ادريس لشكر ؛ النهر الذي لا ينسى نبعه
عبد السلام المساوي
بالرغم من أنه غادر عمر الزهور ، فانه ما زال يحتفظ ببريقه وديناميته، فادريس لشكر الذي تمرس بنضالات الالتزام السياسي ومسؤوليات العمل الحزبي ما زال متمسكا بوهج الحياة .
ان كل متأمل / قارىء للحقل السياسي في المغرب عبر صيرورته الممتدة من السبعينيات الى اليوم ، لا بد وأن يقف عند هذا الاسم الذي يكاد يكون استثنائيا .
هو وحده حزب ، انه سياسة خاصة ، سياسة الفعل والحركة ، لا سياسة الخطاب والتنظير …
من هنا فان كل من يحاول الاحاطة بالرجل في ابعاده السياسية ، يتقزم امام دهاء المناضل ، وتبدو مناوراته ، كتاباته وتعليقاته وكأنها لعبة صبيان …
يكفي ان يتموقف ادريس فيسقط القناع عن المتهافتين والمندسين ، يكفي ان يتحرك حتى تنهار المطلقات وتنقرض الزعامات الوهمية ، يكفي ان يظهر فيختفي اولائك الذين صنعهم الاتحاد في هذا الزمن او ذاك …
يكفي ان يلمح لشكر فيرتبك اولائك الذين انتهزوا الفرص فركبوا نضالات الاتحاديين …لهذا ، أما اكثر من هذا فيعرفه الاخوان ، فالرجل يضرب له الف حساب ، انه مزعج !
واهم كل من يعتقد ان ادريس صنيعة هذا او ذاك …مخطىء كل من يدعي ان لشكر ترقى حزبيا بتقديم الولاءات ….هؤلاء وغيرهم يجهلون ويتجاهلون مساره السياسي ، وهو تجاهل مبني على كثير من الخبث وقليل من السياسة ..
انه اتحادي ؛ الاختيار الصعب ، اختيار النضال المؤسس على الايمان بالمشروع الاشتراكي الديموقراطي ، والمؤسس على الالتزام الذي يقتضي التضحيات الجسام …
مسار مكتوب بالنضال وموشوم بالصلابة والصمود ، مستعد ليخسر كل شيء لكنه لا يستطيع التنازل عن المشروع الاتحادي…انه اتحادي أصيل …
لشكر منتوج اتحادي خالص ؛ كبر في أحضان الاتحاد الاشتراكي ، تدرج في جميع الأسلاك التنظيمية ….
ارتشف السياسة مبكرا ؛ عانق النضال وهو تلميذ ، وهو طالب بكلية الحقوق بالرباط ؛ من المؤسسين الفعليين للشبيبة الاتحادية …سنة 1975 , وفي سن الواحد والعشرين انتخب قائدا للشباب الاتحادي ، وطبعا سنة. 1976وبالدار البيضاء كان الموعد مع الاعتقال والسجن ، فازداد اصرارا وصمودا ..
ادريس تدرج صعودا في صفوف القوات الشعبية ؛ من مناضل في خلية تلاميذية الى اعلى جهاز في الحزب وهو المكتب السياسي …
راهن عليه الكثيرون لشغل منصب الكاتب الأول في المؤتمر الأخير للحزب ( المؤتمر الوطني الثامن ) ، فالرجل له كل الشرعيات التي تؤهله لأعلى منصب قيادي في الحزب ؛ شرعية تاريخية ، نضالية ، وكفاءة سياسية …وربما ان المشكلة الوحيدة التي اعترضته ، هي انه يوجد في حزب ينشد الحداثة ، ولكن تسري في صفوفه بعض العقليات المحافظة …
رجل كاريزمي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؛ يصنف في خانة القادة السياسيين الوازنين بالمغرب….
متوسط القامة ، يكاد يكون طويلا ، تضاريس جسمه الممتلىء زادته أناقة وتألقا ، انافة وشموخا ….
صفة الشباب تلازمه مهما توالت السنون ، يبدو وكأنه يتحدى الزمن ، يتمتع بخاصية فريدة في المرح التي لا تخفي جديته وصرامته ، يتميز بحسن الدعابة بالرغم من كونه يقتصد في ابتسامته …
عنيد مثل مسار الاتحاد الاشتراكي ، يجيد لي الذراع ويعرف كيف ومتى يوجه الضربات ….
صوت رجولي قوي ؛ في اللحظات التي يخفت فيها صوت الحزب ، يصدح ادريس ليعلن الحضور …يثير الجدل ، يفاجئ الاصدقاء قبل الخصوم بمواقفه ومرافعاته ، وحده حزب…
يتصف بكل خصال القائد السياسي التواق الى الديموقراطية والحداثة ، بخصال نظرية وسلوكية ؛ اليقظة العالية والاحتراز ، والتقدم بخطوات محسوبة ، دون تسرع ودون مراوغة ، وتجنب السقوط في الاستفزاز ورد الفعل ، ورفض الانسياق وراء العواطف والأهواء مهما كانت نبيلة ، وتأهب دائم لخوض غمار تحليل أصيل ومبدع لالتباسات الحقل السياسي ، واقتراح حلول ومخارج مطابقة ، وامتلاك الحدس السياسي الذي يتجاوز ما هو كائن الى ما سيكون …
عقلاني فكرا وبراغماتي سلوكا ؛ يمقت الانفعالات والتفكير بالعاطفة ، والانسياق وراء الشعارات والوقوع سجين الحماس المرضي ، ورفض ممارسة النضال السياسي بالارتكان الى الماضي…
ادريس يعتبر نفسه مناضلا في حزب له ماضي لا حزب ماضوي ، حزب الحاضر والمستقبل الذي يستلهم قيم ماضيه….
