swiss replica watches
الابتسامة البلهاء سلاح الجبناء ! – سياسي

الابتسامة البلهاء سلاح الجبناء !

اسماعيل الحلوتي

لم يكن يدور بخلدنا أن يأتي يوم يضيق فيه صدر الرجل الصموت حد البكم، الذي يحتل المرتبة الثانية في هرم السلطة، سعد الدين العثماني رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، وينفجر غاضبا على المعارضة البرلمانية، لا لشيء سوى أنها خالفته الرأي حول الحصيلة المرحلية لحكومته، مدعيا أنها بالغت في السوداوية واستكثرت عليه الانتشاء بما يراه حصيلة إيجابية، وتريد مصادرة حقه في الابتسامة التي لازمت محياه أثناء عرضه الذي استغرق أزيد من ساعتين في جلسة مشتركة بين غرفتي البرلمان يوم 13 ماي 2019.

إذ لم يتأخر في مهاجمة أحزاب المعارضة خلال رده يوم 26 يونيو 2019 على مداخلات الفرق البرلمانية، متهما إياها بترويج المغالطات وبث اليأس والإحباط في النفوس، بما قد يؤدي إلى النفور من العمل السياسي وفقدان الثقة في المؤسسات، مؤكدا على التزامه بخطاب الصراحة والوضوح مع المؤسسة التشريعية والرأي العام، مشددا على أنه رغم الانطلاقة المتأخرة لحكومته وتعرضها للتشكيك والتبخيس، استطاعت تحقيق ما لم تستطعه الحكومات المتعاقبة، حيث أنها أنجزت أكثر مما تعهدت به في برنامجها بالنسبة لبعض المجالات، فيما بقيت أخرى دون مستوى طموحاتها، واعدا بأنها ستنكب على تلبية انتظارات المواطنين المشروعة، ورافضا أن ينكر عليه أحدهم ابتهاجه وإشادته بمنجزاتها.

ومن جهتنا نحن أيضا نرفض منعه من التعبير عن مشاعره بكل ما يسعفه في ذلك. فله أن يبتسم متى شأء وأينما يريد، كما يحق له أن يضحك ملء فيه حد الاستلقاء على قفاه، وأن يتمرغ من فرط الغبطة والسرور في نعيم التعويضات والامتيازات، بعد أن ضمن لنفسه وأبنائه وأحفاده مستقبلا زاهرا وحياة كريمة. فطالما بدا شاحبا ومتجهما بصورة تثير الشفقة ولا تليق برئيس حكومة بلد من حجم المغرب، ونادرا ما نرى الابتسامة مرسومة على شفتيه إلا في حالات المجاملة خلال اللقاءات الدبلوماسية. ثم إن ابتسامته صامتة وليست شامتة بأحد، ولا تصل مستوى قهقهة التعجرف والاستهزاء التي كان يصر على ترديدها تحت قبة البرلمان سلفه في الأمانة العامة للحزب ورئاسة الحكومة “المشاكس” عبد الإله ابن كيران، الذي لم يطلع من المولد بدون حمص بعد توظيف ابنته المصونة “لالة سمية” في الأمانة العامة للحكومة، وحصوله على معاش استثنائي “سمين” دون أن يساهم فيه ولو بدرهم واحد، والذي مازال يصول ويجول عبر “لايفاته” الاستفزازية.
لقد كان حريا بالعثماني أن يدع المعارضة تموت غرقا في بحر الغيظ والسوداوية، إن كان موقنا بأنه يكرس جهوده ابتغاء مرضاة الله فقط، دون محاولة الاختفاء خلف خطاب المظلومية الذي فقد سحره. أليس هو نفسه من تحدى أحزابها وعقب على انتقاداتها، بدعوتها إلى استعمال ملتمس الرقابة إذا ظهر لها أن الحكومة غير جديرة بثقة “مجلس الشعب” والاستمرار في تسيير الشأن العام، وعاجزة عن وضع نموذج تنموي جديد كفيل بالجواب عن أسئلة المواطنين الملحة والتعجيل بتنفيذ المشاريع المبرمجة؟
فابتسامته البلهاء لم تزعج أحزاب المعارضة وحسب، بل استفزت شعبا بأكمله. لأن ما يعتقده حصيلة إيجابية تدعو إلى الفخر والاعتزاز، لا ترقى في الواقع إلى مطامح المغاربة الذين لم يشعروا بأدنى أثر لها على حياتهم اليومية، وهي مجرد وعود عرقوبية إضافية لمواصلة الهروب إلى الأمام حتى نهاية ولايته. وهو ما جعلهم يصفقون بشدة لمداخلات رؤساء فرقها، ويسارعون إلى تداول أشرطة بعضهم على نطاق واسع في صفحات التواصل الاجتماعي، أثناء انتقاداتهم القوية لحصيلة الحكومة، التي ما انفكت تتخبط في أوحال الارتجال، وتعتبر امتدادا لسابقتها في سياساتها الفاشلة وتدبيرها السيء.
إن العثماني لن يستطيع مهما حاول من تعتيم إنكار الإجماع الحاصل حول ضعفه البين وخطابه المشبع بالنوايا الحسنة وأساليب التسويف، البعيد عن الواقع والموضوعية، لأن المغاربة لا تهمهم الأرقام الجوفاء بقدر ما يهمهم تحسين ظروف عيشهم التي تراجعت بشكل صارخ في السبع سنوات الأخيرة. ورغم مؤاخذتهم لأحزاب المعارضة على أدائها المتواضع وعدم التنسيق بينها، فإنهم يشاطرونها الرأي في تنبيهها الصريح إلى تدهور الأوضاع، تهميش الشباب، التطبيع مع الفساد ورعاية اقتصاد الريع، ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي وتصاعد موجة الحركات الاحتجاجية والإضرابات، جراء ما تعرفه الحكومة من ارتباك كبير، لانعدام الانسجام والتماسك بين مكوناتها، التي لا تكف عن التطاحن والتلاسن في ما بينها، وباتت منذ الآن منشغلة بالإعداد للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في سنة 2021.
فلم يعد المغاربة اليوم مضطرين إلى التذكير مجددا بإخلال الحزب الأغلبي بوعوده، وفشله الذريع في النهوض بمنظومتي التعليم والصحة، تسقيف أسعار المحروقات، تدبير الخلاف واحتواء الأزمات، الحد من معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية، توفير العدالة الاجتماعية والحرية والعيش الكريم… وإنما يريدون فقط أن يتحلى أمينه العام ورئيس الحكومة العثماني بالشجاعة الكافية ويرد على ما يؤرقهم من تساؤلات حارقة، خاصة منها: من المسؤول عن مصادرة الحريات والإجهاز على المكتسبات وقمع المسيرات السلمية والمحاكمات التعسفية ونهب أموال الصندوق المغربي للتقاعد؟ وأين تذهب أموال الضرائب التي أثقلت كاهلهم، والأموال الباهظة المذخرة من تحرير أسعار المحروقات ورفع الدعم عن المواد الأساسية؟ وما مآل عائدات المحاصيل الزراعية في السنوات الماطرة، ومساعدات الدول الخليجية والأوربية، وملايير الدراهم التي أغرقت البلاد والعباد في مستنقعات المديونية؟ ومن هي الجهات المستنزفة لثروات الوطن الباطنية والبحرية…؟ !
اسماعيل الحلوتي

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*