swiss replica watches
الشرقاوي يكتب: أخنوش والعلمي.. من ديمقراطية الخطاب إلى تيمقراطية الانتهازية! – سياسي

الشرقاوي يكتب: أخنوش والعلمي.. من ديمقراطية الخطاب إلى تيمقراطية الانتهازية!

محمد الشرقاوي

تتحرّك عقارب السّاعة نحو مرور عام تقريبا على ذكرى الانتخابات العامة التي توّجت التجمّع الوطني للأحرار في الثامن من سبتمبر 2021.

واليوم، تتعالى الدّعوات الشعبية للمحاسبة، وتتنامى الأسئلة الملحّة بين المغاربة بشأن “الحصيلة الصافية” Brut en net للأداء السياسي والاقتصادي والتشريعي لحكومة يقودها عزيز أخنوش، وبرلمان يترأسه رشيد الطالبي العلمي دون مزاديات أو انتقاص أو معارك أيديولوجية.

وخلف خطابات هذين الرجلين، كان خبراء هندسة الخطاب والصورة لدى الحزب قد خطّطوا أيام الانتخابات لنسج صورة انطباعية تتمحور حول البرغماتية وإيجاد الحلول، وأنّه حزب قادر على تقديم حلول يعتبرها عملية قابلة للتطبيق وبلغة الأرقام.

وقد تفاخر كلا الرجلين بأن الحزب سيعلن “مليون منصب شغل جديد”، ويضمن “بطاقة رعاية لتلقي العلاج”، ويسدد “إعانات بمبلغ 1000 درهم لكل مواطن فوق سن الخامسة والستين”، فضلا عن “رفع راتب أساتذة التعليم الابتدائي إلى 7500 درهم” وغيرها من الوعود الوردية الملهمة.
اعتمدت استراتيجية التسويق لدى الحزب تقنية النص المختزل وصورة زعيم الحزب بتقنيات التجميل، واختيار شكل النظارات، وأبعاد الانطباع المنشود في مخيّلة الناخبين.

وأدرك مهندسو الحملة أن أخنوش ليس حيوانا سياسيا متمرسا ولا خطيبا مفوّها أمام الجمهور.

فأطلقوا العنان للصورة والنص المقتبس وتعدّد الألوان، لتخلق بريقا في أعين الناخبين أكثر من عقولهم، وتلهمهم بأن هذا الحزب “عملي” وليس نظريا، وأنّ أرقام اليوم ستتحقق غدا.
اقتصرت الصورة في الغالب على أخنوش برمزية “البرغماتي في مجال المال والأعمال” والإيحاء الضمني أنه سيكون “رئيس الحكومة البرغماتي” أيضا في مجال السياسة من جهة، وصور الشباب وحمولة رمزية التجديد والدماء الجديدة في مغرب يتخيله الحزب حداثيا ومرنا ومقبلا على معاصرة اقتصادية أكثر من اصالة مجتمعية. فجاءت حملة الحزب تسويقية أكثر منها انتخابية في مفهومها التنافسي التقليدي في الانتخابات، وقامت على الترويج لمنتوج سياسي بأدوات الدعاية التجارية. وكانت تستقي الكثير من حملة دونالد ترمب في الانتخابات الامريكية عام 2016، لكنها لم تنتبه إلى أن صناعة الانطباع وعدم تحقيق الوعود هو ما أودى بمصيره السياسي في انتخابات عام 2000.


