بنشر هذا المقال سنكون قد استقبلنا السنة الجديدة وانتهت احتفالاتها وتهنئاتها، وبدأنا تقييماتنا للمُنجز سنة 2022 في مختلف القضايا الوطنية وعلى رأسها ملف الصحراء، الذي تحقق فيه الكثير من المكتسبات سياسياً خاصة على الصعيد الأممي، ودبلوماسياً على صعيد الدعم الديبلوماسي للمغرب خاصة منها افتتاح القنصليات بالصحراء، وتوسع دائرة دعم الدول لمغربية الصحراء خاصة أوروبيا، وكان آخر هذه المواقف الموقف الإسباني.
لذاك فأمام كل هذه المُكتسبات الكبيرة التي جعلت المغرب يتحرك بشكل قوي في الساحة الدولية، لابد من أن تكون 2023 سنة نطرح فيها المنتظر منها علاقة بما تحقق، وبالآمال الكبيرة التي يعقدها المغاربة على الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية، وهي دبلوماسية ترجمت شعار «مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس»، بكل معاني هذا الشعار الوطنية والسياسية.

1 – 2023 سنة تعزيز المكتسبات وتحصينها:

السنة الجديدة ستكون سنة لتعزيز المكتسبات التي تحققت طيلة السنوات السابقة، وتشمل عدة مجالات منها ما يتعلق بالأمم المتحدة، بحيث أن هذه الأخيرة باتت اليوم، أكثر من ذي قبل، مؤمنة بمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لطي هذا الملف، مما يجعل من المغرب مفروضاً عليه التحفظ على هذا المكتسب الأممي السياسي الهام وتعزيزه بخطوات أممية أكثر تبنياً للمقترح المغربي وترجمته ليس فقط على مستوى قرارات مجلس الأمن بل دفع ستافان دي ميستورا إلى إطلاق عملية سياسية على هذه الأرضية الوحيدة، بحيث أن الرهان المقبل مرتبط بالمبعوث الأممي لنقل قرارات مجلس الأمن لأرض الواقع وتنزيلها تنزيلاً سياسياً يتماشى مع رغبة الأمم المتحدة في طي الملف على أرضيتها، وهو ما سيكون على الدبلوماسية المغربية أن تدفع في اتجاه تحقيقه مستقبلاً.

2 – 2023 سنة تعزيز المكتسبات الاقتصادية في الصحراء:

لقد كان آخر فصل من فصول المواجهة مع خصوم المغرب هو المرتبط بالقرار القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية بلندن، التي رفضت الطعن الذي تقدم له الخصوم لمحاولة إبطال الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين بريطانيا والمغرب، هذا القرار إلى جانب قرارات قضائية أوروبية أخرى أضفت كلها شرعية قانونية على الاتفاقيات التي يوقعها المغرب وتكون الصحراء جزءاً منها، وقد أجمعت هذه الأحكام القضائية على شرعيتها، وأيضا على معطى أساسي، وهو المتعلق بكون الساكنة الصحراوية تستفيد من عائداتها الاقتصادية،وقد تم التوصل لهذه الخلاصة بعد معاينة حجم المشاريع التنموية التي أنشئت بالصحراء، لذلك فالخيار الاقتصادي المغربي بالمنطقة هو خيار ساهم في تعزيز مصداقية المغرب في الخارج علاقة بالملف، كما عزز من فرص تنويع شراكاته مع مختلف الدول، وجعل منطقة الصحراء جزءاً من دبلوماسيته الاقتصادية، خاصة مع تحولها لقطب اقتصادي ليس مغربيا فقط بل إفريقيا وقاريا، مما يفرض أن يكون هذا الاختيار اختيارا اقتصادياً ثابتاً في سياسة المغرب الداخلية والخارجية، اختيارا يجعل من الأقاليم الصحراوية قطبا أساسيا ورئيسياً في أي مشروع تنموي عملاق، والاستمرار في استفادة ساكنتها المحلية من عائدات هذه الاتفاقيات سواء بتعزيز البنية التحتية أو بتأهيلها وبإنشاء مشاريع اقتصادية كبرى، مع العمل على تنويع الشراكات الاقتصادية وانفتاحها على مختلف الدول الراغبة في الاستثمار بالمنطقة، خاصة منها الدول التي ليس لها موقف عدائي من المغرب.

