swiss replica watches
الحجر الصحي الشامل: الخيار الصعب ! – سياسي

الحجر الصحي الشامل: الخيار الصعب !

اسماعيل الحلوتي

بفعل ما بات يعرفه المنحنى الوبائي ببلادنا من ارتفاع متسارع خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة بالعاصمة الاقتصادية، من حيث التزايد المقلق لأعداد الإصابات المؤكدة بالفيروس التاجي “كوفيد -19” وحالات الوفاة المتصاعدة، كان من الطبيعي أن تعم المغاربة موجة من الهلع، ليس فقط خوفا من تفشي العدوى بينهم، بل كذلك من احتمال عودة السلطات العمومية إلى فرض الحجر الصحي الشامل، إلى الحد الذي اغتنم فيه بعض منعدمي الضمير فرصة الترويج الواسع لذلك في بلاغ منسوب إلى رئيس الحكومة، واضطرار الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء إلى فتح تحقيق عاجل حول ظروف وملابسات صدوره وتداوله.

وعلى غير عادة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني في التلكؤ وعدم الاهتمام بما يروج في الشارع المغربي من أنباء، سارع في ذات اليوم إلى تكذيب البلاغ الزائف، معتبرا أنه مجرد تلفيقات عارية من الصحة، وأنه لا يمكن الاعتداد إلا بالأخبار والبلاغات الصادرة عن القنوات الرسمية في الإعلام العمومي. دون أن يجشم نفسه وهو الدكتور في علم النفس عناء الكشف عن خفايا لجوء البعض أحيانا إلى تزييف الحقائق وتحليل مثل هذه الشائعات، المترتبة في الغالب عن اضطرابات نفسية وتخوفات المواطنات والمواطنين من حدوث أشياء تكون ذات آثار وخيمة عليهم…

بيد أنه لم يستطع إخفاء ما بلغته الحالة الوبائية من تفاقم مقلق، ينذر بكارثة كبرى ما لم تتخذ جميع الاحترازات الوقائية الضرورية، حين أبى إلا أن يكشف عن حقيقة تطور الأزمة الصحية، إبان جوابه على سؤال محوري حول مدى استعدادات الحكومة لمعالجة تحديات الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتردية في ظل تداعيات جائحة “كوفيد -19” وهشاشة منظومتنا الصحية، وذلك أثناء الجلسة الشهرية الخاصة بالرد على الأسئلة الشفوية المتعلقة بالسياسة العامة، المنعقدة يوم الثلاثاء 3 نونبر 2020 بمجلس المستشارين…

فلا يختلف اثنان حول الوضع الوبائي المستفحل والاضطراب النفسي الحاصل لدى الكثيرين، لاسيما بعد أن كشفت وزارة الصحة يوم الأربعاء 4 نونبر 2020 ضمن بياناتها اليومية عن تسجيل المغرب 5745 إصابة مؤكدة و82 حالة وفاة بفيروس “كورونا” خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، فضلا عن تمديد سريان حالة الطوارئ شهرا آخر، حلول فصلي الخريف والشتاء اللذين تنتشر فيهما الأنفلونزا الموسمية المتشابهة الأعراض مع فيروس كورونا، وشروع عديد الدول الأوربية في فرض الحجر الصحي الكامل. ألا تدعو مثل هذه الحصيلة الثقيلة والمرشحة –لاقدر الله- للمزيد من الارتفاع، إلى الهلع من عودة الحجر الصحي الشامل ؟ فالعثماني نفسه لا يستبعد مثل هذا الخيار الصعب في حالة تعاظم الخطب، رغم ما لهذا الخيار من عواقب وخيمة على جميع الأصعدة…

وفي هذا الإطار نرى أنه من واجبنا التحذير واستحضار ما ورد من دروس وعبر في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب، الذي ألقاه الملك يوم 20 غشت 2020، واعتبره الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن العام خطاب المكاشفة والصراحة، لما حمله من حقائق ملموسة، حيث نبه من خلاله عامة الشعب المغربي إلى ضرورة التحلي باليقظة وتجند كافة القوى الحية للأمة من أجل محاربة الوباء الفتاك. إذ بقدر ما نوه بروح التضامن والانضباط التي أبان عنهما المغاربة خلال المراحل الأولى من ظهور الوباء ببلادنا، والتزامهم التام بالبروتكول الصحي الموصى به من قبل السلطات العمومية، إلى الحد الذي صار معه المغرب نموذجا يحتذى في التكافل ومحاربة الوباء اللعين، بقدر ما أبدى تأثره الشديد مما لاحظه من تراخ وعدم الاستمرار في التقيد بقواعد السلامة الصحية، رافضا بشدة هذا النوع من السلوك الذي يقوض جهود الدولة والمفتقد إلى أبسط مقومات الحس الوطني والتضامني، واضعا بين أعيننا السيناريو الصعب الذي يحيل إلى حجر صحي شامل بتكلفة اقتصادية وصحية ونفسية واجتماعية جد باهاظة، خاصة أنه لم يعد بمقدور الدولة مواصلة الدعم إلى ما لا نهاية.

فما لا ينبغي له أن يغيب عن الأذهان في هذه الظروف العصيبة التي تمر منها بلادنا والعالم أجمع، هو أنه إذا ما استمر الوضع الصحي في التدهور واضطرت اللجنة المختصة إلى رفع توصيتها إلى دوائر القرار بالعودة إلى حجر صحي شامل، فإن آثاره ستكون قاسية على الحياة العامة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أننا مررنا بتجربة مؤلمة دامت ثلاثة أشهر انعكست آثارها على الاقتصاد الوطني بشكل كبير، وأنه لولا وجود صندوق “كورونا” المحدث بتعليمات ملكية لكانت الكارثة أفظع. والحجر الصحي العام سيكون وبالا ليس فقط على الدولة من حيث ضعف المداخيل الجبائية وانكماش الاقتصاد، بل حتى على الأسر المغربية العاملة بالقطاع غير المهيكل، وسيؤجل أيضا خطة الإنعاش الاقتصادي التي رصد لها مبلغ 120 مليار درهم، ومشروع التغطية الصحية الاجتماعية، ناهيكم عن تفاحش معدلات البطالة وتأثر الحالة النفسية للأطفال وكبار السن خاصة…

إننا جميعا مسؤولين وأحزاب سياسية وفعاليات المجتمع ووسائل الإعلام ومواطنين، معنيون وإن بدرجات متفاوتة، بخوض هذه المعركة المصيرية ضد جائحة “كوفيد -19” بكل ما يلزم من تضامن وجدية، وروح وطنية صادقة وشعور بالمسؤولية، لتجنب الحجر الصحي الشامل الذي بات رهينا بمدى قدرة الحكومة على مراجعة سياستها العامة التي أخفقت في تدبير الأزمة الصحية، وحرص كافة المواطنات المواطنين على التقيد بقواعد السلامة الصحية.

اسماعيل الحلوتي

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*