عن تفاقم الأزمة الجزائرية الفرنسية!
إن المتأمل فيما بات النظام العسكري الجزائري يعيش على إيقاعه من ارتباك وتخبط في قراراته الرعناء، وما يقوم به من مناورات دبلوماسية فاشلة إقليميا ودوليا، أدت إلى عزلة سياسية خانقة، لن يجد من وصف لذلك أفضل مما قال عليه الصلاة والسلام “إذا أسندت الأمور إلى غير أهلها، فانتظر الساعة” وبالفعل، فما عسانا ننتظر من “كابرانات” لا يتوانون عن إشعال فتائل المعارك الخاسرة، وتبديد عوائد النفط والغاز في دعم الحركات الانفصالية على حساب المواطنين، الذين يعانون من كافة أشكال القهر والتجويع والحرمان والقمع وغيره…
فما من أحد اليوم يستغرب مما وصلت إليه علاقات الجزائر الدبلوماسية من تدهور مع عديد الدول وفي مقدمتها المملكة المغربية وتليها الجمهورية الفرنسية، التي بدا واضحا أن العلاقات بينهما تسير بسرعة فائقة نحو المجهول، منذ اعتراف الحكومة الفرنسية بمغربية الصحراء، وتأكيد الرئيس “إيمانويل ماكرون” من قلب البرلمان المغربي في أكتوبر 2024 أن “حاضر ومستقبل الصحراء بالنسبة لبلاده لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية، وفي إطار مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة المغربية لمجلس الأمن الدولي عام 2007، ويشكل الأساس الوحيد للوصول إلى حل سياسي عادل ومستدام، ومتفاوض عليه طبقا للقرارات الأممية”
وقد ازدادت الأزمة تفاقما ليس فقط بسبب مصير الكاتب بوعلام صنصال ذي الجنسية المزدوجة جزائري فرنسي، الموقوف في 16 نونبر 2024 من قبل قوات الأمن الجزائري في مطار “هواري بومدين”، البالغ من العمر 75 سنة والذي تثير حالته الصحية المتدهورة قلقا كبيرا، لما يعاني من أمراض مزمنة من بينها داء السرطان، حيث تم تلفيق اتهامات قضائية له بدعوى “المس بوحدة التراب الوطني، والوقوع تحت طائلة المادة 87 من قانون العقوبات التي تجرم أفعال الخيانة”، ولا باعتقال السلطات الفرنسية مؤثرين جزائريين واتهامهم ب”الدعوة إلى الكراهية وممارسة العنف والتحريض على القتل فوق التراب الفرنسي”، بل كذلك لرفض السلطات الجزائرية استعادة مواطنيها غير المرغوب في تصرفاتهم، وخاصة “بطل” جريمة مدينة ميلوز، الذي قام بهجوم إرهابي يوم السبت 22 فبراير 2025 على عدد من المواطنين، حيث طعن 5 أشخاص بسكين، مما أودى بحياة مواطن برتغالي وإصابة أربعة آخرين ضمنهم ثلاثة عناصر من شرطة البلدية بجروح بالغة، علما أن باريس سبق لها أن قدمت 14 طلبا للجزائر بترحيله، غير أن هذه الأخيرة امتنعت عن الرد على تلك الطلبات ورفضت تسلمه…
فكان أن دخلت العلاقات الثنائية مستوى آخر من التصعيد، إذ جاء الرد سريعا على “جريمة ميلوز” في مؤتمر صحافي، من خلال تهديد رئيس الوزراء الفرنسي “فرانسوا بايرو” بمراجعة جميع الاتفاقيات بين البلدين، وفي طليعتها اتفاقية الهجرة المبرمة بينهما منذ عام 1968 التي يتم بموجبها تمتيع الجزائريين دون غيرهم بعدة امتيازات في قوانين الهجرة الفرنسية، خاصة فيما يتعلق بالإقامة والعمل. مشددا على أن رفض السلطات الجزائرية التعاون مع الجانب الفرنسي بخصوص ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، يعتبر “هجوما مباشرا وغير مقبول على الاتفاقيات التي أبرمتها فرنسا مع الجزائر” وأضاف بأن حكومته ستقدم قائمة بأسماء الأشخاص الذين يجب إبعادهم، وستمنح الحكومة الجزائرية مهلة من شهر إلى ستة أسابيع للموافقة على القائمة.
وعليه لم يتأخر وزير الداخلية الفرنسي “برونو ريتايو” في الكشف يوم الأحد 2 مارس 2025 عن شروع فرنسا في تنفيذ تهديداتها ضد الجزائر، التي تشمل من بين الإجراءات المنع من الدخول إلى فرنسا، وقرارات الطرد في حق جزائريين يحملون جواز سفر دبلوماسي، مؤكدا على أنه في سياق تفعيل القرار قامت سلطات بلاده بمنع جزائريين مباشرة بعد وصولهم مطار رواسي بضواحي العاصمة الفرنسية، إذ أمر أجهزة شرطة الحدود الفرنسية بطرد زوجة السفير الجزائري لدى مالي، ومنعها من دخول الأراضي الفرنسية بحجة عدم توفرها على كافة مستندات سفرها، وليس لكونها لا تحمل معها أموالا كافية، كما تدعي الوكالة الجزائرية للأنباء، التي اعتادت ترويج المغالطات والأخبار الزائفة، بإيعاز من كابرانات العسكر الجزائري.
فما هي اتفاقية 1968 التي تهدد بها فرنسا الجزائر؟ هي ملحق اتفاقيات “إيفيان” التي وقعت بين الطرفين في مارس 1962 حول إنهاء حرب التحرير الجزائرية، التي دامت سبع سنوات (1954/1962)، كما أنهت حقبة الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي استمر 132 عاما. وتهدف إلى تنظيم الهجرة بين البلدين، مع تحديد دخول 35 ألف عامل جزائري سنويا إلى فرنسا لمدة ثلاث سنوات، حيث كانت فرنسا في أمس الحاجة إلى اليد العاملة الجزائرية لتشغيل المصانع والمناجم والعمل كذلك في قطاعات أخرى وخاصة قطاع الزراعة، وهو ما جعل المهاجرين الجزائريين يستفيدون من استثناءات، مثل تسهيل تقديم تصاريح الإقامة واستقدام عائلاتهم للعيش معهم في المهجر دون تعقيدات إدارية.
إنه لمن المؤسف جدا أن تظل الجزائر سجينة نظام عسكري فاسد وأخرق، لم يعمل سوى على تأزيم الوضع الداخلي عبر التدبير السيء للشأن العام، استمرار القمع واستشراء الفساد، وتعميق عزلتها السياسية، فضلا عن تمادي “الكابرانات” في نهب خيراتها وتبديد المال العام في دعم الحركات الانفصالية والقيام بمناورات ومغامرات دبلوماسية، حيث أنها ما فتئت تشهد تحولات دراماتيكية تعكس واقع التخبط وتداخل الأزمات الداخلية والخارجية على حد سواء، في مشهد بئيس وينذر بانفجار وشيك…
اسماعيل الحلوتي