swiss replica watches
مسرحية المفتاح الضائع واستعادة مطالب المسرح النهضوي – سياسي

مسرحية المفتاح الضائع واستعادة مطالب المسرح النهضوي

مسرحية المفتاح الضائع
واستعادة مطالب المسرح النهضوي

عزيز قنجاع

 

تعرض جمعية مؤسسة المسرح الادب بتطوان مسرحية “المفتاح الضائع” التي اعدها واخرجها للمسرح المخرج القدير الأستاذ رشيد بن زروق، وقام باعداد السينوغرافيا الأستاذ عبد السلام الصقلي ، ومسرحية المفتاح الضائع تعد بحق مسرحية نموذجية تمثلت بكل معنى الكلمة المسرح المغربي النهضوي الذي جعل من رسالة الاصلاح هدفا مركزيا لاعماله الإبداعية، والتي اشتغلت على موضوعة القيم التقليدية في لحظة انشباكها مع القيم الحداثية الوافدة وفي السياق ذاته بالانشباك مع التحولات المجتمعية التي فرضتها الظروف الجديدة والتحولات التي عرفها المجتمع المغربي مطالع القرن العشرين، والمسرحية تحكي في خلفياتها الموجبة القلق الملح الذي حكم تفكير رجالات الإصلاح في الموافقة والتوفيق بين الوافد و الأصيل من القيم الاجتماعية و الأخلاقية التي حملتها الثقافة الحديثة الى مجتمع انكب على نفسه واكتفى بذاته و سد الباب امام كل عوامل التغيير و التفاعل لاسباب تاريخية عدة .
تحكي مسرحية المفتاح الضائع عن اب سلام ” رشيد زروق” تقليدي يقوم برعاية ثلاث بناته في مقتبل العمر، يعمل الاب الذي توفيت زوجته بتفان لتربية بناته تربية دينية حسنة مضمونها الحشمة و الوقار والمعرفة بالحدود و التكاليف الشرعية وترديد الاذكار الصوفية بمعية اخت له العمة الباتول ” مريم اليونسي ” ساقتها الاقدار الى مآل العزوبية الطويلة بسبب تدابير اخيها الأخلاقية ، تكبر البنات و تجدن انفسهن محاطات بمراقبة صارمة من ابيهن في وقت وصلن فيه الى سن الزواج مما يضطرهن الى سلوك عدة حيل للتمكن من رؤية العالم الخارجي و ربط معارف مع الخارج تنتهي بهروب البنت الكبرى بذور ” محاسن زميزم” مع عشيقها ” عبد السلام الصقلي ” الذي بدوره يقوم بحيلة الابكم ليتمكن من رؤية حبيبته ، هذا الهروب للابنة الكبرى يشكل فاجعة للاب والاسرة وكنتيجة للتشدد الذي طبع السلوك التربوي التقليدي للاب مع بناته، و تاتي النهاية واضحة في الدعوة الى تفهم مطالب الأجيال الجديدة و الانصات لها و التاقلم مع مطالبها و رغباتها .
تبدو تيمة المسرحية غير جديدة على عالم المسرح بل ونجدها باشكال مختلفة ضمن التيمات التي الهمت كتاب عديدون بالعالم فقد عولجت بطرق مختلفة و ضمن حكايا متعددة وبقوالب مختلفة استعراضية وحوارية ، والتيمية باعتبارها تعالج قضية في صلب المجتمعات التي تعاني من الفوات التاريخي أي المجتمعات التقليدية التي تجد نفسها مثقلة بضوابط تمنعها من التقدم بخطى منسجمة نحو الحداثة، فمن الطبيعي ان يكون الفضاء الذي تدور فيه احداث المسرحية تقليديا تراثيا، خصوصا اذا كان التقليد مثقل بارث ديني وباجواء طقوسية روحانية، حيث تمكن معد المسرحية من استحضار كل التفاصيل الدقيقة التي أحاطت بالمجتمع المغربي التقليدي من الزاوية واذكارها الى التغني اليومي باورادها الى الموروث الغنائي الفني المنبث والملحن في مهاجع النسوة التقليدية الى التدقيق في الاكسوسوارات المرافقة و التي كانت عديدة وموزعة بطريقة فنية زادت من جمالية الديكور التقليدي المغربي ، ومن المباخر الى المرشات الى الصحون الى الغربال و الرابوز و كل موروثات البيت المغربي التقليدي الأصيل، بحيث انسجم المحكي و المرئي بطريقة متوافقة تحيل الى الدراسة العميقة التي قام بها السينوغراف و المخرج لجعل الحكاية تدور في أجواء مقاربة للواقع المتعلق بالمرحلة التاريخية، الا ان الامر كان الامر مكتملا بل ومبهرا على مستوى الأزياء اذ تمكنت المسرحية من التدثر بالجمال و الابهار باستغلال الازياء و الألوان التي يزخر بها اللباس المغربي التقليدي فقد تمكنت الممثلتان الرئيسيتان دينا ” ندى بن سعيد ” و الممثلة حياة النفوس ” دنيا بن دريس ” من استغلال المساحة المعتبرة لهم بالمسرحية في الدور الرئيسي لاستعراض فني متمكن للزي المغربي التقليدي للمراة المغربية داخل البيت وفي الأوقات المختلفة.
و الأكثر اثارة في المسرحية هو تمكن صاحبها من الانفلات من السرد الخطي للحكاية عبر استعمال الراوي كخيط رابط لانتظام مسار العمل ” حنان اليونسي ” مكنه ذلك للتعريج على مسائل من صميم المجتمع المغربي واستغلالها لتوجيه سهام النقد لسلوكيات غير محمودة كالتطفل على موائد الاعراس والنميمة “وفاء الميموني، و لينا البقالي” او للإحالة لمسألة التعدد الثقافي و اللغوي “بدرية بلقايد” الذي تزخر به المملكة، وبما ان الحكي ثابت في المسرحية فقد بقيت الانارة غير مستعملة بشكل ملفت .
استعمل المخرج بشكل فني جميل كل المساحات المتاحة لجعل المسرحية اقرب الى زمن الحكي باستغلال الدرب التقليدي “الزنقة” وتمثيله في العتبة المحادية لخشبة المسرحية وعلى حافته حضر الفران بثقل والازياء و العلاقات الاجتماعية التي تحكم الدرب المغربي وكان استغلالا فنيا لم يخل بالتوازن المطلوب مع الخشبة بل استعمل مكملا لها بنجاح باهر حين استعمل الجمهور أيضا كجزء من الأدوات الفنية لا بغرض تكسير الجدار بل بهدف ادراج الجمهور ضمن العملية الترديدية للنص المسرحي كشكل من الاحتفالية الفرجوية المتعمدة. لقد جاء استعمال المخرج ما اطلق عليه الدارسون المغاربة بالنسق المغربي الذي يتأكّـد من خلال اللباس والتغذية ونمط السكن واللغة والتواصل والتبادل والخبرات، بشكل فني لا يمكن ان يقال عنه سوى انه راق متناسق وجميل .


