swiss replica watches
كتاب “مكانة الماركسية في التاريخ – لأرنست ماندل،* – سياسي

كتاب “مكانة الماركسية في التاريخ – لأرنست ماندل،*

كتاب “مكانة الماركسية في التاريخ – لأرنست ماندل،*

في كتاب (مكانة الماركسية في التاريخ ) يقدم أرنست ماندل عرضا للفكر الماركسي، في مقدمته يؤكد ريتشارد بولين على أصالة الفكر الماركسي، وأن هذا التيار الفكري لم يأت لنا من الجامعة بل تطور من داخل الحركة العمالية، ومع ذلك فإن المنهج الخاص الذي أرساه كل من ماركس وأنجلز في التحليل يستوعب بشكل نقدي معطيات العلوم الاجتماعية مع وضعها في علاقتها بتحليل الحركات الاجتماعية وجهود التنظيم والتحرر الذاتيين للطبقة العاملة ” وفي المقابل، يسجل ريتشارد بولين، أن مراقبة التطورات الاجتماعية والانخراط في نضالاتها يجب هو أيضا أن يؤثر في الماركسية.

وللقطيعة مع التقليد الجامعي، ترفض الماركسية الفصل بين العلوم الاجتماعية وفي مختلف تخصصاتها، كما أنها لا تقبل ادعاءاتها بالموضوعية العلمية، لأن الجامعة تقع تحت تأثير الرأسمالية النيوليبيرالية، فالمعايير وقواعد النظام الاجتماعي يتم نشرها واستيعابها من قبل الطلاب والأساتذة الذين يعتبرون ك ” زبناء “.

ويعتقد ريتشارد بولين أن هذه “الغباوة المهنية” هي نتاج ثانوي للتخصص المهني الذي جزأ المعرفة خلال فترة طويلة من انتصار الرأسمالية النيوليبرالية المعولمة. يتظاهر الأكاديميون بالموضوعية التي تحجب موقعهم وموقفهم الطبقي داخل المجتمع؛ ووفقا لروزا لوكسمبورغ فإن وضوح تحليلات ماركس يأتي من نهجه الثوري..

فإذا كانت قوانين النظام الرأسمالي هي قوانين طبيعية بالنسبة للاقتصاديين البورجوازيين، فإنها بالنسبة للماركسية هي قوانين تاريخية، انتقالية، وقابلة للتغيير بقوة البشر.

*ماركسية المقاومة*

لا يكتفي أرنست ماندل (1923-1995) بإصدار كتبه مثل الجامعيين الماركسيين اليوم، بل إنه ينخرط بدينامية كبيرة في الحركة الثورية، ليصبح من أحد الأعمدة والقادة المركزيين للأممية الرابعة التي جمعت جزءا من الحركة التروتسكية التي تشجب الستالينية وترفضها وفي نفس الوقت تستند وتشير بارتياح إلى الماركسية اللينينية.

دعم أرنست ماندل بهمة كبيرة نضالات التحرر الوطني مثل الثورات اليوغسلافية والكوبية والفيتنامية؛ لقد تخلى هذا المفكر اللامع عن مسار جامعي مرموق ليحقق تكاملا خلاقا ما بين النظرية والممارسة. ونصوصه الرئيسية موجهة إلى أولئك الذين يرغبون في فهم، وتعلم، وامتلاك الماركسية الثورية.

إن المكانة التي تحتلها الماركسية في التاريخ، يؤكد على مساهمة المادية الجدلية في تحليل المجتمع الرأسمالي ولاسيما في بناء حركة ثورية.

ففي هذه الفترة من الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات الاجتماعية تستحق أن نعيد اكتشاف الماركسية الثورية. يكتب ماركس:

” كل ما فعله الفلاسفة حتى اليوم هو تفسير العالم بطرق مختلفة … المهم هو تغييره ”

فالماركسيون يصرون على تنظيم الأجراء والشرائح الشعبية الأخرى على صعيد عالمي من أجل بناء عالم خال من الاستغلال والهيمنة.

*أسس الماركسية التاريخية*

يشرح أرنست ماندل النشوء التاريخي للماركسية، من تحليل للرأسمالية وعلى امتلاك الرأسماليين لوسائل الإنتاج، وبشراء قوة العمل من طبقة اجتماعية أخرى: البروليتاريا، تضطر البروليتاريا إلى بيع قوتها العاملة من أجل البقاء بعد حرمانها من امتلاك وسائل الإنتاج ووسائل عيشها. تنبع هذه العلاقة بين الرأس المال والعمل بتعميم منطق السوق الذي يؤسس نمط الإنتاج الرأسمالي. إذا كانت الرأسمالية ظهرت في القرن الخامس عشر، فإن الثورة الصناعية هي التي مكنت من ترسيخها وتعميمها في القرن الثامن عشر، وسيتوسع المعمل أو المصنع الذي يقوم أساسا على المكننة عبر العالم…

تكشف المناهضة المستمرة للملكيات المستبدة والمطلقة عن انتصار المجتمع البورجوازي في جميع مجالات الحياة؛ ولقد أدى تحول الأفكار والعادات و”القيم” إلى قيام الثورات البورجوازية الكبرى في القرن الثامن عشر:
الثورة الأمريكية عام 1776 والثورة الفرنسية عام 1789…

لأن الرأسمالية أنتجت قبل كل شيء تراكما للبؤس والظلم والطغيان.