انطلقت هندسة الخطاب “التجمّعي” أيضا من إدراك الحزب معاناة أغلب المغاربة وطبيعة توقعاتهم، وميول النقاش العام ضد ضجيج الحملات الانتخابية، وأن الأحزاب الأخرى كائنات نظرية وليست عملية، أو كما يتردد أن الأحزاب ترفع السقف عاليا في فترة الانتخابات، ولكنها تفشل في تطبيقها في أرض الواقع. فارتبطت هذه الصورة المركبة للحزب أيضا بسردية ” تستاهل أحسن..” التي اعتمدها شعارا له، وهي استثمار نفساني أكثر منه سياسي في معنويات المغاربة الكادحين بقرب “يوم الخلاص” من الحنق وشظف العيش وضيق ذات اليد.
كانت دعوة ضمنية لاستخدام منطق الاستدلال الاستنتاجي Deductive reasoning، وهو إجراء ذهني يستند إلى حقائق أو مقدمات مقبولة على نطاق واسع، باعتبار أن أغلب المغاربة لا ينظرون بعين الرضا إلى أداء الأحزاب خاصة في ظروف المرحلة الراهنة ومضاعفات جائحة كورونا وانكماش عدة قطاعات حيوية كالسياحة والصناعات التقليدية من جراء فترات الحجر الصحي وإغلاق المطارات. وهذه أرضية كانت مناسبة نظرا لأنّ “البروباغندا الناجحة تكون مبنية على فهم دقيق للرّأي العام، وهذا لا يكون إلا في وسط يتمتع أصحابه بالديمقراطية الوهمية، لتستطيع أن تصل إلى رأيهم الحقيقي وتغييره”، كما يقول إدوارد برنايز Edward Bernays في كتابه “البروباغندا”.

تعدّ فترة أحد عشر شهرا في عمر أي حكومة في العالم كافية لاستخلاص النتائج، وقياس الفارق بين بريق التسويق السياسي خلال الحملة الانتخابية والإنجاز الفعلي في إدارة الحياة العامة.

ولا ينبغي لوم أيّ ناشط أو أي مواطن آخر على التعبير عن خيبة الأمل بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة العجز في القدرة الشرائية لديهم. وقد بلغ سعر لتر البنزين 18 درهمًا (1.80 دولارًا)، وزاد سعر لتر الجازولين إلى 16.43 درهمًا، أي (1.64 دولارًا) في منتصف الشهر الجاري. وصنف البنك الدولي قبل أيام المغرب ضمن فئة “الدخل المتوسط الأدنى”، (1086-4255 دولار)، أو بلغة تراثننا المحلي “الكفاف والعفاف”، مع مصر، ولبنان، وموريتانيا، وجزر القمر، وتونس، والجزائر، وجيبوتي، والأراضي الفلسطينية.
لا منطق في اعتبار المغاربة الذين يشتكون من هذه الأسعار مصابين بالهوس، أو من “المرضى” بأي حال من الأحوال وإن عيّن الطالبي العلمي نفسه رئيس مجمع الطب النفساني في مغرب التعنت للحقيقة على طريق “ولو طارت معزة”. ويبدو أن محاولة الاستعانة بمقولة “مؤامرة مدبّرة” ضد حزب الأغلبية الحكومية غدت يائسة في درء الانتقادات المتصاعدة. كان من الأجدى أن يضرب خطيبنا طليق اللسان الحجة بالحجة، وهو عضو المكتب السياسي لحزب “البرغماتية الجديدة التي يفند الاتهامات المتواترة بأن أخنوش المواطن، وأخنوش الوزير، وأخنوش رئيس الحكومة، وأخنوش “صديق الملك”، يملك شركة ضخمة لبيع مشتقات المحروقات وسلسلة محطات الوقود مترامية الأعداد، ولكنه لا “يستفيد من ارتفاع الأسعار.” لو نقلنا المشهد بالتفاصيل الكاملة إلى جغرافية سياسية مختلفة سواء لندن أو طوكيو أو غيرهما، يصبح الوضع تجسيدا لتضارب المصالح Conflict of interest دون خلاف.


تضارب المصالح بدعة سياسية وقانونية محرّمة في ظل الأعراف الدستورية الرصينة.