على مستوى المضمون فمسرحية مفتاح ضائع تستعيد السياق الاحيائي النهضوي الذي يعتمد المسرح وسيلة لتبليغ رسائل تربوية واضحة ورسائل مباشرة موجهة للحضور الذي يفترض منذ البداية ان وجودهم بالعرض مخصوص لنفحه بالقيم ومقاصد يدعي المسرح هذا اعتبارها من ضمن اولوياته قصد التلقي التلقيني، ويتحول معها الى مسرح رسالي توجيهي.

ان القيم التي تشتغل عليها جمعية مؤسسة المسرح الادبي والتي ينكب على مناقشتها، هي القيم التقليدية المانعة والكابحة لتطور المجتمع والتي تكون في غالب الاحيان احدى اهم العوائق في تقبل التطورات المجتمعية التي يفرضها الوقت و الحال لمجتمعات عانت من التخلف والحجز التاريخي. مجتمعات هي في اخر المطاف متحفا ومستودعا أثريا لكم هائل من المعتقدات والموروثات، على نحو يجعلها مكونا ثابتا للجماعة وإطارا لها، مجردا عن فعل التاريخ ومفارقا لتغيراته، يؤول المسرح هنا في هذا المنظور على نفسه مهمة إعادة تجسير الهوة الفاصلة بين الحداثة والتقليد بين الاصالة والمعاصرة بين التراث والابتداع، ومن منطلق ان الحداثة عادة ما تطرح باعتبارها “عملا نخبويا” ومنجزا طلائعيا فان هذا المسرح لا يتوانى في تبليغ رسائل واثقة جازمة ناجزة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*