بين الغضب المشروع ومسار التغيير الديمقراطي
بقلم: د. وصفي بوعزاتي
لا أحد يمكنه أن يُنكر أن ما يعيشه الشارع المغربي اليوم من تعبيرات شبابية متصاعدة هو نتيجة تراكم طويل من الخيبات، وغياب الثقة في النخب السياسية، وتراجع الأمل في المؤسسات التي كان من المفترض أن تُعبّر عن طموحات المواطن المغربي البسيط.
الغضب مفهوم، والاحتجاج حقّ، لكنّ السؤال الأهم اليوم: كيف نحوّل هذا الغضب من لحظةٍ عابرة إلى مسارٍ تغييري دائم؟
الشباب الذين نزلوا إلى الشارع، والذين يعبّرون بطرق مختلفة عن رفضهم للواقع، هم اليوم القوة الحقيقية في المجتمع.
إنهم جيل واعٍ، متعلم، ومتصالح مع العصر الرقمي، لكنّه في المقابل يشعر بالخذلان من المشهد السياسي، وبالفراغ من أي تمثيلية حقيقية داخل المؤسسات.
وهنا، تكمن لحظة الوعي: أن نُدرك أن التغيير في الأنظمة الديمقراطية لا يتم بالصراخ وحده، بل بالمشاركة الذكية والمنظمة.
لقد قلتها مرارًا، وسأكررها اليوم: التغيير الحقيقي في المغرب لن يأتي من الشارع فقط، بل من الصندوق الانتخابي أيضًا.
الاحتجاج يُعبّر، لكنه لا يُغيّر القوانين. الغضب يُسمع، لكنه لا يسنّ السياسات.
وحدها المشاركة الواسعة والواعية هي التي تُعيد رسم موازين القوى في المشهد السياسي، وتجعل صوت الشباب فاعلًا ومؤثرًا.
الحكومة الحالية، وبغضّ النظر عن تقييم أدائها، لم يتبقَّ لها سوى سنة واحدة في ولايتها.
والمطالبة بإقالتها اليوم مفهوم من حيث الرغبة في محاسبة المسؤولين، لكنه في المقابل لن يغيّر جذور الأزمة ما لم يتحوّل هذا الوعي الجماعي إلى فعلٍ سياسي مستدام.
من هنا، فالمعركة الحقيقية ليست فقط في الشارع، بل أيضًا في التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة الفعلية في صناديق الاقتراع.
الأرقام تتحدث بوضوح: أكثر من ستة ملايين مغربي ومغربية تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة.
تخيلوا لو تسجل فقط نصف هذا العدد وشارك فعليًا في الانتخابات المقبلة؟ حينها ستتغيّر الخريطة السياسية كليًا، وسنجد أنفسنا أمام أحزاب تفكر مرتين قبل أن تُرشح أسماء غير كفؤة أو وجوهًا مستهلكة. وسينتهي زمن “الزبونية” وشراء الأصوات، لأن جيلًا جديدًا واعيًا سيضع حدًا لذلك.
أيها الشباب، الطريق ليس سهلاً، لكنه ممكن.
أنتم اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة في الوطن من خلال المشاركة لا من خلال الهروب.
السلمية التي ترفعونها شعارًا يجب أن تبقى سلاحكم الأقوى، والوعي الذي تمتلكونه يجب أن يتحول إلى تنظيم، ثم إلى حضورٍ سياسي فعّال داخل المؤسسات.
إن جلالة الملك نفسه، في أكثر من خطاب، نبّه إلى خطورة الفوارق الاجتماعية، ودعا إلى تجديد النخب، وإلى إصلاحات عميقة تُعيد الثقة بين المواطن والدولة. فكيف يمكن أن نستجيب لهذه الدعوة إن لم نكن نحن — الشباب — طرفًا مباشرًا في صناعة هذا المستقبل؟
الرهان اليوم هو أن نحافظ على سلمية الحركة الاحتجاجية، وأن نوجّهها نحو أفقٍ مؤسساتي يُكرّس المشاركة، ويُعيد الاعتبار للفعل الديمقراطي. لأنّ المغرب، ببساطة، لا يحتمل تكرار أخطاء الماضي، ولا يحتاج إلى فوضى جديدة، بل إلى وعيٍ جماعي منظم، ومسؤول، ومؤمن بأن الإصلاح ممكن من داخل الدولة، لا ضدها.
جيل Z212 هو اليوم مرآة مجتمعٍ يتغيّر.
لكنّ الذكاء الحقيقي هو أن يتحول هذا الجيل من جيلٍ غاضب إلى جيلٍ صانعٍ للتاريخ.
عاش الوطن. 🇲🇦
