رقي الاختيار الديموقراطي وصندوق الاقتراع

بقلم: رشيد لمسلم
لا يموت الإنسان في السجن من الجوع أو الحر أو البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات، لكنه قد يموت من الانتظار..الانتظار يحول الزمن إلى اللازمن والشيء إلى اللاشيء والمعنى إلى اللا معنى، وما أقبح النبل في لحظة الحب.
اندفاعاتنا العاطفية وميلنا إلى الاختصار، ليست سمة من سمات حياتنا الاجتماعية فقط، بل في كثير من الأحيان نمط من أنماط التفكير في مسائل لا يجوز فيها العاطفية، ولا الاختصار، ومن بين هذه المساءل تأتي قضية الديموقراطية بلا استسهال أو تبسيط، وليس بلوغها بالأمر السهل والهين، فهي قمة تفكير وممارسة إنسانيين يقتضي الوصول إليها ارتقاء من أسفل إلى أعلى، تماما كما في عملية صعود هرم بدء من القاعدة إلى القمة، لأن الديموقراطية اجتهاد بشري رفيع المقام والمستوى يتسق مع سمو الإنسان وحقه في حرية الاختيار.
اتصالا مع هذه الرؤية ينبثق السؤال عن كيفية الوصول إلى هذه الدرجة من رقي الاختيار وحسن التقدير ، وبمعنى آخر، الوصول إلى الدرجة الأعلى من قمة الهرم، التي يصبح فيها الوصول إلى القمة أي شرف الحرية المسؤولة والاختيار الناضج والصحيح، مجرد خطوة يمثلها صندوق الاقتراع، لكنها خطوة مبنية على جدارة ارتقاء بعد درجات على منحدر هذا الهرم الصاعد.
إذن المسألة، تعني الحديث عن المتطلبات القاعدية للارتقاء الديموقراطي، تعني ثقافة الديموقراطية على مستوى الأبجدية والأساسيات، تعني التفكير والممارسة الديموقراطيين في حياتنا اليومية والعادية، تعني جوهر الثقافة المنتجة للديموقراطية، والثقافة المعنية في هذا الإطار ليست ثقافة النخبة ذات الطابع الفكري، بل الثقافة بمعناها الشمولي والمتجذر في السلوكات الإنسانية داخل التكوينات المجتمعية المختلفة؛ كالمدرسة والجامعات ومؤسسات العمل المتنوعة، إنها ثقافة الديموقراطية المنتجة لأنساق متطورة السلوك والداعمة للتنمية الإنسانية والاقتصادية وغيرها من وجوه التنمية التي تتسع لتشمل النفع والجمال الإنسانيين على نحو السواء، مع ضرورة خلق تفكير نقدي يعلم النباهة والديموقراطية، يتطلب مواطنين يتمتعون بالنباهة لأنه الوسيلة الضرورية لضمان مجتمعا ديموقراطيا.