الزمن الغشوم…

الزمن الغشوم 

كتبها: احمد الدافري

رجل أحترمه، مثقف، كنت ألتقي به في عدد من المناسبات الثقافية الهامة، تفاجأت اليوم حين وجدت أنه قد تقاسم هنا خبرا من صفحة اسمها “الجزائر المحروسة”، تم فيها وضع راية الجزائر في صورة البروفيل، ولديها في الغلاف La couverture صورة تبون وشنقريحة وهما واقفان مع بعض داخل سيارة مكشوفة، ورافعان يديهما بالتحية.

هذا هو الخبر الذي تقاسمه الأستاذ :

“اغتيا/ل أكثر من 19 عالم فى الكيمياء والطاقة النوويه سوريا خلال 48 ساعة الماضية”.

لو كان الذي تقاسم هذا الخبر من تلك الصفحة المليئة بالكذب والبروباغندا شخص آخر من الذين مستواهم الثقافي بسيط، أو من الذين لا يتوفرون على تاريخ في ممارسة الصحافة مثله، كنت سأغض الطرف عن الأمر..
لكن بما أنني أعرف الرجل، وأعرف طيبته ولطفه، فقد تجرأت عليه وكتبت له تعليقا على الخبر الذي تقاسمه، قلت له فيه :

“أستاذي. من خلال هذا الخبر المنشور في صفحة مجهولة الهوية، ما هي الأدوات التي تقترحها علينا كي نتحقق من صحة هذه المعلومة؟”..

لكنني ندمت على ما فعلت.
ليتني دخلت سوق راسي ولم أعلق..
لأن جوابه عن تعليقي كان هو أننا أصبحنا نعيش في زمن غشوم.

جواب جميل جدا.

جواب جعلني أعود سنوات إلى الوراء، وبالضبط إلى اللحظة التي كنت جالسا فيها يوما، والليل كان قد أرخى سدوله، في بهو البيت، وأنا طفل صغير، سنة 1972، رفقة والدتي وإخوتي، ونحن نتابع مذهولين في التلفزة بالأبيض والأسود، الحوارات التي كان يتبادلها الراحل الطيب الصديقي في دور “أبو الفتح الإسكندري” مع الراحل عبد اللطيف هلال في دور “عيسى بن هشام”، في مسرحية مقامات بدبع الزمان الهمذاني، حيث سأل عيسى بن هشام أبا الفتح الإسكندري وقال له :

بالله عليك يا أبا الفتح قل لي شنو جرا لك حتى وليتي كتشطح القرود فالأسواق. واش تّلات بك الأيام؟

فأجابه أبو الفتح وهو يضحك:
الذنب للأيام لا لي
فاعتب على صرف الليالي
بالحمق أدركت المنى
ورفلت في حلل الجمال
بالتجاهل نلت المراد.
قالوا العامة من الناس دير اهبل تربح وتنجى.

فأراد عيسى بن هشام أن يعقب على كلامه وقال له :
ولكن يا أبا الفتح، هاذ الزمان….

فقاطعه أبو الفتح الإسكندري وقال منشدا وهو يمزج الضحك بالجد:

هاذ الزمان.. ههه..
هذا زمان مشوم
كما تراه غشوم
الحُمق فيه مليح
والعقل عيب ولوم
والمال طيف لكن
حول اللئام يحوم
😀😀
شكرا لك أستاذي. فكرتيني في أيام فرقة مسرح الناس.
كانت الفراجة مضمونة كتخليك بايت سهران. 🥹🥹.
وهذا ما كان.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*