swiss replica watches
الصحة بين تراخي الحكومة و استهتار المجتمع – سياسي

الصحة بين تراخي الحكومة و استهتار المجتمع

د. وصفي بوعزاتي

منذ بداية ظهور أولى حالات الإصابة بكوفيد 19 بالمغرب و بمبادرة ملكية حميدة، أغلقت جميع المعابر البحرية و الجوية مع الخارج تفاديا لوقوع الأسوء و حماية لمنظومتنا الصحية الهشة. آنذاك كانت تعبئت جميع القطاعات الحكومية و الجيش و المجتمع المدني و حتى المواطنين العاديين جد فعالة و كانت درجة يقضة جميع الفاعلين في أوجها. و فعلا وقع انكماش كبير في عدد الحالات المسجلة و في نسبة الوفيات كذلك.

بعد أربعة أشهر من إغلاق الحدود، كان لزاما على الدولة فتح الحدود و لو بشكل نسبي نظرا للتداعيات السلبية على المستوى الاقتصادي لفترة الغلق، و كان الرهان على هذه المدة الزمنية لاكتساب وعي جماعي في طريقة تعامل الأفراد مع الجائحة خصوصا بعد الحملة الإعلامية و التحسيسية الكبيرتين.

لا ننكر مجهودات الأطر الصحية في تجندها في الصفوف الأمامية رفقة إخواننا بالوقاية المدنية و الأمن الوطني و أطر و أعوان السلطة المحلية و القوات المساعدة …الخ، بغية تيسير عملية احتواء المرض. و بالطبع فهذا كله راجع لليقضة التي تحلت بها الحكومة و المعارضة و كذا البرلمان بغرفتيه من أجل تنزيل قانون الطوارئ الصحية أولا و بعده قانون المالية التعديلي.

قد نتسائل حول مكامن الخلل التي أوصلتنا إلى الحالة الوبائية اليوم و قد نطرح عدة أسئلة بغية فهم الأمر، هل هو تقصير و تراخي على مستوى الحكومة أم أنه استهتار من شريحة عريضة من المجتمع، بحيث لم تفهم هذه الأخيرة تداعيات عدم الالتزام بالتدابير الوقائية اللازمة و ما قد تؤول إليه الأوضاع في حالة إغراق المستشفيات بالحالات المرضية.

في جرد تدريجي لوسائل الوقاية من كوفيد 19، نرصد ببعض الاختلالات التقنية، فمثلا الكمامات التي تصنع من مادة البوليبروبيلين(polypropylene ) على الطريقة المغربية، و لا التي تصنع من القماش المنسوج، لا توفران الحد الأدنى للوقاية من العدوى. كما نلاحظ كذلك على مستوى الأماكن المغلقة من إدارات و مراكز تجارية و قيساريات شعبية، غياب مبدأ التباعد الاجتماعي كشرط أساسي لتفادي انتقال العدوى….

و لكن ما الذي حدث لننتقل من تسجيل عشرات الحالات الإيجابية يوميا إلى تسجيل ما يفوق الألف حالة يوميا ( و طبعا هذا رقم نسبي و لا يعكس الحقيقة في الواقع) ؟ لاحظنا في مارس المنصرم أنه مثلا في اسبانيا كان حدث خروج الإسبان للإحتفال بعيد المرأة يوم 8 مارس، الحدث الأبرز لانفجار الوضع الوبائي باسبانيا و فقدان السيطرة عليه. و كذلك الحال بالنسبة لإيطاليا مباشرة بعد احتجاجات بيركامو…. و في مقارنة مع هذين البلدين نجد أن حدث “أسواق العيد” و كيفية تدبيرها مع عدم التزام المواطنين بأدنى شروط السلامة الصحية داخل هذه الأسواق، بالإضافة إلى ما رافق ذلك من سفر بطرق سرية أو على الأرجل لشريحة عريضة من المواطنات و المواطنين بغية قضاء فترة العيد مع ذويهم في مختلف المدن و القرى المغربية، أدى إلى تفاقم عدد الحالات في ربوع المعمور.

