هرمومو: مأساة ومهزلة…

⚫️ هرمومو: مأساة ومهزلة

 

لنتوجهْ رأسا إلى المآلات، فالتشخيص أصبح يبعث على الكآبة؛

المواجهة التي اسْتعَرتْ اليوم بين الباعة والمواطنين في سوق أسبوعي بهرمومو، هي مظهر آخر لمآلات الاستمرار في تحمل تكلفة التغول الأوليغارشي.

 

وها هي ديناميات من الصراع الاجتماعي تتولَّد أمام أعيننا في فضاء السوق، الفضاءِ الذي يُفترض أن يكون مجالا للتفاوض الهادئ على العيش وتبادل المنفعة والاستمرار الجماعي في البقاء الآمن، لكن غياب مستلزمات هذا التفاوض: القدرة الشرائية للمواطن وسلعٌ سليمة من سلسلة المضاربة، يحولان التفاوض إلى مناوشة، فمواجهة…

إنها مواجهة قسرية مفروضة على طرفين: مواطن بات أكثر اقتناعا أن عليه أن يقلب الصفحة وأن يمر إلى التفكير في استعادة سلطة فوضها، وباعة بالتقسيط هم أيضا فرائس للتغول الكامن في “الباك أوفيس” الذي يُراكِم الأرباح ويدفعهم إلى “فرونت أوفيس” محفوفٍ بالمجهول واللايقين..

 

إنه صراع من أجل ” الكرامة الغذائية” في وطن يفتح أوراشا كبرى في زمن حاسم من تاريخ هذه الأمة ولكنه يسير بسرعتين، في تذكير حرفي بعبارة تقرير الخمسينية: Un Maroc à deux vitesses.

 

الفرق هذه المرة جوهري: السرعتان ليستا في الاتجاه نفسه: سرعة الدولة في اتجاه الملاذ الآمن وسرعة التغول الأوليغارشي في اتجاه المجهول الذي يصبح معلوما يوما بعد يوم: تسريع دورة الغضب العام.

 

في مشهد كهذا، تتوارى كل أصوات التحليل وأقلام التنبيه، وذلك لسبب بسيط، وهو أن مؤشر الجوع المعبَر عنه بالصرخات المتراكمة هو أفصح خطيب.

 

دعونا من كل هذا، وتعالوا نُرهف السمع إلى الإشارات في أرض الشرفاء التي تؤمن كثيرا بالإشارات. لكُم أن تسموها القدَر أو الموافقات أو لاهوتا سياسيا، ولنطرح معا السؤال الآتي:

 

أ لم ننتبه إلى أن شيئا ما، طاقةً ما، إشارةً ما كانت تُوجِه إلينا “قرصة أذن”، لكننا مُصرّون على صمِّ الأسماع عن التنبيه؟

 

سأكون أكثر إفصاحا: لماذا يُصر القدر على تذكيرنا بتاريخ الثامن من شتنبر (تاريخ التشريعيات) عبر زلزال لم نلملم جراحه وهو الذي ضرب في ذكرى التاريخ نفسه؟؟؟

 

ولماذا يعود السمك الذي ارتبط في متخيلنا السياسي بلمف حارق، ليظهر مع الشاب عبد الإله “مول السردين”، متجاوزا بنية حكومية بفعل احتجاجي عفوي، كاشفا عجزها عن تدبير الوحش الذي أنجبتْه من رحمها: وحش الغلاء والاحتكار والمضاربة وغلاء الأسعار ؟؟

 

ثم لماذا تنبعث هرمومو بإشاراتها هذه المرة؟ هل ضاقت من كونها “رباط خير” ؟ هل علينا أن نتحمل المزيد من حماقات التغول الأوليغارشي حتى تتحول إلى هرمومو جديدة؟؟

 

الأمثلة الثلاثة أعلاه (تاريخ الثامن من شتنبر، سمك الدراويش و هرمومو) تذكرنا بأن للزمان والمكان والأحداث جينات، وأن تجاهل التشفير الجيني مكلف لا محالة.

 

لنأت الآن إلى سؤال المليون دولار؟

من هو الشخص السيئ الطالع ومن هي البنية المتنفذة المتواترة الظهور في كل هذه الأحداث حضورا أو تقصيرا أو تورطا مباشرا أو غير مباشر؟؟

 

واش هادا شاد علينا شي ضوسي ولا شنو واقع؟؟

 

🟢 ما الحل؟ ومن عليه اتخاذه؟

 

باختصار وبكل لطف، الحل هذه المرة بيد الدولة وبصيغة لا وجود فيها للتغول الأوليغارشي في المشهد.

 

لقد باتت الجماهير اليوم أكثر حاجة إلى رؤية الدولة وهي تتدخل بحزم لكي تخلصهم من قبضة العابرين في زمنها.

 

الجماهير متعطشة اليوم إلى تدابير تعيد ثقة الشعب في نفسه أولا، لأننا أمام حالة “تروماتيزم” جماعي يحتاج بالمقابل إلى تدابير استشفاء جماعي.

 

الجماهير متعطشة إلى مرأى كل أدوات الدولة وهي تترجم القرار الملكي الاستباقي والرحيم، الذي أهاب فيه أمير المؤمنين بترك شعيرة نحر الأضحية؛ ذلك أن قرارا من هذا الحجم هو عبارة صريحة، وليس مجرد إشارة.

 

الجماهير متعطشة إلى ما يُطَمئنها أنها ليست مضطرة إلى ابتكار أساليب احتجاجية غير مسبوقة خارج الأطر المؤسسية.

 

الجماهير محتاجة إلى رؤية طقس القصاص بالقانون والانتصاف بالعدالة من كل يد آثمة طالت المال العام أو امتدت إلى جيوب البسطاء.

 

الجماهير بلغة الإنصاف والمصالحة، محتاجة إلى جبر جماعي من الضرر الأوليغارشي وإلى عقاب الجناة وإلى ضمانات بعدم التكرار.

 

جدير بالذكر، أن الجماهير ستحتفظ بحقها في حفظ الذاكرة بعد كل هذه الجروح الغائرة جراء حالة السلخ الجماعي.

 

وجدير بالتنويه كذلك، أن الجماهير تئن وهي تهمس وتقول: احنا متايبين لله ا سي عزيز: وعدتَ بإعادة التربية وقد وفيتَ وكفَيت.!!

 

فهل اكتَفَيْت؟؟

 

في انتظار ذلك، سيكون علينا ونحن في هذا الشهر الفضيل أن نقرأ اللطيف من أجل هذا الوطن سيرا على هدي الأجداد، وسيتعين علينا كذلك ترديد دعوات جداتنا رحمهن الله تعالى:

الله يْكْب فيها مِّبها باردة🤲🏽🤲🏽🤲🏽

 

🔨محمد بلغزال، أستاذ مبرز للتربية والتكوين

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*