swiss replica watches
د. إبراهيم إغلان يكتب: ” علامة تراث المغرب” هل تكفي لحماية التراث الوطني ..؟ – سياسي

د. إبراهيم إغلان يكتب: ” علامة تراث المغرب” هل تكفي لحماية التراث الوطني ..؟

” علامة تراث المغرب” هل تكفي لحماية التراث الوطني ..؟

د. إبراهيم إغلان

أطلق المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، مشروعا جديرا بقراءة مضمونه وخلفيات إحداثه، ونقصد هنا ” علامة تراث المغرب”، كإجراء حمائي للتراث الوطني من الأطماع والمحاولات المتتالية لاستغلاله والاستيلاء عليه من قبل دول وهيئات وشركات وغيرها..
وقد سبق وأن أعلنا في أكثر من مناسبة أهمية ما يمكن أن نطلق عليه ب ” الأمن الثقافي”، أي إحداث ترسانة قانونية وطنية وذات بعد دولي لتحصين مختلف تجليات التراث الوطني، المادي واللامادي، من عمليات السطو والاستغلال المباشر وغير المباشر، لأهداف سياسية وتجارية وترفيهية، لا مجال هنا يسمح بذكر بعضها.

لكن الواضح أن مبادرة وزير الشباب والثقافة والتواصل لإعلان انطلاق ” علامة تراث المغرب”، وفي هذه الظرفية تحديدا، يشكل بالنسبة إلينا، كمهتمين بقضايا التراث الوطني وأسئلته، لحظة أساسية لرد الاعتبار للسيادة المغربية، ثقافيا وحضاريا، بعد أن ظل الجميع، مسؤولين وفاعلين في المجتمع المدني ومثقفين وباحثين، يتفرج على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها تراثنا الوطني من سرقات موصوفة وعلنية واستغلال بشع للرأسمال الرمزي الوطني. وعلى الرغم من بعض المبادرات الفردية هنا وهناك، لكنها ظلت في حدود ردة فعل ليس إلا، والحال أن المسألة أعمق من ذلك كله، حيث كان من المفترض أن تتكاثف الجهود بين القطاعات المعنية كالثقافة والسياحة والتجارة والصناعة والملكية الفكرية وغيرها، لبلورة مشروع متكامل ومنسجم، يروم وضع آليات قانونية لحماية التراث الوطني، كمكون حضاري ، وكهوية جمعية للمغاربة.
ولو عدنا إلى التاريخ قليلا، سنجد أن ظاهرة الاستيلاء على التراث الوطني لم تكن وليدة اليوم فقط، ربما بحكم تقنيات التواصل الحديثة قد ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة. لكن المؤكد أن ظاهرة تهريب وسرقة الممتلكات الثقافية المغربية يمكن تقسيمها الى ثلاثة مراحل:
1. مرحلة ما قبل الاستعمار: و هي مرحلة، شهد فيها المغرب اقبالا مكثفا للرحالة الأوربيين الذين انتشروا في مختلف مناطق المملكة لأهداف متفاوتة، منهم من كان يبحث عن الغريب و العجيب، و منهم من أعد دراسات و أبحاث اثنوغرافية و انثروبولوجية لفائدة مؤسسات استشراقية أوربية، و منهم من قدم لتزويد بعض المتاحف بقطع أثرية و مخطوطات و غيرها.. و منهم من دخل المغرب لأهداف استعمارية ستتحقق لاحقا..
2. المرحلة الكولونيالية: بدأت هذه المرحلة مع الحماية الفرنسية )1912- 1956(، و تعتبر هذه المرحلة البداية الفعلية لأعمال أركيولوجية وانثروبولوجية واثنوغرافية في مختلف جهات المملكة. وقد شكلت هذه الدراسات مادة وثائقية، لا يمكن تجاوز أهميتها العلمية و التاريخية، لكونها كشفت عن بعض المكونات الثقافية و الحضارية للمغرب، إلا أن بعدها الأيديولوجي ظل حاضرا بشكل أو بآخر.
3. المرحلة الثالثة: و هي الممتدة من استقلال المغرب إلى وقتنا الراهن، وهي المرحلة الأخطر بالنسبة للإتجار بالممتلكات الثقافية الوطنية و تهريبها إلى الخارج، فبالقدر الذي انتشر فيه الوعي الوطني بأهمية التراث كجزء من الذاكرة الوطنية، بالقدر ذاته شهد فيه المغرب “رواجا” لعمليات الاتجار بالقطع الأثرية و المخطوطات وغيرها، و تهريبها إلى جهات أجنبية.

و بالتالي أفرزت هذه المرحلة تجارا يمتهنون تجارة الممتلكات الثقافية، و نشطت أيضا مجموعة من الوسطاء المغاربة والأجانتب لتهريب آلاف من المخطوطات النادرة إلى العديد من المؤسسات العامة و الخاصة بأمريكا و أوروبا و بعض دول الخليج العربي، و للأسف الشديد يساهم في هذا الاجرام في حق الممتلكات الثقافية الوطنية مغاربة و بعض الجهات و الهيئات الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة لدى المغرب.