الأمر الثاني الذي أقدمت عليه الحكومة هو الانتقال من تدبير الكل إلى تدبير الجزء أي الانتقال من سياسات ثابتة على المستوى الوطني إلى تفويت هذه الاختصاصات للولاة قصد تدبير الأزمة جهويا وفق الحالة الوبائية لكل جهة و ما تقتضيه من تدابير إدارية للتحكم في البؤر المسجلة (gestion des foyers) في كل إقليم على حدة … صحيح أن هذه المبادرة كان الهدف منها هو التخفيف من التكلفة الاقتصادية والاجتماعية و حتى النفسية لعموم المغاربة أ كانو أشخاصا ذاتيين أو شركات و لكن وجب النظر في نجاعتها…

السؤال الآخر الذي قد يتبادر للذهن هو، هل تتحمل الحكومة أية مسؤولية سياسية فيما آلت إليه الوضعية الوبائية بالمغرب ؟ بالرجوع إلى أول إجراء استباقي بتوجيهات ملكية لغلق المنافذ البرية و البحرية، لابد من تحديد الغاية الفضلى من وراء هذا الاجراء، خصوصا و أن الجميع كان يعي خطورة هذا الاجراء على الاقتصاد الصاعد لبلدنا. لا أدري هل الحكومة حددت مسبقا الهدف أو الأهداف من غلق الحدود غير نقطة التحكم في الوضعية الوبائية و التقليل من عدد الإصابات، أم الأمر غير هذا، لأنه وبصراحة الهدف الأسمى بالنسبة لي كان هو ربح أربعة أشهر من أجل تأهيل المنظومة الصحية عبر تقوية وتعزيز المستشفيات لاستيعاب ما بعد فتح الحدود خصوصا في غياب لقاح فعال مثبت علميا ليومنا هذا.

نكتشف اليوم أن الاحزاب المشكلة للحكومة و حتى أحزاب المعارضة كانت على هامش الأزمة و كأنها ليست معنية. و كانت منشغلة و منغمسة بشكل كلي في لقاءاتها مع رئيس الحكومة حول ملف الانتخابات المقبلة و كأن الوباء قد انتهى. حتى أصبح كلام مسؤولينا كله يبدأ بجملة “ما بعد كورونا” و كأننا قطعنا الواد و نشفو رجلينا… و أصبحت الاحزاب المشكلة للحكومة تتغنى بنتائج مزيفة و مغلفة بخطاب سياسي يهدف إلى التموقع السياسي الانتخابي لا غير، و الحال أننا كنا نعرف من خلال تجارب دول أخرى أنه يكفي فتح الحدود للرجوع إلى نقطة الصفر… و هنا لابد من الإشادة بخطاب صاحب الجلالة بمناسبة عيد العرش، و الذي كان غاية في الدقة و المسؤولية و بمثابة نقطة نظام و خارطة طريق جديدة للحكومة، حيث أبرز جلالته في خطابه التحديات الاقتصادية و الاجتماعية التي نحن بصدد التهيء لها و وضع الحكومة أمام مسؤولياتها تجاه المواطنات و المواطنين.

طبعا الكل معني و الكل مسؤول و بدرجات متفاوتة … فالحكومة يلزمها الكثير من الشفافية و الصدق لكسب ثقة المواطنات و المواطنين، الأمر الذي سيسهل عملية تنزيل التدابير الوقائية و ضمان تنفيذها … أما نحن المواطنات و المواطنون، فمدعون إلى مزيد من الانظباط و التكيف مع حالة الوباء و مزيدا من الوعي بخطورة و بجدية الوضع الحالي…

و كما قال وزير الداخلية في إحدى مداخلاته بالبرلمان : 《كلنا في قارب واحد، إما أن نحيا جميعا أو نغرق جميعا. 》

د. وصفي بوعزاتي

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*