التصعيد الجزائري الأخرق!
التصعيد الجزائري الأخرق!
أمام توالي الانتصارات الميدانية التي ما انفك المغرب يحققها خلال السنوات الأخيرة على عدة مستويات سياسية ودبلوماسية واقتصادية ورياضية، بفضل السياسة الرشيدة والرؤية المتبصرة لقائده المفدى الملك محمد السادس، وفي مقدمتها تزايد أعداد الدول التي تعترف بمغربية الصحراء والدعم المتواصل لمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، لم يجد النظام العسكري الجزائري البئيس من وسيلة للتغطية عن هزائمه النكراء، عدا مواصلة مناوراته الخائبة في استفزاز المغرب، ضاربا عرض الحائط بهموم وقضايا الشعب الجزائري، الذي يعيش أوضاعا اجتماعية واقتصادية مزرية، ويشكو من تنامي معدلات الفقر والبطالة وغياب الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
فبعد فشل حكام قصر المرادية في تحقيق أطماعهم التوسعية عبر النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، رغم إنفاق ملايير الدولارات على مدى أزيد من خمسة عقود في دعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية، يقدمون اليوم على تصعيد جديد، من خلال استهداف منطقة الريف المغربية، مما يؤكد للعالم أجمع تماديهم في محاولة إثارة الفتن في دول الجوار ودعم الحركات الانفصالية، من خلال احتضانهم شرذمة أخرى من الخونة المفلسين فكريا وماديا وأخلاقيا، سعيا إلى ضرب ليس فقط استقرار المملكة المغربية، بل كذلك استقرار منطقة شمال إفريقيا بكاملها وجنوب أوروبا.
فهل من الحكمة أن يبدد الحاكم ملايير الدولارات في قضايا خاسرة، بينما عامة الشعب يتضور جوعا ويقضي الساعات الطوال في الطوابير من أجل الظفر بقليل من المواد الغذائية؟
ولعل ما يفسر حالة السعار التي أصابت “الكابرانات” هو أنهم قاموا في ظرف أسبوع واحد باعتقال الكاتب الجزائري/الفرنسي بوعلام صنصال بمجرد ما وضع قدميه يوم السبت 16 نونبر 2024 على أرض مطار هواري بومدين قادما من فرنسا، متهمين إياه بالخيانة الوطنية والمس بوحدة التراب الوطني الجزائري، لا لشيء سوى أنه سبق له التصريح لإحدى القنوات الإلكترونية الفرنسية بأن الاحتلال الفرنسي اقتطع أراض مغربية ومن ضمنها منطقتي تندوف وبشار لفائدة الجغرافية الجزائرية، وتأكيده على أن “جبهة البوليساريو” مجرد خرافة من صنع جزائري.
وليس هذا وحسب، بل وإمعانا في سياساتها العدائية للمغرب، أبت الطغمة العسكرية الفاسدة إلا أن تمنح الضوء الأخضر للاستخبارات الجزائرية بتنسيق مع رئاسة الجمهورية الواجهة المدنية للنظام العسكري، لتنفيذ خطتها الإجرامية المتمثلة في ضرب الاستقرار بالمغرب، حيث عمدت السلطات الجزائرية إلى التنصل من التزاماتها الدولية وانتهاك معاهدة مراكش الموقعة عام 1989 التي تنص على احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وذلك عبر استضافة ندوة صحفية لحركة انفصالية وهمية من منطقة الريف المغربية، بالجزائر العاصمة يوم السبت 23 نونبر 2024، والإعلان بكل وقاحة في حفل “بهيج” عن اليوم الوطني الأول لما أسمته “جمهورية الريف” ضد الاحتلال المغربي !
فعلى العكس الجزائر التي يستهوي قادتها إثارة الزوابع في الفناجين الفارغة، ظل المغرب يشق طريقه بهدوء وثبات، غير عابئ بتلك المناورات والحملات الإعلامية الجزائرية الخرقاء، حيث استمر في مواصلة جني ثمار نجاحاته الدبلوماسية، عبر اختراق الكثير من المواقع التي كانت إلى الأمس القريب تلتزم الحياد أو تميل إلى الطرح الجزائري الانفصالي، وتحقيق المزيد من الاعترافات بمغربية الصحراء، في ظل الزخم الكبير الذي لم تفتأ تعرفه قضية المغاربة الأولى، ولا أدل على ذلك أكثر من أنه في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تحتفل بالجمهورية الريفية المزعومة، استطاع المغرب جر كل من دولتي هنغاريا من أوروبا وبنما من أمريكا اللاتينية إلى الاصطفاف ضمن قوافل الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي المغربي، باعتباره الأساس الأكثر مصداقية لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل حول ملف الصحراء المغربية.
ويرى في هذا السياق خبراء دوليون في العلاقات الدولية أن إصرار الجزائر على مواصلة دعم الحركات الانفصالية وخاصة في بلد جار سواء عبر ميليشيات البوليساريو أو الترويج لاستقلال منطقة الريف المغربي، يعكس بوضوح حقيقة حالة التخبط السياسي التي يمر منها هذا النظام العسكري الجزائري، مما قد يعمق عزلته على المستويين القاري والدولي، ولاسيما في ظل تأزم الوضع الداخلي رغم تراجع الحراك الاجتماعي بسبب الممارسات القمعية والاعتقالات الواسعة والمحاكمات الجائرة.
ناسيا أن أولئك الأشخاص الذين جيء بهم لتأليبهم على محاولة زعزعة استقرار المغرب، ليسوا في الواقع سوى جماعة من الخونة ممن لا يتوفرون على أي قيمة اجتماعية أو قدرة على الاستقطاب والتأطير الجماهيري، وإنما أرادوا فقط استغلال سخاء “الكابرانات” المستعدين دائما لصرف أموال الشعب على من يخدم مصالحهم الشخصية في استفزاز المغرب ومعاكسة وحدته الترابية، وهو ما لن يؤدي بهم عدا إلى الانتحار البطيء…
إنه لمن الغباء أن يستمر النظام العسكري الجزائري الفاسد لعقود في نهج سياساته العدائية لجاره الغربي ومحاولة تفتيته، حيث أنه لا يعمل إلا على ترسيخ عزلته مقابل تقوية اللحمة الوطنية الداخلية للمملكة المغربية والرفع من وتيرة الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية. وبات حريا بالمغرب اغتنام مثل هذه المهاترات لقطع الطريق أمام المتربصين وخصوم وحدته الترابية، والدخول في مصالحة وطنية ليس فقط مع منطقة الريف، بل مع جميع المناطق الأخرى على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتعجيل بإطلاق سراح كافة المعتقلين من أبناء الريف، الذين رغم كل المحن والأحكام القاسية، مازالت قلوبهم تنبض بحب الوطن، ولم ينادوا يوما بالانفصال عنه أو التفريط في حبة من رمال صحرائه.
اسماعيل الحلوتي