وتستند إلى تعريفات بسيطة بأنها تنطوي على مصالح مكتسبة لشخص أو كيان وما إذا كانت أفعالهما و/أو أحكامهما و/أو قراراتهما يمكن أن تكون غير منحازة. ولا يمكن التنطح لحقيقة أن المسؤول أحيانا يخدم مصالحه الشخصية بالتّوازي مع تصريف مسؤولية العملي الرسمية، وغالبا ما يكون لهذا التداخل تداعيات قانونية.

لذلك، حسمت الأنظمة الديمقراطية أمرها باكرا بمنع الجمع بين المال والسلطة.
ثمة معضلة أكثر جسامة تكمن في خبايا عدم مجاراة أسعار الوقود في المغرب تقلب أسعار النفط العالمية التي عادت إلى المستوى الذي كان عليه قبل اندلاع حرباوكرانيا.

ويقتضي منطق الأمور النفطية أن يتراجع سعر الوقود في المغرب إلى مستواه القديم. لكن حكومة أخنوش تتجاهل هذه المعادلة الدولية، وتفرض ما يبدو أنه “جباية أخنوشية” بحكم الأمر الواقع. ويقول خبير الدراسات الاقتصادية الدكتور نجيب أقصبي إن “زيادة أربعة أو خمسة دراهم في سعر الليتر الواحد غير مبررة، ويمكن اعتبارها أرباحا فاحشة.”


في الوقت ذاته، كيف يتفادى أخنوش والعلمي وخطباء التجمع الوطني وزملاؤهم في الأصالة والمعاصرة والاستقلال السؤال المصيري الذي توصلت إليه المندوبية المسؤولة عن الإحصاء والتخطيط بأنّ الوضع الراهن “عطّل الإنتاج والاستهلاك، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية”. والأنكى أن مستوى التضخم في المغرب يصل إلى “عتبة استثنائية” بنسبة 4.9 في المئة هذا العام، “وهو ما ينبغي أن يؤثّر بشدة على القوة الشرائية وعلى ربح بعض القطاعات الإنتاجية.”
لا يمكن لأي مراقب مستقلّ أن يتجاهل دلالة ما يروج حاليا من “الهاشتاغات المليونية” التي تطالب أخنوش بالرحيل، ولا يجوز اعتبارها جزافا “فعلة جهنمية” لطابور خامس ضمن تبريرات المكتب السياسي للحزب ومناصريه من أصحاب المصالح. وإذا اعتمدنا أدوات قياس الرأي العام في الدول الديمقراطية، يكون أي هاشتاغ مليوني بمثابة نذير فشل على مكانة الحزب وزعيمه، مثل ما حدث لبوريس جونسون ومآل حزب المحافظين في بريطانيا,
تزداد أزمة الأسعار، وتضمحل القدرة الشرائية لدى المغاربة.

ويتمسك أخنوش والعلمي بمناطحة الواقع.

ولا يبدو أنهما يستوعبان فحوى الرسالة الشعبية من ناخبين أيّدهما أغلبهم في صناديق الاقتراع.

وتظل “الجباية الأخنوشية” أمرا قائما لا محيد عنه، بل جباية غير عادلة باسم المسؤولية المجتمعية وباسم الأخلاق في السياسة ولو بالحد الأدنى. وخلف هتاف المحتجين، يتناسى التجمعيون جحيم المحتاجين وصرخاتهم المتكررة. وقديما، قال العلامة ابن خلدون صاحب “سنن العمران” و”نذر وعلامات الخسران” “إنَّ أوَّل ما ينمي الجباية ويثريها ويديم نماءها إنَّما يكون بالعدل في أهل الأموال والنظر لهم بذلك، بذلك تنبسط آمالهم، تنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها.”
عندما يدافع رئيس مجلس النواب عن قائد فريقه الحكومي عزيز أخنوش بأن “له من الصفات ما يجعله إنسانا متميزا، لكونه صبورا، واستراتيجيا، وغير منفعل، ولا يهتمّ بالجزئيات التي لا فائدة منها، وناجح في حياته”، فهو يساوم المنطق الميكيافيلي بالتعتيم وتغيير الخطاب عملا بمقولة الغاية تبرر الوسيلة. لكن هذا المنحى الميكيافيلي في تحوير النقاش ومحاولة كسب الوقت قد ينطوي على مجازفة الدخول، لا شعوريا، في حالة النكران، وهي حالة يعرّفها عالم الأنثروبولوجيا ديدييه فاسين Didier Fassin بأنها “الملاحظة التجريبية بأن الواقع والحقيقة يُنكران”، ويفسرها آخرون بأنها “موقف أيديولوجي يتفاعل فيه الفرد بشكل منهجي برفض الواقع والحقيقة”.

