حين تسبق التهمة الحقيقة: دعوة لتغليب الوعي على الانفعال

فنجان بدون سكر:

حين تسبق التهمة الحقيقة: دعوة لتغليب الوعي على الانفعال

بقلم عبدالهادي بريويك 

في زمن صارت فيه الكلمة سلاحا، والمنشور حكما، والتغريدة تهمة، تزداد الحاجة لإعادة الاعتبار لروح المواطنة الواعية، قبل أن تُزهقها سرعة الاتهام، وحرارة الانفعال، ومطرقة القانون التي لا تميّز بين حسن النية وسوء الفعل.

انتشرت في الآونة الأخيرة قضية اتهام مسؤولين سياسيين بخيانة الوطن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون تحقق، دون محاكمة، ودون إنصاف.

اتهام أطلقته سيدة عرفت بالترحال الحزبي، وبنت سبعة رجال، استنادًا إلى منشور أو موقف مجتزأ، سرعان ما تحوّل إلى محاكمة شعبية، قبل أن تتكشّف الحقيقة: أن ما نُسب إليهم لم يكن سوى قراءة خاطئة، أو تحريفًا مقصودًا، أو اجتزاءً أُريد به الباطل.

فالوطن لا يبنى بتخوين بعضنا البعض، بل بتعاضدنا وتفهمنا واختلافنا الحضاري.

أن تُحب وطنك لا يعني أن تشكك في نوايا الآخرين، ولا أن تحتكر معنى الانتماء، بل أن تحرص على أن يسود الاحترام، ويُصان الكرام، وتُحمى الحقوق.

إن من أخطر ما نواجهه اليوم، عبر منصات التواصل الاجتماعي، أن يتحوّل بعض الأفراد إلى قضاة وجلادين في الفضاء الرقمي، يصدرون أحكامهم على نوايا الناس، ويُشهّرون بأسمائهم، دون سند قانوني أو وعي بمسؤولية الكلمة.

ووسائل التواصل الاجتماعي فضاء للتعبير، لا للتدمير.

وهي فرصة لبناء وعي جمعي، لا منصة للانتقام والتشهير. إن ما نكتبه اليوم قد يتحوّل غدًا إلى قضية قانونية، فحرية التعبير لا تعني حرية القذف، ولا تبرر نشر التهم دون بينة.

وهنا، لا بد من التذكير بأن القانون، حين يُستَفز، لا يرحم. فقد يتساهل المجتمع، لكن النيابة العامة لا تتساهل حين تُنتهك كرامة إنسان أو تُشوه سمعته دون دليل.

حين نتحدث عن المواطنة، فنحن لا نقصد الشعارات الرنانة، ولا الانفعال اللحظي، بل نقصد السلوك المسؤول، الذي يُغلّب المصلحة العامة على الرغبة في الظهور أو التصيد. فالمواطن الحقيقي ليس من يزايد على وطنية غيره، بل من يُدافع عن حق الجميع في أن يُحاكَموا بالعدل، لا بالعناوين أو الهاشتاغات، في عالم سريع، تموت فيه الحقيقة تحت عجلة السرعة، تصبح فضيلة التريث ضرورة وطنية.

فلنسأل قبل أن نتهم، ولنستوثق قبل أن ننشر، فكم من سيرة شُوّهت ظلما، وكم من أسرة شُتّتت بفعل منشور لم يُحسب حسابه.

ليكن ما حدث لنا جميعًا وقفة وعي، لا لحظة شتات. لنعد إلى جوهر المواطنة: الإنصاف، والاحترام، والعدالة. ولنُحصّن فضاءنا الرقمي بأخلاقنا، لا بنزواتنا.

فالوطن لا يحتاج إلى مزيد من التراشق، بل إلى مزيد من العقل، والتسامح، والاحترام.

فالوطن ليس مكانًا نرثه، بل مسؤولية ننهض بها كل يوم.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*