swiss replica watches
د. إبراهيم اغلان يكتب: أي أفق للمشهد المغاربي؟ – سياسي

د. إبراهيم اغلان يكتب: أي أفق للمشهد المغاربي؟

 

أي أفق للمشهد المغاربي؟

د. إبراهيم اغلان

يبدو أن المجال المغاربي خلال الأيام القليلة الماضية كان حافلا بتحركات وزيارات ومواقف وتصريحات من مسؤولين كبار وصغار، ولربما لم يشهد هذا المجال هذه الحركية منذ سنوات خلت…ما الذي يقع ؟

هل هي حركية منفعلة أم تفاعلية؟ أليس للانتصارات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية التي يحققها المغرب دورا مستفزا لهذا المشهد؟

أم أن الأمر لا يعدو أن يكون خلاصة لإعادة الأوراق والأرزاق لدول مغاربية ظلت على هامش الاجتهادات المغربية اللامعة؟ ألا يمكن اعتبار ذلك مسرحية، بمشاهد ثلاثة، تؤثث المجال المغاربي، يتحكم في شخوصها مخرج واحد، يحاول تكرار وظيفته بالرغم من نصائح الاشقاء والأصدقاء له بالبحث عن مهنة أخرى.

المشهد الأول: الجزائر إلى أين..؟
مشهد متأزم، داخل الجزائر وخارجها.

حراك مجتمعي متواصل، و قيادة سياسية مهترئة، و نظام عسكري متحكم، و دبلوماسية فاشلة، و إعلام بليد، و اقتصاد على وشك الانهيار، و قس على ذلك من الأزمات النفسية والتاريخية التي تستوطن لا وعي المتحكمين في مسار البلد…
هذه خلاصة مشهد، أقل ما يقال عنه، إنه ليس بخير.

لذا ستحاول السياسة الجزائرية البحث عن ذوي الاحتياجات للتأثير على مواقفها، المحايدة أو الرمادية، بشتى الطرق والوسائل الممكنة واللاممكنة.
ستتحرك عجلة بوقادوم نحو تونس، إنه الاختيار التكتيكي المتوفر، بعد موريتانيا، لمحاولة رد الاعتبار للأنفة الجزائرية الكلاسيكية، والتي تنتمي إلى زمن غابر، حيث الحمولة الرمزية لبلد المليون شهيد، و الريع النفطي الذي لم يعد رأسمالا دبلوماسيا قادرا على التأثير وشراء الذمم.
كما سيكون على بوقادوم استقبال وزير خارجية موريتانيا، لتكريس اختيارات، سبق نسخها عدة مرات، مع دولة حدودية للمغرب، وبالتالي محاولة القطع مع أي اتصال محمود بين المغرب وموريتانيا، انطلاقا من توجه منفعل، يروم خلط أوراق سياسة المصالح بدلا من سياسة المواقف. هي اللعبة ذاتها تتكرر، كلما حاولت النخبة الموريتانية العاقلة الانزياح من الوصاية الجزائرية والتفكير في أفق مشترك بينها وبين من يؤمن عمليا بمجال مغاربي، متطور ومنفتح على المبادرات الاقتصادية ذات الامتدادات الافريقية والعالمية.
الجزائر، بكل تأكيد، لا تريد التموقع في مجال مغاربي، تسوده قيم التعايش والتضامن والتكامل. إنها الباحثة عن مشهد بئيس، تتصارع فيه النزعات البائدة، التي لا تؤدي بشعوب المنطقة إلا إلى أفق مغلق ومسدود.
الجزائر، بهذه المواقف التي تبثها عبر أجهزتها، الدبلوماسية والاعلامية والسياسية والاستخباراتية، دفاعا عن فشل ذريع في المجالين الافريقي والعالمي، لن يزيدها إلا العزلة والهروب من واقع داخلي مؤهل لكل الاحتمالات.

المشهد الثاني: موريتانيا والبحث عن الزمن الضائع…
زيارة وزير خارجية موريتان للجزائر مؤخرا، لن تمر مرور الكرام بالنسبة لمكونات المشهد العام للمجال المغاربي. وقد لا تحتاج الى قراءات عديدة، بل هي ردة فعل، كما عهدناه من دول لا تملك قرارها بنفسها، كما لا تملك أجندة واضحة لتغيير التصورات الكلاسيكية للمنطقة. فموريتانيا لها من المؤهلات والامكانيات ما يجعلها تلعب دورا محوريا في المجال المغاربي، بالرغم من النظرة المتداولة والنمطية حول هامشيتها و عدم قدرتها على تحقيق ذلك. وعوض أن تلعب دورا ثانويا في مسرحية، كتب نصها في دواليب الاستخبارات العسكرية الجزائرية، كان عليها أن تفكر بمنطق الدولة الحديثة، وأن تراهن على نخبها الحداثية وشبابها المتطلع لمجتمع ديموقراطي، متعدد وحر، مشبع بقيم المساواة بين الأفراد، بعيدا عن الانتماءات القبلية والعرقية، والتي في الغالب ما تعوق الرؤية المستقبلية للبلاد، وبالتالي لا تمنح الفرصة للوصاية الجزائرية أو غيرها في تشكيل وعي النخبة الموريتانية نحو أفق مجهول.

المشهد الثالث: تونس والقادم أصعب..
المشهد التونسي جدير بالتأمل، بالمقارنة مع المشهدين السابقين، لأسباب كثيرة، لا يسمح المجال هنا للتفصيل فيها.

