حتى لا تنكشف لعبة الحكومة: لجنة الاستطلاع بديلاً عن لجنة تقصي الحقائق هل هي محاولة للالتفاف على الدستور؟ ماذا تحاول الحكومة إخفاءه؟
فنجان بدون سكر:
حتى لا تنكشف لعبة الحكومة: لجنة الاستطلاع بديلاً عن لجنة تقصي الحقائق هل هي محاولة للالتفاف على الدستور؟ ماذا تحاول الحكومة إخفاءه؟
بقلم: عبدالهادي بريويك
في تطوّر سياسي مثير للجدل داخل قبة البرلمان المغربي، اختارت أحزاب الأغلبية الحكومية، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش، التصدي لمحاولة المعارضة البرلمانية تشكيل لجنة تقصي حقائق دستورية حول ملف منح ملايير الدراهم لمستوردي الأغنام واللحوم الحمراء.
وبدلاً من الانخراط في هذه الآلية الرقابية التي يخولها الدستور، لجأت الأغلبية إلى تفعيل لجنة استطلاع مؤقتة، ما اعتبره كثيرون خطوة التفافية على الحق الدستوري في الكشف عن الحقيقة أمام الشعب.
الفرق بين لجنة تقصي الحقائق ولجنة الاستطلاع: غطاء سياسي أم آلية رقابية؟
من الناحية القانونية والدستورية، تختلف لجنة تقصي الحقائق عن لجنة الاستطلاع في طبيعتها وصلاحياتها. فالأولى آلية دستورية قوية تُحدث بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، وتتمتع بصلاحيات واسعة تمكنها من الوصول إلى الوثائق، واستدعاء المسؤولين، ورفع تقرير يُنشر علنًا ويُحال على القضاء إذا اقتضى الأمر.
أما لجنة الاستطلاع، فهي أداة برلمانية أقل تأثيرًا، تُشكّل بمرونة نسبية، وغالبًا ما تفتقد القوة الإلزامية ولا تصل تقاريرها إلى الرأي العام بنفس الزخم أو الجدية.
اختيار الأغلبية لهذا الشكل «البديل» من الرقابة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول دوافعها الحقيقية، خاصة أن السياق يتعلق بمبالغ ضخمة، وظروف اقتصادية صعبة، وملف حساس يطال الأمن الغذائي وثقة المواطنين في شفافية المؤسسات.
ماذا تحاول الحكومة إخفاءه؟
الملف الذي حاولت المعارضة تقصيه يرتبط بمنح دعم مباشر لمستوردي الأغنام واللحوم الحمراء، في فترة عرفت فيها أسعار هذه المواد ارتفاعًا كبيرًا. ورغم تبريرات الحكومة التي تحدثت عن ضرورة ضمان التموين والسوق الوطنية، فإن التساؤلات لا تزال مشروعة:
• من هم المستفيدون الحقيقيون؟
• هل تم احترام معايير الشفافية وتكافؤ الفرص؟
• ما هي نتائج هذا الدعم على الأسعار في السوق؟
• هل هناك علاقة بين بعض المستوردين ومسؤولين حكوميين؟
هذه الأسئلة، وغيرها، لا يمكن للجنة استطلاع أن تجيب عنها بشكل حاسم، لأن وظيفتها ليست المحاسبة بل “المعاينة” فحسب.
مخاطر الالتفاف على الرقابة البرلمانية
رفض الحكومة وأغلبيتها دعم لجنة تقصي الحقائق لا يُعبّر فقط عن تخوف من كشف معطيات محرجة، بل يطرح إشكالًا أكبر حول مدى احترام منطق فصل السلط والتوازن بينها.
فحين تهيمن السلطة التنفيذية على التشريعية، وتتحكم في أدوات الرقابة، تفقد العملية الديمقراطية أحد أهم ركائزها، وهو الشفافية والمساءلة.
الرسالة التي تُرسل إلى المواطنين من خلال هذا السلوك مفادها:
“لسنا مستعدين لكشف الحقيقة كاملة… حتى لو تعلق الأمر بمالكم العام.”
الديمقراطية لا تُدار بالخوف من الحقيقة
إذا كان الهدف من لجان التقصي هو إضاءة المناطق المعتمة في تدبير الشأن العام، فإن تقييد هذه الآلية، أو الالتفاف عليها بلجان استطلاع شكلية، يضر بمصداقية المؤسسات أكثر مما يحميها.
الديمقراطية الحقيقية لا تخشى المساءلة، بل تجعل منها شرطًا للاستمرار.
وما حدث في مجلس النواب ليس مجرد اختلاف تقني حول آلية رقابية، بل مؤشر خطير على تراجع الثقة بين الحكومة، البرلمان، والمواطن.