إذن، إلى متى ستستمر عملية تهريب ممتلكاتنا الثقافية إلى الخارج؟ و من يوقف هذه الظاهرة الخطيرة؟ و هل هناك قانون رادع لكل من يتاجر و ييسر تهريب الآثار و المخطوطات وغيرها؟ وإلى أي حد يمكن التصدي لظاهرة الاستيلاء على تراثنا الوطني؟ و اي دور للجهات الحكومية ذات العلاقة في منع مثل هذه العمليات الاجرامية؟ و كيف يمكن استرداد الممتلكات الثقافية المهربة؟ و ماهي الخطوات الضرورية لذلك؟
أصبح المغرب اليوم محط أنظار العديد من تجار الآثار و التحف و المخطوطات و غيرها من الممتلكات الثقافية، و ذلك لأسباب مرتبطة بشساعة الجغرافية الثقافية بالمغرب، و تنوع و غنى تراثه، ناهيك عن انعدام الحماية القانونية والأمنية و ضعف الامكانات المتاحة لجرد وتسجيل التراث الوطني، و قلة خبرة مفتشي الجمارك بطبيعة هذا التراث، و محدودية الوعي العام، وغياب دور المؤسسات الوطنية والقطاع الخاص في دعم حماية وتثمين التراث الوطني.
من هنا، تكمن مسؤولية كل الجهات ذات العلاقة و المعنية بهذه الظاهرة، و في مقدمة الجهات، وزارة الشباب والثقافة و التواصل بتعاون مع وزارة الداخلية و وزارة الخارجية و التعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وزارة العدل، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة الصناعة والتجارة، وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار .
بعد كل ما تقدم، كيف يمكن استرداد الممتلكات الثقافية المهربة إلى الخارج؟ و ماهي الخطوات المقترحة لذلك؟
• أولا: إجراءات داخلية:
لا يمكن فتح الملف ظاهرة تهريب الممتلكات الثقافية والاستيلاء عليها واستغلالها، إلا بعد إجراءات عملية داخلية تهم بالأساس:
– مراجعة النظام القانوني لقطاع التراث، وذلك بتشديد عقوبة من يتاجر أو يساهم أو يسهل كل عملية مرتبطة بنقل الممتلكات الثقافية من مواقعها و تهريبها سواء داخل المغرب أو خارجه؛
– تسجيل الممتلكات الثقافية و توثيقها ورقمنتها؛
– تأهيل رجال أمن لحماية الممتلكات الثقافية، من خلال دورات تدريبية و علمية يقوم بها المعهد الوطني لعلوم الآثار و التراث؛
– نشر الوعي بأهمية التراث الوطني، عبر الوسائل التواصلية المعروفة؛
– تكوين لجنة وطنية من خبراء لتسجيل أبرز الممتلكات الثقافية المهربة؛
– إنشاء قواعد معلومات و تبادلها مع الدول الأخرى؛
– توفير أجهزة حديثة في المطارات و الحدود للكشف عن الممتلكات الثقافية المهربة؛
– تزويد رجال الجمارك بمعلومات محينة عن الممتلكات الثقافية و قيمتها الحضارية والتاريخية؛
– تفعيل الاتفاقيات الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة و غيرها لمحاربة هذه الظاهرة.
• ثانيا: اجراءات خارجية:
– تفعيل الاتفاقيات و المعاهدات الدولية بهذا الشأن، كمعاهدة روما ( شتنبر 1999)، و التي أقرت بإعادة الممتلكات الثقافية إلى بلادها الأصلية؛
– تفعيل دور المنظمات العربية و الدولية ( الايسيسكو، اليكسو، اليونيسكو، الأنتربول)؛
– التعاون مع المجالس الدولية كالمجلس العالي للمعالم و المواقع، و المجلس العالمي للمتاحف لاستعادة الآثار المهربة و الموجودة في بعض المتاحف الأجنبية؛
– استغلال القنوات الدبلوماسية الممكنة.
نعود إلى مبادرة وزير الشباب والثقافة والتواصل، للتذكير أولا بأهميتها ورمزيتها في سياق ما يتعرض له تراثنا من استغلال سياسي واقتصادي؛ وثانيا لاستثمار النجاحات الدبلوماسية التي يحققها المغرب دفاعا على قضيتنا الوطنية وسيادة وحدته الترابية؛ وثالثا لتثمين الصناعات الثقافية والابداعية؛ ورابعا لتحصين التراث الوطني، بآليات قانونية دقيقة، وبتظافر جهود القطاعات المعنية، وبدور المجتمع المدني كشريك أساس في محاربة هذه الظاهرة.
“علامة تراث المغرب”، خطوة إيجابية، تتطلب المزيد من الاجتهاد وروح المواطنة المسؤولة، من أجل حماية الممتلكات الثقافية، بتعدد وتنوع تجلياتها، المادية واللامادية والطبيعية، والتصدي لكل أشكال استغلال هذه العلامة الرمزية، وأية محاولة للعبث بشأنها أو سرقتها او تهريبها، هي في النهاية خيانة للذات والذاكرة والوطن.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*