swiss replica watches
لمحة حول ظهور مفهوم الحكامة وتطوره – سياسي

لمحة حول ظهور مفهوم الحكامة وتطوره

عصام خربوش
باحث في علم الاجتماع السياسي والحكامة

الحكامة كالهندسة، أي تحديات أفرزتها ممارسات ملموسة تتصل بآليات صناعة القرار وتدبير الشأن العام، من خلال رؤية استراتيجية تقع بلورتها ويجري تجسيدها عمليا، اعتمادا على مقاربة التشارك بجانب التوفر على نظام توقعي للتعاطي مع مختلف أنواع ومستويات المخاطر، حسب معايير تشكل مجتمعة منظومة قيم متكاملة تؤطر العمل، وتقود صوب تحقيق التنمية المنشودة، كربط المسؤولية بالمحاسبة، الشفافية والفعالية في الأداء، تدعيم عدم التمركز الإداري على صعيد الإدارة الترابية للدولة، توطيد اللامركزية الترابية والمرفقية …
والحكامة تسمية متداولة بصيغ أخرى: الحكم الراشد، الحكمانية، القيادية، فلا مشاحة في اللفظ كما يقال مادامت العبرة بالمدلول. كما نجد من يصر على استعمال المصطلح وفق مرجعيته اللغوية الأصليةGouvernace /Governance.
وتؤكد دراسة الاشتقاق اللغوي[1] لمصطلح الحكامة في ضوء عدد من القواميس أن هذه الكلمة دخيلة على اللغة العربية، فهي ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية Gouvernance، لأن العديد من المفاهيم قد لا تكون لها ترجمة حرفية، تعكس المعنى ذاته أو الدلالات نفسها التي تعكسها اللغة الإنجليزية أو الفرنسية. ويعد مفهوم الحكامة نموذجا جديدا آخرا من هذه النماذج.
وأصل كلمة الحكامة يوناني،[2] حيث كانت تعني أسلوب إدارة وتوجيه السفينة،[3] ثم انتقلت إلى اللغة اللاتينية لتستعمل في اللغة الفرنسية القديمة من أجل الدلالة على فن أو طريقة الحكم “كمرادف للحكومة”، كما ستنتقل للاستعمال في اللغة الإنجليزية خلال القرن 14 بتسمية Governance. وبعد ذلك اختفى اللفظ في اللغة الفرنسية باعتباره شريكا للنظام القديم، بيد أنه ظل حيا في اللغة الإنجليزية يستعمله النبلاء ورجال السياسة والحكام، ثم تناوله فيما بعد الكتاب والباحثون.[4]
وعلى إثر تطور تاريخي طويل، شهد مفهوم الحكامة تطورا مفاهيميا ارتبط بسياق بروزه وتداوله وبدوافع استعماله. ففي القرن 18 اقتحم المفهوم عالم الاقتصاد خاصة في أواخر القرن 19 مع ظهور المقاولة الصناعية وتطورها في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، عندما كانت الحكامة تدل[5] على طريقة تسيير ومراقبة المقاولة، لتتم بعد ذلك ترجمة عبارة corporat governance باللغة الانجليزية إلى عبارةGouvernance d’entreprise باللغة الفرنسية .[6]
لكن ينبغي الانتباه إلى كون كلمة الحكامة هي في اللغة الإنجليزية مختلفة عن كلمة الحكومة Gouvernement. فإذا كانت هذه الأخيرة سلطة عمومية على رأسها جهاز حكومي يحتكر القرار. فإن الحكامة نظام يتشكل من مؤسسات وقواعد وعلاقات وسلوكيات، وهو مختلف عن نظام حكومة الدولة.[7]
إن اقتران الحكامة بالمقاولة كان وراءه دافع البحث عن الترتيبات التي تتيح التدبير الأمثل للتنسيق بين بنيات المقاولة وشركائها والفاعلين في محيطها، أما الهدف فكان هو الحفاظ على التوازنات داخل هذا الكيان الاقتصادي الذي أصبح يضطلع ببعض الوظائف بدلا عن الدولة. وقد كان الانشغال الأكبر آنذاك هو تنمية الرأسمال المادي عبر تطوير المقاولة الكبرى.
وفي سياق اندلاع الحرب العالمية الثانية زادت اهتمامات أعمال ودراسات الاقتصاديين الأمريكيين بحكامة المقاولة، وعلى وجه الخصوص الباحث الأمريكي “رونالدو كاوز” Ronald Coase. كما حضت حكامة المقاولة باهتمام البنك الدولي، وهنا يشير البعض إلى ظهور المفهوم في أدبيات هذه المؤسسة المالية الدولية أثناء سنوات الخمسينات من القرن الماضي.
لكن مدلول الحكامة في بريطانيا وفرنسا، سيأخذ في سنوات السبعينات والثمانينات منحا آخرا يقترب من دلالته في اللغة الفرنسية القديمة تماشيا في تلك الفترة مع إثارة مسألة تجويد تدبير القطاع العام.[8]
