير منقوص، وكأنه كان يقضي فترة نقاهة في مؤسسة فندقية ممولة من طرف منظمة “بيرثا”، التي كان يبيع لها سابقا تقاريره المخدومة.
أما سليمان الريسوني، فكان أرشق المغادرين للسجن، بسحنة بيضاء، وقوام رشيق، خال من الدسم، وبتعبير عامي “قاد الفورمة”، وكأنه كان في منتزه صحي لشفط السمنة، وليس في مؤسسة سجنية تخضع لقوانين صارمة ولحراسة مشددة.
ولم يكن هؤلاء الثلاثة وحدهم من ظهرت عليهم “نعمة” السجن، وتجلت على هيئتهم وملامحهم بركات أموال دافعي الضرائب المغاربة، التي كانت ترصف عليهم “فابور” لتوفير الإعاشة وتجويد الإيواء وتحسين الرعاية الصحية المجانية.
فحتى سعيدة العلمي برحت السجن وسحنتها صافية البياض، وكأنها خارجة من حمام بلدي يوفر خدمات التنظيف بالغاسول و”النيلة” الصحراوية التي تستخدم لتطهير العروس قبل زفها إلى زوجها يوم القران.
أما رضا الطاوجني فقد خرج من السجن أفضل مما دخله، فالرجل “زيان وملاح ونزاز”، وعليه أن يستحضر نعمة عبد اللطيف وهبي عليه، ويكثر من الحمد والشكر، لأن شكاية هذا الأخير هي التي كانت السبب في “بركات” السجن التي تغمره اليوم.
والأمثلة كثيرة على أن سجون محمد صالح التامك، لم تعد مؤسسات للتقويم، وإنما باتت مراكز لترشيق القوام، وكيف أنها لم تعد سجونا للتهذيب وإنما منتجعات للتسمين! وانظروا كيف خرج سابقا حميد المهداوي ومول الكاسكيطة ونور الدين لعواج من السجن على “خير”. وقارنوا كذلك بين حالة المعطي منجب بعد مغادرته السجن وهو منتفخ الأحشاء، وكيف صار اليوم هزيلا نحيف الأضلاع.
ولعل هذه المقارنات الموضوعية هي التي جعلت البعض يعلق ساخرا بالقول:” يحق للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن تطالب وزارة السياحة بإدراجها ضمن الفنادق المصنفة، وأن تطالب وزارة الصحة بمنحها رخصة إدارة المنتجعات الصحية للتجميل وتحسين القوام”.
بل إن أحد المعلقين اشتق من التسمية الفرنسية المختصرة للمندوبية العامة لإدارة السجون ما يوحي بأنها باتت مؤسسة للاستجمام والتعليف والتسمين. وكتب مازحا:” بأن DGAPR، وهي التسمية المختصرة لإدارة السجون، تتألف من حرف D ويرمز إلى Détox، وحرف G ومعناه Gommage، وحرف A يشير إلى Alimentation، وحرف P يرمز إلى Propreté، وأخير حرف R يشير إلى كلمة Relooking.
وبصرف النظر عن جرعات السخرية في هذه التعليقات، فإن منسوب الموضوعية يفرض علينا التساؤل: هل كان توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي وسعيدة العلمي وغيرهم في السجن بالفعل؟ أم كانوا في مراكز للإيواء والتغذية والرعاية الصحية المجانية؟
فالشكل الذي خرج به هؤلاء السجناء، وهم يرفلون في رداء الصحة والتخمة والسمنة، بينما كان المغاربة يئنّون تحت وطأة التضخم والغلاء وجائحة كورونا، يفرض على الإنسان التفكير مستقبلا، وبشكل جدي، في قضاء عطلة طويلة الأمد في منتجعات محمد صالح التامك المجانية، شاملة الخدمات الصحية والتجميلية، عوض السفر نحو وجهات سياحية مكلفة للجيب والجسد.
ويبقى أفضل ما في منتجعات محمد صالح التامك أن النزيل يخرج منها ب”وجه منتفخ متورم بدون ماء الخجل”، وكأنه يخضع فيها لعمليات “البوطوكس لنزع الحياء”، فيتحول المغتصب وهاتك العرض إلى ضحية، يحتفى به في مقرات حزب النهج والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بل ويطالب بكل وقاحة بجبر الضرر، وهو الذي أسمن أكتافه وأردافه مجانا على حساب عرق المغاربة وأموالهم.