3 – 2023 سنة انتزاع الاعتراف بمغربية الصحراء:

بعد القرار الرئاسي الأمريكي الذي قضت فيه بالاعتراف بمغربية الصحراء، وتعزز هذا الاعتراف باعترافات دولية أخرى من أوروبا، ومن خارجها، سواء أمريكا اللاتينية أو آسيا في إطار نفس السياسة، التي اعتمدها المغرب وحدد ملامحها الخطاب الملكي، الذي أكد أنه « لا استثمار أجنبي إلا بالاعتراف بمغربية الصحراء»، وأن المغرب ينظر للعالم «بمنظار القضية الوطنية»، وهما المعطيان اللذان حددا مسار عمل الدبلوماسية المغربية وجعلاها تصمد أمام مختلف المواقف المتذبذبة لبعض الدول، التي كانت تقدم نفسها على أنها شريك للمغرب دون أن تحسم مع ترددها السياسي في الإعلان عن مواقف أكبر من دعم مبادرة الحكم الذاتي، هذا الصمود المغربي الذي جعل من الخطب الملكية مرجعيته الوطنية الأساس، وهو ما جعل المغرب يقف الند للند أمام العديد من الدول التي تصنف نفسها بالدول الكبرى، وجعل المغاربة يشعرون بأن كرامتهم محفوظة.
هذه السياسة يجب أن تستمر في توجيه عمل الدبلوماسية المغربية بنفس الحرص الذي كان سنة 2022، وهو حرص يحظى بإجماع جل المكونات المغربية شعباً وأحزاباً ونقابات ومجتمعاً مدنياً، هذا الإجماع يجب استثماره من أجل الوقوف بنفس الحسم والصرامة أمام جل هذه المواقف المتذبذبة وجعل 2023 سنة لانتزاع مكاسب ومواقف لدول أوروبية جديدة داعمة لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي.

4 – 2023 سنة تنزيل الحكم الذاتي:

في خضم هذا الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي وإقرار مجلس الأمن بصدقيتها ليس أمام المغرب سوى استغلال هذه الأجواء الإيجابية من أجل دفع الوضع محلياً من الناحية المؤسساتية والديموقراطية، إلى استغلال مختلف الفرص المتاحة حالياً بالدخول في مرحلة انتقالية محلية تنتقل من مرحلة المؤسسات المحلية المنتخبة في وضعيتها الحالية إلى مؤسسات منتخبة بصيغة الحكم الذاتي، هذا الانتقال المؤسساتي ضروري في هذه المرحلة لأنه سيحسم الوضع سياسيا على المستوى الميداني إلى غير رجعة، خاصة مع عودة جل الأطر المؤسسة للبوليساريو وغالبية الساكنة التي كانت متواجدة بالمخيمات إلى المغرب، ومن بقي هناك غالبيتهم إما أنهم لا ينتمون للمنطقة أو أن هويتهم جزائرية، والقلة الأخرى محتجزة تنتظر تحريرها من المخيمات، لذلك فإن الغالبية المطلقة من الصحرويات والصحراويين قد عادوا لوطنهم ويجعل من كل هذا الوضع مؤهلا من أجل تطبيق مبادرة الحكم الذاتي في إطار عملية انتقالية يجب أن تشهدها المنطقة، تقودها الدولة مع شيوخ القبائل خاصة منهم شيوخ تحديد الهوية، والمنتخبين بمؤسساتهم وباقي مكونات النسيج الصحراوي المحلي.
هذه بعض العناصر التي قد تشكل أولوية في السنة الجديدة لتعزيز مختلف المكاسب التي تم تحقيقها على مستوى الملف والمنطقة، وهي مكاسب جعلت الوضع مؤهلا لحسمه النهائي لصالح مبادرة الحكم الذاتي.