في حضرة رحيل البشير القمري

سياسي/ رشيد لمسلم
أسلم روحه لمواجد الغيب، ثم قضى، ولكنه حاضرا بيننا، يطل علينا من فتحة الكون مبتسما، يلوح بشارته الرمادية كما لو أنه أدرك حرقتنا، كما لو أدرك حرقتنا، كما لو أدرك فجيعتنا، الله الأمر من قبل ومن بعد..
استاذي العزيز البشير القمري؛
كيف يتأتى لقلوبنا أن تنبض بعد أن حللت الثرى؟
وكيف لنا أن نختار من الكلمات والمعاني ما يسعف قلمي المرتعش لأوفيك حقك في هذه اللحظة المؤلمة؟
رحلت عنا يا أستاذ المدرجات الجامعية واستاذا ناقدا في احتفاليتنا المسرحية وموهبة الفن والنقد المغربي الأصيل في هذه الفترة التاريخية التي تمر منها بلادك ووطنك في أمس الحاجة إليك ولأمثالك من أسرة العلم والفكر والمعرفة والفن الشرفاء الأفداد.
لقد كنت بحق؛ نعم الاستاذ، تناضل من أجل الارتقاء بالمشهد الثقافي الوطني / العربي بنقدك وكتاباتك وابداعاتك ، وزادك فكرك المتنور وخلقك السامي وصبرك القوي ونضالك المستميت.
لقد فقدناك يا عزيزنا وفقدنا فيك الرجل الحامل لقيم ومبادئ وسلوك عاشقي هذا الوطن المعطاء.
عرفناك رجلا مؤمنا ومقتنعا حتى النخاع بوطنك ومبادئه وقيمه وبرنامجه الحداثي الديموقراطي، بل عرفناك أحد صناع النقد المسرحي الحديث ومختلف روافد الابداع كما عهدناك شاعرا مفعما بروح الكتابة والسيرورة على العطاء، وأحد مبدعيه الخلاقين، وقد تقلدت مسؤوليات وطنية وكنت مضرب المثل في حسن القيادة وحسن التفاعل وجمالية التدبير في مختلف المواقف مع الطلبة او محبوك او حتى الأصدقاء.
عرفناك رجلا شغالا وفعالا، كنت رحمك الله تشتعل حيوية كطائر لا يهدأ.
كنت تتمتع بقدرة هائلة على المزج الجدلي بين التفكير والممارسة الميدانية، بقدر ما كنت تساهم بفعالية في التأطير وتكوين الأجيال وغايتك حب الوطن ؛ بقدر ما كنت في طليعة المشاركين والمساهمين في الاشعاع الثقافي بمختلف ألوانه وتجلياته على مختلف المستويات الوطنية والعربية وكنت رحمك الله تحمل قميص الوطن بكل مصداقية وشفافية وكنت في موسوعاتك خير المبدعين ..
كنت رحمك الله تشمر على ساعديك ولا تبالي، تركض كجواد جامح، وتعطي لوطنك ما تملك..وكنت تهب لمغربك الثابت في التاريخ ما تملك . من فكرك وروحك وجسدك..
أستاذنا العزيز
رحمة الله عليك، ها أنت تخرج إلينا في هذه اللحظة الذكرى على مائدة من يعشقون حضورك، وفي كل لحظاتنا العابرة الأليمة شاهرا حلمك، زارعا ظلك، فاتحا سجل أيامك الملئى بالعطاء والمفعمة بأسمى المعاني، أيها الغائب الحاضر، داكن كالسماء، لامع كشروق الصباح، دائم في الوجدان، خالد في الزمن ..
الاستاذ البشير القمري:
الذي علم الوقت كيف يصير نحو التماهي في الوجود، يمنحنا الآن لحظة للدخول إليه، نغوص عميقا في عمق هواه، ونفتح سفر سجيته ..نقارب صورته..
يا معارف الفقيد..أسرة الفقيد ..عائلة الفقيد .
إن الكلمات تتوارى من بعضها، لأنها لا تستطيع التعبير عن حجم المصاب، وإن اللذين عرفوا الفقيد، وخبروا طينته، ووقفوا على ماكان يختزل من طاقات خلافة وقدرات نادرة في الجمع ما بين يصعب الجمع بينه وبين الآخرين، اللذين اقتربوا من صفاء ذهن فقيدنا ” البشير” وقوة شكيمته وقوة فكره الأكاديمي وذوقه الفني، يصعب نسيان الرجل وحس وذكر الرجل..
فيا أيها الموت العنيف لنا أحباب وأصدقاء، علمتهم الأيام أنهم مهما عثروا فهم لن يسقطون، وإن سقطوا تألموا قليلا ثم استعدوا للوقوف، وإن وقفوا، صاروا أشد قوة، وصاروا أشد إيمانا بقضاياهم وأكثر عنادا من الحياة .
رحمك الله سي البشير القمري