swiss replica watches
المريزق يكتب: الرؤية الثقافية السياسية….المعارف والرؤى – سياسي

المريزق يكتب: الرؤية الثقافية السياسية….المعارف والرؤى

الجزء الثالث: 1. المعارف والرؤى
ث: الرؤية الثقافية السياسية

المصطفى المريزق

بعد تقديم ملخص عن الرؤية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ضمن المعارف والرؤى لهذا المحور، نتناول في هذا الباب الرؤية الثقافية السياسية للطريق الرابع، الذي يعتبرها من المفاهيم المحورية لرؤيته ومواقفه، والتي اختارها كأداة ضرورية لمشاركته في الحياة العامة.
فمن أجل نفس يساري جديد، قائم على المساواة الاقتصادية والاجتماعية، و ضد التفاوت في الثروات، كان لا بد من التفكير في ثقافة سياسية منبثقة من تراكم تراث الأفكار والقيم والمعايير السلوكية، لتحديد منطلقاته التصويرية و آراءه النقدية و اتجاهاته الخاصة المتعلقة بالمشاركة المسؤولة، و اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، من دون إكراهات أيديولوجية أو تبعية ماضوية تقليدانية.
لقد اختار الطريق الرابع منذ انطلاقته عام 2017، الإيمان بالتقدم، و التطور و الحداثة و التحديث، بعيدا عن مخلفات الماضي الميتة ، و إكراهات الحاضر المعيقة، التوجه للمساهمة في بناء المستقبل.
إنه يسار آخر، جديد، معاصر ، و مواطن، انتصر الطريق الرابع له عن وعي نقدي، و ارتأى أن يؤسس له عن طريق بلورة ثقافة سياسية مخصوصة ، تدعو لتوسيع الملكية العامة، والحد من الملكية الخاصة، و توسيع دور الدولة في مجالات الإنتاج و الخدمات الاجتماعية، من أجل الاقتدار على تغيير الأوضاع الحالية وفك قيود التبعية و ما تفرضه من سيطرة مجالية.
و في هذا الباب، تم طرح سؤال حقيقة وجود الطريق الرابع، كطريق مميز و قائم بذاته، لفتح باب النقاش العمومي حول المشروع الوطني الاقتصادي و الاجتماعي المستقل الذي تقدمنا به، مع إدراكنا أيما إدراك طبيعة بنيات مجتمعنا المعقدة و التي تقف حاجزا أمام أي نوع من أنواع التطور. لكن هذا الطرح الخلاق لا يعني بأي حال من الأحوال السقوط في فخ الإيمان الأعمى بالنموذج الليبرالي الجاهز، أو الاشتراكي بالمعنى السوفياتي! .
إن ما يعمل من أجله الطريق الرابع، و يرتضيه لعموم المغاربة هو القطع الكلي مع سياسات الحيف والإجحاف،على مستوى توزيع الثروة، و النضال المشروع من أجل مشروع وطني مغربي قُحٍّ، قائم على استقلالية القرار الاقتصادي الوطني.
و لا يخفى أن هناك حواجز كثيرة ملموسة، توجد أمامنا، إنْ من حيث إشكالية الثروة، أو خصائص البنيات المجتمعية، أو غيرهما. بيد أن الثقافة السياسية التي يؤسس لها الطريق الرابع بكل و عي ومسؤولية و غيرة وطنية، هي ثقافة التنمية الاجتماعية الشاملة، القائمة على إعادة الاعتبار للعنصر البشري، و تنميته تعليميا و صحيا، بالإضافة إلى تمتيعه بالحقوق الإنسانية كلها، و في طليعتها الحق في الكرامة.
و لا غرو في أن يجد ما تبقى من اليسار نفسه في حيرة من أمره في مواجهة هذه الحقائق، التي تقض مضجعه، بعد عجزه التام عن طرح تصور مكتمل للتنمية الاجتماعية كمنظومة متكاملة ضمن مشروع متكامل عليه أن يطال كل البنيات الاجتماعية، و في مقدمتها بنيات المغرب القروي و سكان الجبل والواحات والسهول والسهوب وضواحي المدن.
و قد سبق أن بيَّنا في الجزء الأول الذي خصصناه لنقد وتعرية آفات ما تبقى من اليسار بالمغرب، أنه لم ينتبه، بل لم يعرف كيف يستثمر الإرث اليساري المغربي العظيم حين ارتمى في حضن التقليد، و حافظ على أدبيات التيارات المنقولة كما هي، أو كما توارثه عن البعض منها، من دون أن يكلف نفسه عناء الإضافة، و النقد، أو حتى الاستثمار فيه استثمارا جديدا وعقلانيا يراعي خصوصية المغرب، و لا شك أن هناك عوامل أخرى تفسر هذه المفارقة التي يعيشها ما تبقى من اليسار اليوم، التي تكمن في عجزه عن قراءة تراثه اليساري قراءة عقلانية واقعية و بعيون معاصرة، حيث بقي مكتفيا بتبجيله وتقديسه، دون خجل من دعاويه التقدمية، و غير محترم لتاريخه و العوامل التي أفرزته، و الظروف و التحولات التي صنعته ووجهته.
و خير دليل على العوامل الأخرى التي وجهت نظرتهم وطريقتهم في في التعامل الانتقائي مع هذا التراث اليساري المغربي ، هو تمسكهم التقليدي بإديولوجيته، مع التخلي الغامض عن الموقف من ” الجمهورية الصحراوية المزعومة” و الموقف من “النظام الملكي” من دون تقديم نقد ذاتي شاف كاف، أو تبرير صمتهم على هذه الثقافة السياسية المتذبذبة في مواقفها، حد التناقض. وهذا الصنيع اللاعقل اني هو ما جعل منهم “تراثيون” و “انتقائيون” و “أصوليون” بامتياز، يدركه حتى المبتدئ في السياسة.
وهذه اللعبة المكشوفة المزدوجة بين الاختباء وراء التراث التاريخي لليسار، و ارتداء لبوس حقوق الإنسان، وتسخيرها تسخيرا سياسويا، والارتماء في الشعبوية و شخصنة المعاني والمعايير التي تقتضي أن نميز بينها وبين الأحداث التي تنتجها، آن الأوان لزوالها (اللعبة)، و هذه الممارسات الانتقائية التقليدية التجزيئية و جب أن تنتهي، لأنها أصبحت عائقا أمام أي طفرة و تطور مجتمعي!
إن الطريق الرابع، وهو يؤسس لثقافة سياسية جديدة، ينص على أن ثقافة ما تبقى من اليسار ثقافة مبنية على الإقصاء المقيت، و التعصب الأيدولوجي، وكبت الإبداع، و قمع الحريات.