وكانت الاشتراكية موجودة قبل الرأسمالية كحركة نستنشق فيها هواء المساواة، وكانت الماركسية تندرج ضمن هذا الإرث الاشتراكي، وتعاين أشكالا جديدة من الاضطهاد والقمع منذ القرن الثامن عشر، وتصر على ظهور البروليتاريا والمسألة الاجتماعية التي تنشأ من التعارض والتناقض الجديد بين الرأس المال والعمل المأجور.

الماركسية مستوحاة من فلسفة هيغل، فهذه الأخيرة تبقى مثالية للغاية بالرغم من إدراكها للعمل وتنظيم المجتمع عبر الدولة. فالماركسية معنية أكثر بدراسة الواقع المادي، وأدت تفسيرات هيغل إلى تيارات فكرية متعارضة؛ فالهيغليون المحافظون يدافعون باستماتة عن الدولة البروسية، بينما يصر “الهيغليون الشباب” بما فيهم ماركس على ضرورة تغيير النظام الاجتماعي. يرتبط ماركس بالجدلية المادية ضد الجدلية المثالية، كي تكون حركة التحرر متجذرة في الواقع المادي. يوضح أرنست ماندل :” إنها ليست فتوحات تقدمية مطردة لحرية الروح، إنها قبل كل شيء فتوحات تقدمية مطردة للفضاء المادي للحياة والحرية وإمكانيات التمتع ” هذه المتعة ليست روحية فقط. تظل “تلبية الاحتياجات الأساسية للغذاء، للحماية، للصحة، والاحتياجات الجنسية، والتربية والحصول على الثقافة..” أولوية وأساسية، ويجب على الفرد أن يحرر نفسه من القيود الاجتماعية المفروضة. إن ماركس يهتم بمحاربة جميع المؤسسات التي تسمح بالاستغلال والقهر والاغتراب.

تلتزم الماركسية بتفسير مادي للتاريخ، فالتاريخ لا يصنعه العظماء، بل العكس، المجتمعات هي التي تتطور من خلال صراعات وتناقضات القوى الاجتماعية المختلفة. يربط الماركسيون التاريخ بالسوسيولوجيا طالما أن التاريخ الإنساني يتم تحليله عبر مفهوم الطبقة الاجتماعية. في القرن التاسع عشر، قام المؤرخون الفرنسيون بدراسة التاريخ من خلال بعده الاجتماعي، ومع ذلك تبدو هذه الاسطوغرافيا وصفية فقط، فلم يتم ذكر الصراعات الاجتماعية بين الطبقات الاجتماعية المرتبطة بالمصالح المادية، كما أن معارك المهمشين والمحرومين تم الاستهانة بها واحتقارها وحجبها، وساد الحقد الطبقي بين المؤرخين؛ إن هذه الاسطوغرافيا كتبها المنتصرون، وبدت الدولة والطبقات أبدية وخالدة لأنه لم يتم الكشف عن أصلهما… أما بالنسبة للماركسيين، فالعلاقات الاجتماعية تقوم على علاقات الإنتاج، كما يمكن معاينة أنماط الإنتاج التاريخية المختلفة في فترات الانتقال، لكنها، أي أنماط الإنتاج، بنيات لا يمكن تغييرها تدريجيا. الثورة وحدها هي القادرة على الإطاحة بها.

الإنسان يصنع تاريخه الخاص في إطار القيود والتحديات المادية، وهذا التاريخ هو نتاج للصراعات الاجتماعية، يؤكد أرنست ماندل:

” الصراع الطبقي هو دائما صراع طبقي عام، في جل، إن لم يكن في كل مجالات الأنشطة الاجتماعية “، فالثقافة والأخلاق والفلسفة والفنون… كلها محددة ببنية مادية، لذلك فالإيديولوجية المسيطرة شكلتها الطبقة المسيطرة على المستوى المادي، ويمكن لهيمنة إيديولوجية أن تقوم بتحضير انتصار ثوري للطبقة الصاعدة…

يهتم الاقتصاد الكلاسيكي بملاحظة الواقع المادي، ولا تنحصر العلوم الاقتصادية في مجموعة من القيم الأخلاقية لتبرير الوضع القائم، يؤكد الاقتصاد على قيمة العمل وعلى قيمة الإنتاج، لكن الاقتصاد الكلاسيكي يعتبر القيمة أداة بسيطة للقياس، دون مساءلة طبيعتها وجوهرها، لأنه يرى الاقتصاد ساكنا ويرفض تحليل الأزمات. أما بالنسبة للماركسيين، فإن المنافسة تخلق عدم استقرار دائم وتطور تقني، وتسعى الماركسية إلى تحليل الواقع الاقتصادي، فالعامل من خلال عمله ينتج قيمة أكبر من أجرته. يتعلق الأمر بالقيمة المضافة والتي تندرج في العمل الفائض غير المدفوع الأجر. ويتيح فائض القيمة الربح وتراكم رأس المال، والانخفاض في معدلات الربح يسبب الأزمات.