من المؤشرات على انغماس الفرد في حالة النكران أربعة: 1) الاتكال على سردية نظريات المؤامرة، واستبعاد البيانات أو الملاحظة بالإيحاء بأن المنتقدين متورطون في “مؤامرة لقمع الحقيقة”، 2) انتقاء بعض المعلومات وطمس أخرى واستخدام أوراق قديمة للنيل من حجج الخصوم وكأنهم يبنون أفكارهم على بحث ضعيف وتحليل خاطئ. 3) فسح المجال لخبراء التضليل وتهميش الأصوات التي تدعو لقراءة موضوعية وطرح صريح. 4) تحريك نقاط الهدف وتحوير الخطاب، ورفض الأطروحات المقدمة والمطالبة المستمرة بمعطيات أخرى. 5) توظيف بعض المغالطات التي تبدو “منطقية”، من أجل عقد مقارنات خاطئة وتحذير مستمر بعواقب وخيمة إذا تغير الوضع.
في زمن “الجباية الأخنوشية” وكيف تدبّرها حكومة “التكنوقراط” أو “الحكومة السلطانية” وحزب “تَتْسَاهْلُو أكثر..!”، تستمر الجدلية بين تضارب المصالح وتعالي الاحتجاجات، ويؤكد أخنوش والعلمي أنهما من فصيلة الحيوانات السياسية المشاكسة، وليسا من رجال الدولة بعيدي النظر وذوي الشهامة السياسية والأخلاقية في الإقرار بوجود أزمة، والإقدام على بلورة حلول عملية كما تفعل العواصم المتنورة بمنطق احتوائها والتعجيل بآليات الخروج منها.

وعندما نتحرك خطوتين إلى الوراء لاستيعاب الصورة بالكامل، تظهر نتائج البارومتر العربي قبل أسبوعين أن نسبة 62 بالمائة من المغاربة مهتمون بفاعلية سياسات حكومتهم أكثر من اهتمامهم بنوعها.

وجاء تصنيف المغرب وتونس ضمن فئة “أنظمة هجينة” بين الديمقراطية والاستبداد، وفقًا لمؤشرEIU للديمقراطية الذي تصدره وحدة أبحاث الإيكنومست.
يتأرجح ميزان المغرب في هذا التذبذب بين المسارين. وقد تذكر كتب التاريخ المغربي تجربة أخنوش وبقية القطط السمينة بأنها مرحلة التيمقراطيين الذين تحدث عنهم أفلاطون منذ أربعة وعشرين قاما. هم فئة يهتمون بخدمة المصالح والانتهازية النهمة دون تردد. وإذا ظلت أسعار الوقود وتدهور القوة الشرائية للمغاربة كما هو الحال وفي ظل مضاعفات حقبة كورونا وحرب اوكرانيا وشبح المجاعة بفعل الخشية على واردات القمح الأوكراني، يظل أخنوش جزء من المشكل، ولا يساهم في إيجاد الحل.
آمل ألا تتوزاى الكفتان بين مقولة “لكل حرب… أثرياء” مع مقولة “لكل أزمة طاقة… أثرياء.”

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*