كما يعتبر أن التراث اليساري المغربي بإيجابياته وسلبياته تراث عصره، و ابن مجتمعه، و موصول بخصوصيته، وعلى الجميع احترامه و عدم الانتقاص منه، أو المساس به، أو شخصنته، أو احتكاره، أو إلباسه لبوسا لا يليق به، ظاهره الجدة، و باطنه يخضع لنزوات وعقد الشرعية الوهمية.
إن اليسار الآخر، الجديد، المعاصر والمواطن، الذي نؤسسه له، هو يسار من أجل القطع مع اليسارية الدعوية و وظيفتها الأيديولوجية الإقصائية ، التي لم تتخلص بعد من عقدة الشرعية التاريخية، و لم تستطع تجاوزها و الاتجاه نحو إنتاج المعرفة النقدية الضرورية للمجتمع.
لقد آن الأوان للتخلص من الماضي والاتجاه نحو المستقبل، حتى لا يتحول ما تبقى من اليسار إلى سلطة سلوكية رقيبة، تراقب سلوك الناس ومعتقداتهم و تحاكم رموزهم و قيمهم، وتزرع الخوف والتوجس فيهم ، لأن الوضع الراهن يقتضي جهودا مكثفة، وتوجهات جديدة متكاملة وخطى مغايرة لما درج عليه ما تبقى من اليسار الذي اختار الطريق السهل ، أي طريق التقليد والتبعية، و النقل عن التراث التاريخي، طالما هو نابع من دول اشتراكية وشيوعية وقومية، هنا وهناك، بناء وغايات.
أخيرا، و ليس آخرا، فإن الطريق الرابع ليس من دعاة الاغلاق الفكري ، و لن يكونه في المستقبل، بل إن هدفه هو تحويل الحلم المنشود إلى واقع معاش، هذا الحلم الذي سيتحقق بثقافة سياسية جديدة، قائمة على حوار نقدي واع مع تراث اليسار القديم والحديث والمعاصر، فهما وتحليلا و نقدا وتنقية وتحاوزا، حتى نستخلص منه دروسا وعبرا لنا ولجيل مغرب المستقبل.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*