*الماركسية والتنظيم الثوري*

على مر التاريخ، قامت ثورات عديدة ضد الظلم الاجتماعي، لذلك فإن مجتمع السوق ليس نظاما طبيعيا لا يمكن تقويضه. ولقد حاول الطوباويون (Les utopistes) التفكير في شكل من التنظيم الاجتماعي والسياسي، وساعدت انتقاداتهم الواضحة للمجتمع البورجوازي في مسارات فكرية وفلسفية تنشد التغيير الاجتماعي؛ لكن بالنسبة لماركس، فإن مجتمعا بدون طبقات لا يمكن أن ينشأ إلا من خلال الصراع الاجتماعي، وبإلغاء النظام الرأسمالي كاملا، ومن حركة التنظيم الذاتي والتحرر الذاتي للأغلبية.

يجسد أوجوست بلانكي ( Louis-Auguste Blanqui ) الانتقال من اليوتوبيا إلى الفعل، ابتداءا من سنة 1830 قام بإعداد تمردات وحرض على ثورات عديدة، وكان يقضي معظم حياته داخل السجن، وقد تم حبسه على الخصوص أثناء كومونة باريس.

بعدها انضم البلانكيون إلى الحركة العمالية الثورية وارتبطوا بالماركسية، يصر بلانكي على البعد السياسي للاستغلال ويسعى إلى انقلاب الدولة؛ يتفق أرنست ماندل مع بلانكي على أن الثورة تأتي من أقلية ثورية جيدة الإعداد، وهو الأمر الذي يمكن أن ينحرف نحو احتكار للسلطة من قبل عناصر نشطة بيروقراطية، لكن أرنست ماندل، يشير إلى حدود العمل السياسي الذي تم اختزاله إلى مؤامرة أقلية. إن نخبوية هذا النوع من الفعل النضالي لا تسمح بالتقاطع مع الحركات العفوية للجماهير. فنشطاؤها يأتون من أوساط بروليتارية ما قبل صناعية لا تستوعب طبيعة الرأسمالية.

بالنسبة لماركس، فالعمل الثوري يجب أن يأتي من جزء كبير من الشعب مع الأجراء والبروليتاريا كلها. عندها يصبح مشروع التنظيم الذاتي للبروليتاريا أولوية. والتحرر السياسي يجب أن يتيح التحرر الاقتصادي والاجتماعي…

… يقدم أرنست ماندل مسار ماركس وأنجلز، مسار يتطابق مع مثقفين لا يعيشون نفس الظروف التي تعيشها البروليتاريا، لكنهما يرفضان أن يقتصر عملهما على مراقبة وتحليل المسألة الاجتماعية دون استخلاص خلاصة سياسية، لذلك قررا المشاركة في الرابطة الشيوعية والجمعية الدولية للعمال، وبذلك أمكنهما أن يفهما بشكل أفضل أوضاع العمال

يؤكد أرنست ماندل على دور المساهمات الماركسية في الدراسات الفكرية وفي النضال الثوري، وهي المساهمات التي ساعدت على كسر الفاصل بين العلوم الاجتماعية المختلفة، إنه فكر شامل يتيح لنا تحليل جميع جوانب الوجود الإنساني، ثم إن الماركسية تقدم منظورا ثوريا للصراعات الاجتماعية، ففي الصراعات الحالية، يكون لتدبير الحاضر أسبقية على التفكير في أفق ثوري، ويجب على الفكر الماركسي أن يربط النظري والممارسة، العمل الفوري والتفكير الثوري.

وبالمقابل يمكن للماركسية أن تغرق في العلموية (scientisme) وفي مستنقعات محترفي السياسة أو “السياسوية ” …….عندها يلوذ الماركسيون إلى النظرية، وتصبح التأويلات الفكرية واليقينيات النظرية العلموية الهدف الوحيد للثوريين الضعفاء

. في زمن أرنست ماندل، كانت الماركسية تطمح أن تصبح علما يجمع بين جميع العلوم، لكن هذه الإرادة الشمولية بالرغم من حدودها، يمكن أن تجعل من الممكن التفكير في بناء مجتمع آخر.

قراءة وترجمة : عبد الكريم وشاشا

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*