هل تحيي انتفاضة التلاميذ الحراك الجزائري؟!

هل تحيي انتفاضة التلاميذ الحراك الجزائري؟!

تشهد العلاقات الجزائرية/الفرنسية خلال هذه الأيام تدهورا حادا حول مجموعة من الملفات والقضايا، وخاصة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، جراء الموقف الفرنسي الجديد إزاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بعد أن جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 29 أكتوبر 2024 أمام البرلمان المغربي بغرفتيه دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي المغربي، قائلا: “أعيد التأكيد أمامكم، في نظر فرنسا حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”.

وقضية استمرار احتجاز الكاتب الفرنسي/الجزائري بوعلام صنصال الذي أوقفته السلطات الأمنية الجزائرية فور وصوله إلى الجزائر في 16 نونبر 2024، ومتابعته بتهم تتعلق بالإرهاب والمس بالوحدة الوطنية…

وقد ازدادت الأزمة الدبلوماسية تأزما ليس فقط إثر إقدام السلطات الفرنسية على اعتقال عدد من المؤثرين الجزائريين، المتورطين في التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الكراهية واستباحة دماء المعارضين الجزائريين للنظام العسكري الجزائري الفاقد للشرعية المقيمين في فرنسا، الذين ينتقدون بشدة سياساته وسوء تدبير الشأن العام، بل أيضا بسبب ما اعتبرته الجزائر “تدخلا سافرا وغير مقبول في الشؤون الداخلية”، عندما انتقد الرئيس الفرنسي علانية استمرار اعتقال الكاتب صنصال…

فإذا ببرودة الحجرات الدراسية وغياب التدفئة في المؤسسات التعليمية بمختلف الولايات الجزائرية، وانتشار الدعوات على منصات التواصل الاجتماعي الرافضة كذلك لثقل المناهج الدراسية في أسلاك التعليم الثلاثة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، تدفع بآلاف التلاميذ إلى الخروج للشارع، والانضمام إلى فئات أخرى من “غير الراضين” على تدهور الأوضاع من الشباب العاطلين وغيرهم من العاملين في سائر القطاعات، للاحتجاج ضد النظام العسكري الجزائري، الذي عوض الانشغال بالإصلاحات الضرورية وحل الأزمات الداخلية التي ما فتئت تتفاقم، من خلال النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية للشعب الجزائري وتحسين ظروف عيش المواطنين، يأبى إلا أن يستمر في تبديد ملايير الدولارات من عائدات النفط والغاز على شراء مواقف سياسية ضد وحدة المغرب الترابية، والتمادي في دعم جبهة البوليساريو، لتحقيق مشروعه الانفصالي الخائب في الصحراء المغربية…

إذ ما إن حلت السنة الميلادية 2025 حتى انطلقت سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات القطاعية، من أطباء وطلبة طب مقيمين وطلبة الجامعات وعمال في قطاعي الصحة والتعليم وسواهما، ثم التحق بهم يوم الأحد 19 يناير 2025 تلاميذ المؤسسات التعليمية، الذين ينادون بصوت واحد بإصلاح المنظومة التعليمة وإعادة النظر في المقررات والمناهج الدراسية المتجاوزة، حيث أنهم إلى جانب ما يعرفه النظام التعليمي من اختلالات، ينددون كذلك بافتقار الحجرات الدراسية إلى أبسط شروط ومقومات الحياة المدرسية، ويطالبون بعدة إصلاحات تربوية وبيداغوجية واجتماعية، لم تفلح في تحقيقها عديد النقابات التعليمية، لما ينقصها من جرأة في مواجهة القائمين على الشأن التربوي بالجزائر.

ومن مكر الصدف أن ما ظل “الكابرانات” يتمنون حدوثه في المغرب من تخبط وعدم استقرار وعزلة سياسية، هو ما يعيشون اليوم على إيقاعه من احتجاجات صاخبة وحملات رقمية تندد بتردي الأوضاع وتطالب بإسقاط حكمهم العسكري الفاسد والبائد، مما جعل فرائصهم ترتعش من شدة الرعب، خوفا من أن تعود الحرارة للحراك الاجتماعي وتعصف بهم خارج أسوار قصر المرادية، حيث كسر التلاميذ حاجز الصمت والخوف من التظاهر، بعد أن كانوا يمنعون من الخروج للشارع حتى وإن تعلق الأمر بمناصرة الشعب الفلسطيني في معركته الوجودية ضد الجيش الإسرائيلي المجرم، رغم أن الرئيس الجزائري “تبون” لا يتوقف عن تأكيد التزام بلاده بمواصلة الدفاع عن القضية الفلسطينية وقضية الصحراء “الغربية” وعدم التخلي عن نصرتهما، باعتبارهما قضيتين “مقدستين” حسب تعبيره.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى كما يقولون، فقد توالت الضربات الموجعة على نظام الكابرانات، أمام ما يحققه المغرب من انتصارات دبلوماسية على مستوى صحرائه، في ظل الزخم الهائل من البلدان الداعمة لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

فضلا عن سقوط نظام الدكتاتور بشار الأسد الذي يعد من أكبر حلفائه، وإصدار البرلمان الأوروبي يوم الخميس 23 يناير 2025 قرارا يدين صراحة وبأغلبية ساحقة اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال والاستمرار في احتجازه، داعيا النظام الجزائري الاستبدادي إلى احترام حرية التعبير والإفراج الفوري عنه دون قيد ولا شرط، مستنكرا بشدة عمليات التوقيف بحقه وغيره من النشطاء الحقوقيين والصحافيين والسياسيين، ممن احتجزوا قسرا أو صدرت ضدهم أحكام بسبب ممارسة حقوقهم وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير…

ففي ظل غطرسة الحكم العسكري وتسلطه المستمر، لم يعد الشعب الجزائري الأبي يستطيع صبرا على تحمل المزيد من الظلم والقهر والقمع والتجويع والترهيب ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه، وما تتعرض له ثروات البلاد ومواردها الطبيعية الهائلة من نهب واستنزاف، فيما يستمر المواطن الجزائري البسيط يعاني من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويقضي معظم أوقاته خلف الطوابير…

لهذا وغيره كثير، فإن أحرار وحرائر الجزائر مصرون على التغيير وبناء دولتهم المدنية والديمقراطية مهما كلفهم الأمر من تضحيات جسام، عملا بقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة،،، فلا بد أن يستجيب القدر

اسماعيل الحلوتي

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*