يحتقر ثوار الصالونات ، وهذا ما جعله يشتغل تنظيميا ؛ يؤمن بان التاريخ يصنع ولا ينتظر المنتظرين والمتفرجين ، فاما ان ننخرط فيه وندقق كيفية وطريقة الانخراط والا أصبحنا سلبيين وعدميين ….
يؤمن بأن ضبط الوقت المناسب ، مسألة حاسمة في العمل السياسي ، وان ضياع الفرصة يكون مكلفا في المستقبل ….
حيوي وديناميكي ، قوة مدهشة في النقاش والاقناع ، تواصل عجيب مع الأصدقاء ومع الخصوم ….
مجهود كبير لخدمة الحزب ، عملي وواقعي ، يكره الثرثرة ولغو الكلام ، يعلم بأن الزعامة لا تتحقق بفصاحة اللسان وسحر البيان ، بل بالعمل المؤسس على التنظيم والحركة …
جريء زيادة على اللزوم ، شجاع في مبادراته ومواقفه ، في تدخلاته وقراراته …
انه كالزئبق يستحيل ضبطه ، كما تستحيل مجاراته في التماهي مع الحزب….
في الشجاعة هو عمر بنجلون ، وفي الدهاء السياسي هو عبد الرحيم بوعبيد….
رجل عنيف ؛ يحارب بكل شراسة الانحراف والتطفل ، الشعبوية والعدمية ، يرفض الأصولية في مختلف تجلياتها …
انه الحجر الأساس في سياسة الاتحاد الاشتراكي الرامية الى تحديث الحزب واعادة تأهيله مجتمعيا ؛ بما يعنيه ذلك من قطع مع الاتجاهات العدمية والمحافظة من جهة ، ومع الاتجاهات الانتهازية والمتقاعسة من جهة أخرى …
ان الذين عاشوا التجربة الاتحادية من الداخل ، يعرفون أن ادريس كان دائما الجدار الأمامي الذي يحتمي خلفه القادة الذين يبحثون عن كسب او تحصين المواقع دون المواجهة في المحطات الحاسمة من تاريخ الحزب ، خصوصا في العقدين الاخيرين ، كان ادريس حاضرا بقوة ، فاعلا أساسيا ….يواجه ، يصارع ؛ يناضل ويناور ، يخطط وينفذ …وغيره في قاعة الانتظار يبارك فتوحاته …فمن صنع من ؟!!
عندما يضعف حزب الاتحاد الاشتراكي ، لهذه الأسباب او تلك ، وعندما يدرك لشكر ان هناك مؤامرات تروم اضعاف تهميش او تقزيم الحزب ، ينتفض ادريس في وجه ” الوافد الجديد ” ، ينتفض ليعلن حضور الاتحاد كحزب قوي قادر على خلط اوراق اللاعبين وارباك اللاعبين …
هكذا نفهم احتجاج ادريس على الوافد الجديد وتنبيههه الى مخاطر الحزب الوحيد والمس بالأحزاب التاريخية ، الوطنية والديموقراطية …كما نفهم تقاربه مع حزب العدالة والتنمية ، ونفهم تحوله من داعم للحكومة الى منتقد لها …ولكن في كل هذه اللحظات لم ينس لشكر انه اتحادي ؛ انه كالنهر يعود الى نبعه والماء الى مصبه الطبيعي …فمن المعروف عنه انضباطه لقرارات الحزب وتوجهاته المبدئية….
ان الذين يعيبون على ادريس تقاربه مع العدالة والتنمية ، باعتباره عاكس اختيارات الحزب الحداثية ، ينسون انه في هذه اللحظة حول ضعف الحزب الى قوة ، انه تقارب املته الضرورة السياسية والغيرة الحزبية . ولما راجع الكل اوراقه وتذكر الجميع ان الاتحاد قوة لا يمكن الاستهانة بها ، عاد ادريس ليرتب الأوراق وفق القناعات المبدئية ….
فلم يثبت ابدا ان ادريس انحرف عن خط الحزب ، بل وقف دائما سدا منيعا امام كل من أراد قرصنة الحزب او تهريبه…
ادريس لشكر رجل المرحلة بامتياز سياسي ، احد الارقام الأساسية التي تم الرهان عليها في التعديل الحكومي . حظي بثقة صاحب الجلالة وتحميله مسؤولية الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان ، انه الرجل المناسب في المكان والزمان المناسبين ، هذا ما اقره المكتب السياسي بالاجماع …
وطبعا هذا التعيين سيعيد الحرارة الى المؤسسة التشريعية وسينعشها سياسيا …
فما زال صوت ادريس يتردد في البرلمان ، لما تحمل مسؤولية رئاسة الفريق الاشتراكي 1999 – 2007 …أبان عن كفاءة عالية ، جعلت انظار المحيطين به تغمره بهالة من الاعجاب والتقدير …يشهد الخصوم قبل الأصدقاء انه وفق الى حد كبير في القيام بدوره ؛ ضمان الاغلبية لحكومة التناوب والمساهمة في انجاح الانتقال الديموقراطي . والان يراهن على ادريس لشكر ليزرع الحياة في البرلمان واسماع النغمة الاتحادية التي افتقدناها في هذه التجربة…