إنه مشهد ملتبس، لن تجد أي مؤشر، إيجابي أو سلبي، للحكم على طبيعة الدولة الحالية ولا حتى طبيعة تفكيرها.

كل ما هنالك أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بتونس لا يبشر بخير على الإطلاق. نحن أمام سلطة رئاسية وسلطة برلمانية وسلطة الشارع… لا أحد قادر اليوم فهم هذا المشهد السوريالي، حتى العقلاء التونسيين لم يجدوا إجابات وافية على هذا المشهد.
تونس، لا يليق بها هذا العبث السياسي، وعليها العودة إلى دورها الريادي في المجال المغاربي. لكن زيارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة الى ليبيا والقاهرة واستقباله لبوقادوم، قد تمنحنا إمكانية فهم هذه التحركات وتداعياتها على المجال المغاربي.
لا شك أن قيس سعيد، منذ انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية، ظل متحفظا إزاء المجال المغاربي، على الرغم من الخطب الانشائية التي يطلقها بين مناسبة وأخرى، يؤكد من خلالها بدور وحدة المغرب الكبير.

بل ظل موقفه خجولا جدا أمام التحديات التي طرأت على المنطقة المغاربية، وكأننا لم نسمع من السياسة الخارجية لتونس سوى الفراغ في مقابل الصراعات الداخلية، سواء داخل قبة البرلمان أو في الاعلام أو في الشارع العام…
بعد كل هذا الصمت المطبق، ما الذي جعل السيد الرئيس يتحرك بهذه الكيفية المتسارعة، نحو ليبيا ومصر، وقبلهما استقباله لبوقادوم؟؟ سؤال وجيه في حدود فهمنا المتواضع، كمتأمل للمشهد المغاربي اليوم.
هل الحديث عن مجال مغاربي ممكن بدون المغرب؟

أم أن الأجندة الجزائرية فاعلة في تشكيل مشهد آخر؟ ربما يقول قائل: إن الدبلوماسية آلية من آليات الدفاع عن المصالح الخاصة والثنائية والمشتركة بين الدول، تربط بينها منافع وفوائد، تمليها تحديات سياسية وعسكرية واقتصادية واستخباراتية، وقد يقول قائل آخر: إن الأمر فيه شيء من حتى..

ذلك أن تزمين هذه الزيارات من قبل قيس سعيد، ليس بريئا، وإن كان لكل دولة الحق في اختيار أولوياتها الخارجية حسب ما تراه مناسبا لوضع القدم في مجال ملغوم بالأزمات الداخلية والإقليمية والتدخلات الدولية المعروفة.
إن ليبيا بالنسبة لتونس مجال حيوي ومهم، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وبالتالي لا محيد من هذا التحرك التونسي المتأخر، بالمقارنة مع مبادرات أخرى داخل المجال المغاربي وخارجه. إنه تحرك مشروع وفق هذه المعطيات، لكن أين المجال المغاربي من هذه الزيارة؟

هناك مؤشرات تدل على أن الرئيس التونسي لن يغفل جدول أعمال حواره مع الليبيين عن موقفه من المشهد المغاربي، وهو الرجل البارع في اختيار جمله ومفرداته بعناية تامة، والمتيم بقاموس طوباوي، لن تجده إلا في الاقوال وليس الأفعال.
الواضح من أن الحديث مع الأشقاء الليبيين لن يكتمل إلا بإثارة قضية المغرب الكبير، والبحث عن طرق جديدة للخروج من مأزق التشرذم بين أقطاره أو الارتماء في أحضان الوصاية الجزائرية التي لن تضيف للجرح سوى الملح. أما الأشقاء الليبيون، فقد أكسبتهم التجربة المريرة، ما يجعلهم في منأى عن التفكير الذي يعود إلى زمن التكتلات الأيديولوجية والمواقف العسكرية البائدة، هم الآن في بداية طريق نحو المصالحة الداخلية وتجاوز الوصايا الخارجية وبناء مجتمع موحد واقتصاد تنافسي.

مشهد آخر: المغرب في تجدد مستمر..
ما يجري اليوم في المجال المغاربي، بغض النظر عن هذه المشاهد الثلاثة، يؤكد أن خيارات الوصاية الجزائرية محدودة في الزمان والمكان، لا يمكن أن تصيب مشهدا، يتحرك برؤية واضحة، وبحكمة منهجية، وبعقلية منفتحة على فضاء مغاربي مشترك، وبموقف حازم ضد من يكيل بمكيالين، وبتفاعل إيجابي مع من يقرأ هذه المعطيات بعلمية وواقعية.
إنه المشهد المغربي، بتعثراته الداخلية، وبأسئلته السياسية، وبرهانات نخبه وشبابه، و بدبلوماسيته الحكيمة، وبأفقه المنشود، لن يزيده ذلك إلا قوة وتصميما على مواجهة المشهد المغاربي الذي زاغ عن حلم ذاكرة مشتركة في إطار مجالي وحضاري، تحقق من خلاله شعوب المنطقة الحرية والعدالة والتقدم.
المغرب متجدد في أفكاره وأفعاله، وعلى بقية المشهد المغاربي أن يعي أن المستقبل غير رحيم بأفكار صادرة من الثكنات، لا روح فيها ولا مواطنة ولا انتماء للمجال المشترك.
والمغرب مستمر في انتمائه لإفريقيا الواعدة بالتجديد والتغيير والخير، إنه المشهد الحقيقي للحياة والتواصل الإنساني والتجاري.
قارة برحابة صدر، ولأقاليمنا الجنوبية موضع خاص في العمق والأفق على حد سواء.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*