حتى لانضيع في التفاصيل
بقلم / رشيد لمسلم
من دون شك أن أنماط الحياة العصرية القائمة في معظمها على التقنيات الإلكترونية وسواها من الأنماط لم تكن سائدة قبل ثورة التكنولوجيا الرقمية والاتصالات التي عملت على اختزال الكثير من الجهد والوقت، بحيث كثفت كل هذا، بما جعل معظم البشر يعيشون رفاهية معقولة مترافقة مع أوقات فراغ كبيرة لم يتم استهلاكها بالشكل الجيد والأفضل في مجتمعنا الذي لم يكن مهيأ لتلك التطورات التي عززت قلق البعض وخوفه من المجهول.
بحلول وباء كورونا الصاعق على حياة الناس أجمعين وفي كل بقاع العالم، بما أفرزه من بطالة رفع من منسوبها الانهيار الاقتصادي بسبب إغلاق المصانع والشركات والأسواق، الذي فرضه انتشار الوباء وما تبعه من ارتفاع في الأسعار ، ما ضاعفت من الضغوط النفسية والمادية التي أرخت بثقلها على الجميع بلا استثناء، وهذا ما دفع بالغالبية من البشر إلى حالة من الضياع والتيه الذي قادهم إلى مسالك التلاشي أو اللامبالاة تجاه مختلف الأشياء والأمور الخاصة والعامة، وجعلهم بالتالي يعيشون حالة من الفراغ الروحي والمعنوي، بالتزامن مع فراغ في الوقت اتجه البعض لملئه إما بالزيارات والتسوق وماشابه، أو العزلة التي ساهم بتعزيزها تعليمات الحظر المفروض بخصوص التصدي للوباء، ما عمل على رفع منسوب الاكتئاب والقلق، بحكم عدم امتلاك الثقافة الكافية لمواجهة كل هذه المستجدات حتى وصل البعض إلى التفكير إما بالإنتحار أو الهجرة مهما كانت عواقبها لاسيما لدى فئات الشباب التي لم تعد ترى في الحاضر والمستقبل سوى نفقا مسدودا ومظلما يحاصرها ويخنق أحلامها وكل تطلعاتها الطبيعية.
لا مندوحة بالإعتراف أن في كلا الاتجاهين اللذين سادا في ملء أوقات الفراغ، ضياعا واستلابا لايؤدي بحال من الأحوال إلى تجاوز هذا الواقع بكل مرارته وفظاعته، بل يزيد من حدة وسرعة الانهيار الإنساني والاجتماعي الذي يغتال مختلف مقومات الحياة التي من المفترض أن يسعى الجميع لإيجاد الحلول الملائمة والناجعة والمجدية لبعثها من جديد، والخروج ما أمكن من شرانق القهر والخوف والقلق.
وهذا لا يتطلب سوى الإرادة الواعية وبذل بعض الجهد ولو كان متعبا في الاستثمار الأفضل للوقت.
فلابد من بعض الوقت لخلوة ذاتية نمعن خلالها التفكير بحالنا وواقعنا المتأزم حقيقة، انطلاقا من قاعدة أن لكل أمر مهما عظم نهاية، ولكل المشاكل مهما تفاقمت حلولا تساعدنا على الانتقال من حال إلى حال أفضل.
خلوة نمتع خلالها النفس ببعض ما افتقدته مما تحتاج، من موسيقى ومشاهدة الأفلام والاستماع للأغاني والرقص يحررنا من قلقنا ومخاوفنا.
وربما خلوة أخرى تمتع الفكر والعقل بالإطلاع على آخر مستجدات العلوم والفكر الإنساني الذي طال عالمنا الحديث بالنقد والتقييم واستشراف المستقبل الإنساني؛
خلوة تجعلنا نرى حقيقة الواقع بكل مافيه من قهر وألم، وحقيقة ما أدى بنا إلى ما نحن عليه اليوم.
فهلا حاولنا النظر إلى ذواتنا وأنفسنا من منطلق إنساني يدفعنا لاستثمار أوقاتنا وعمرنا بشكل يتناسب مع إنسانيتنا ووجودنا الذي يجب أن يكون فاعلا كي لا يبقى مفعولا به.