وخلال الثمانينات سيبرز من جديد مفهوم الحكامة بقوة في أدبيات البنك الدولي الذي أقحمه في المجال السياسي،[9] بعدما أثبتت تجارب التنمية في العديد من دول إفريقيا والعالم العربي أن فشل سياسات التنمية مرتبط بسلامة طرق ممارسة السلطة ونزاهتها. ولاعتبارات تتعلق باستقرار مبدأ السيادة لكل دولة، كانت المنظمات والمؤسسات الدولية تواجه صعوبة في التوفيق بين احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحاجة إلى لفت الانتباه إلى أهمية شرعية ونجاعة أسلوب نظام الحكم، لذا كان سك لفظ جديد منفذا لتجاوز هذا العائق.
ومن هنا جاءت صيحة البنك الدولي في سنة 1989 بكون أزمة إفريقيا هي أزمة الحكم الصالح Governance of crise. وكانت هذه الخاصية ميزة أكثر منها عيبا، لأن المنظمات الدولية استطاعت الاختفاء وراء الاختلالات لطرح قضايا حقوق الإنسان والفساد والديمقراطية والمشاركة”.[10]
كما تعمقت الدراسات والأبحاث حول أشكال التدبير التي تعتمد على نظريات تحليل السياسات والتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأعمال كمؤشر للإصلاح والفعالية والمردودية، استنادا على ميكنيزمات التعاقد وآليات السوق. وذلك بعدما كان هناك فصل بين القطاعين العام والخاص بين الدولة أو الجهاز العمومي وباقي الفاعلين من حيث طريقة التدخلات وميادينها وحدودها وآفاق كل قطاع.
ولا مراء كمحصلة طبيعية أن تجدد تداول مفهوم الحكامة، تزامن مع التغيير الذي مس طبيعة دور الدولة، فالنظرة التقليدية إليها كفاعل رئيسي في اختيار وحسم القرارات قد تغيرت بحكم تزايد أهمية العامل الخارجي، كما اتضح في ظل العولمة عدم قدرتها على مقاومة الضغوط الدولية، علاوة على بروز متدخلين آخرين لهم تأثير ودور مهم في رسم السياسات العامة. ويتعلق الأمر بفعاليات مختلفة الاهتمامات والانشغالات الحيوية، والتي يمكن تصنيفها ضمن خانة مكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص. وبدورها الإكراهات الداخلية المعيقة لتحقيق التنمية الشاملة والمستديمة، عجلت باكتساح المفهوم لجل مجالات تدبير الشأن العام قطاعيا وترابيا، فأصبحنا بصدد حكامة أمنية، حكامة صحية، حكامة برلمانية، حكامة جهوية، حكامة محلية…
وبإيجاز يمكن القول، إن مفهوم الحكامة شهد تحركات في الجغرافية والتاريخ، وفي كل مرة كان يكتسي حلة مغايرة. ففي أوربا حيث أصوله اليونانية ارتبط بممارسة السلطة والفكر السياسي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية ارتبط بالتدبير والاقتصاد. أما في النقلة الأخيرة فإن مفهوم الحكامة تبلور وتعمم في شكل معايير دولية لتحقيق الاندماج العالمي ومجابهة التحديات المشتركة بين عالم متقدم وآخر يعيش على الهامش.

________________________________________
1- عبد العزيز أشرقي: الحكامة الجيدة (الدولية، الوطنية والجماعية) ومتطلبات الإدارة المواطنة، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2009، ص: 10.
2- Khebernan.
3- محمد غربي: مفهوم الحكم الصالح بين مثالية الخطاب الدولي وإكراهات الدولة في الجنوب، منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، سلسلة التدبير الاستراتيجي العدد الخامس، 2004، ص:11.
4- عبد العزيز الشرقي: مرجع سابق، ص: 13.
5- Mohamed Harrakat : Le concept de gouvernance au Maroc : signification et pertinence, RMAD, série management stratégique, N° 5, 2004, P :9.
6- Wafaa Fares : Du gouvernement à la gouvernance : étude d’un concept ambigu, Massalik, N° 8, 2008.
7- Mohamed Harrakat : Le concept de gouvernance au Maroc, op cit, p :8.
8- Awatif laghrissi: Gouvernance au Maroc, approchs d’action publique, imprimeriepapeterie el wataniya,marrakech, 2010P :30.
9- Ibid, P :31.
10- محمد غربي، مرجع سابق، ص: 10 و11

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*