تبوريدة الحموني

فنجان بدون سكر:

تبوريدة الحموني

بقلم: عبد الهادي بريويك

ما حدث في لقاء مؤسسة الفقيه التطواني الذي نظمته مساء يوم الأربعاء 16 أبريل2025، لم يكن مجرد نقاش سياسي، بل لحظة تعرية. 

تعرية لمشهد سياسي بات يزداد ضحالة، حيث تتحول الأغلبية من فاعل دستوري إلى أداة إطفاء تُستدعى كلما اشتعلت نار الحقيقة.

رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، لم يكن يشرح الفرق بين لجنة تقصي الحقائق والمهمة الاستطلاعية فحسب.

كان يفضح، بهدوء الواثقين، عملية تواطؤ ناعمة تجري خلف الكواليس، عنوانها: “نحن نراقب أنفسنا بأنفسنا، فلا داعي للإزعاج.”

حموني قالها كما لم يقلها أحد: المهمة الاستطلاعية أشبه بإطلالة من شرفة منزلك على صراع دموي في الشارع، تتأمل، تتأفف، وربما تكتب تغريدة غاضبة… ثم تعود إلى قهوتك.

أما لجنة تقصي الحقائق، فهي النزول إلى الشارع، الاقتراب من رائحة العرق والخوف، وتحديد من ضرب ومن صرخ ومن سقط.

بل وقد تستدعي الشرطة. أو لنقلها كما يجب: قد تُحيل الملف إلى القضاء، حيث لا خطابات تُجمِّل ولا تحالفات تُنقذ.

وهذا بالتحديد ما تخشاه الأغلبية الحكومية، ما يجعلها تختبئ خلف مهمة استطلاعية تافهة، خالية من الأنياب.

لا سلطة لها على شيء، ولا قدرة لها على إزعاج من يجب أن يُزعج.

أي دولة هذه التي تخاف من معرفة الحقيقة؟ وأي أغلبية هذه التي ترتعد أمام أدوات الرقابة التي يُفترض أنها جزء من توازن السلطة لا عدوها؟

الجواب بسيط: نحن لا نعيش في ظل أغلبية سياسية، بل أمام كارتل سياسي – لا فرق كبير بينه وبين لوبيات الاقتصاد الفاسد. كارتل يعتبر أن البرلمان ديكور فاخر، وأن لجان تقصي الحقائق مزعجة كأصوات نشاز في ليل الانتخابات.

المفارقة المضحكة – المبكية – أن من يقود هذه الأغلبية رفع شعار “النزاهة والشفافية والمسؤولية”، لكنه كلما اقتربنا من اختبار بسيط لهذه القيم، ارتبك، تراجع، ثم أرسل مهمة استطلاعية تُمارس دور المتفرج.

حموني لم يكن فقط يُحاضر في السياسة، بل كان يُشهِر مرآة في وجه من يحاول تغطية الشمس بغربال. كان يقول بصوت هادئ، ولكن بصراخ ضمني: أنتم تخافون الحقيقة، لأنكم تعرفون تماماً ما ستكشفه.

الفرق بين تقصي الحقائق والمهمة الاستطلاعية؟

الفرق بين الجدية والتمثيل.

بين من يريد كشف المستور، ومن يخشى أن تنفجر المستندات في وجهه.

ولا عجب، ففي بلاد تُدار فيها السياسة كما تُدار “جمعيات الأحياء”، يصبح الخوف من الشفافية سلوكاً غريزياً، وتتحول الأغلبية إلى فرقة مسرحية تُجيد تقمص دور الحَكَم والحَكَم عليه في آنٍ معًا.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*