إعلان نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في إسبانيا وفاز فيها اليمين بقيادة الحزب الشعبي مُسجلة تراجعًا كبيرًا ومفاجئًا للحزب الاشتراكي العمالي الاسباني حتى في بعض معاقله بالأندلس، مما دفع رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى الإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة ستجرى في يوليوز القادم لفرز أغلبية جديدة، منذ هذا الاستحقاق ونتائجه تناسلت عدة أسئلة حول مستقبل العلاقة المغربية الاسبانية في حال فوز الحزب الشعبي بالاستحقاقات البرلمانية المقبلة وشكَّل حكومته التي يكن القول من الآن، نظرًا لطبيعة الخريطة الانتخابية التي لا تُفرز أغلبية ساحقة ولا تعتمد على قطبية ثنائية واضحة، ستكون هذه الحكومة في حال فوزه صعبة التشكل، و إن تشكلت ستكون مزيج بينه وبين باقي مكونات اليمين الاسباني، خاصة «فوكس»، مما سيطرح سؤالًا أخلاقيا ليس فقط على الحزب الشعبي بل على إسبانيا ككل: كيف لهذا البلد الذي أسقط الفرانكوية يسمح بوصول حزب يميني متطرف إلى الحكم؟!
أكيد أن الاستحقاقات التي ستُجرى في يوليوز هي من سيجيب على هذا السؤال، وعلى غيره من الأسئلة، وعلى رأسها أي مستقبل لعلاقة المغرب بإسبانيا؟ بل يمكن طرح السؤال بشكل مباشر، والذي بات مع الترقب الذي خلقته الانتخابات الحالية المحلية، هو: هل يمكن تصور في حال وصل الحزب الشعبي للحكم أن يعيد تقييم الموقف الرسمي الاسباني الحالي من الحكم الذاتي ومغربية الصحراء؟
لابد من القول بدايةً إن الحزب الشعبي كان قد تسبب، في المرحلة التي كان أثنار رئيسا للحكومة الإسبانية، في أزمة سياسية مع المغرب. وقد تجاوزت قيادته التاريخية تلك الفترة كما تجاوزت مخلفاتها وباتت متفهمة للمطالب المغربية، حيث شهدت العلاقة المغربية الإسبانية في ظل حكمهم بعد تجربة أثنار الفاشلة داخليًا و خارجيًا، وضعًا متقدمًا وشراكة متميزة. وكان الحزب الشعبي في ظل حكومته آنذاك يعبر عن دعم واضح للحل السياسي الذي اقترحته الأمم المتحدة فيما يتعلق بملف الصحراء، كما أن موقفه من الأزمة التي حدثت بين حكومة بيدرو سانشيز والمغرب كان واضحًا، أي ضرورة طي صفحة الأزمة والتأسيس لعلاقة دبلوماسية جديدة، كما لم يتحفظ فيها الحزب الشعبي على مضمونها وكانت جل مناوشاته السياسية مرتبطة أساساً بعدم الرغبة في السماح للحزب العمالي الاشتراكي الاسباني بأن يُسجل في تاريخه أنه هو من قاد الحوار مع المغرب، وأن في عهده كان هناك حوار مع العاهل المغربي انتهى بإعلان اسباني-مغربي تاريخي أسس لكل الشراكة التي يعيشها البلدان والتي مهما تغير لون الحزب القائد لها في اسبانيا ستستمر لأن الأمر يتعلق بموقف للدولة الاسبانية وليس فقط موقفا لحكومة بيدرو سانشيز. وعلى عكس ما قد يتصور البعض على أنه من السهل الانقلاب عليه أو التراجع عنه داخل إسبانيا في حال حدث تغيير سياسي، فإن الاعلان الاسباني المغربي انخرطت فيه حل مكونات الدولة الاسبانية، وكان للملك الإسباني دور كبير في الوصول إليه، إذ كان داعمًا للحوار الذي جرى بين بلده و المغرب. وإذا كانت للملكية هناك أدوار تدبيرية محدودة بموجب الدستور، فإنها تشترك مع الملكية المغربية في كونهما معًا يشكلان عامل استقرار، ولا يمكن تصور انخراط الملكية الاسبانية في هذا الحوار وحضورها الرمزي فيه مع ما تشكله من ثقل تاريخي في الحياة السياسية الإسبانية، دون وجود ضمانات قوية على اعتبار الاعلان هو إعلان الدولة الاسبانية، وحاز على دعم جل القوى المؤثرة، خاصة منها الجيش الذي كان و مازال له حضور وثقل كبير في كل ما يعلق بالقضايا الاستراتيجية. لذلك لا يمكن تصور أن يتم الانقلاب على الإعلان الذي تم توقيعه بين المغرب وإسبانيا بالسهولة التي قد نتصورها.
ما يهمنا قوله هنا هو أن الإعلان الذي تم توقيعه كان باسم الدولة المغربية والدولة الإسبانية، ولم يتم رهنه بلون الحكومة هناك، أو بأي تغيير سياسي قد يحدث، بل الموقف الداعم للحكم الذاتي استراتيجي اليوم داخل إسبانيا لاعتبارات عدة:
إسبانيا عانت وعاشت صعوبة مؤسساتية ودستورية خطيرة بسبب الاستفتاء الأحادي الجانب الذي تم تنظيمه بكاطلونيا، وبالتالي فكلا القطبين الحزبيين يعرفان جيداً تكلفة الانفصال وما يشكله من تهديد حقيقي لوحدة الدول ولأمن المنطقة.
إذا كان المغرب قد انتزع موقفًا سياسيا تاريخيا من اسبانيا، فهذه الأخيرة ضمنت انخراط المغرب الكامل في محاربة الهجرة غير النظامية، التعاون القضائي والأمني، ومحاربة الإرهاب… وبالتالي فالمواقف المُعبر عنها من طرفهما تجيب على القضايا الملحة و الحيوية لكلا البلدين.
ما بعد الإعلان جعل من اسبانيا شريكا حقيقيا للمغرب، كما جعل المغرب شريكا إستراتيجيا لإسبانيا، وهذا المنطق الاستراتيجي في العلاقة بين البلدين يجعلهما معًا يبحثان عن فرص تعزيز هذه الشراكة لا تهديدها.
الحزب الشعبي يعرف المغرب جيدا ويعرف عقليته التي من خلالها يدير وتحكم سياسته الخارجية، لذلك لا يمكن تصوره إلا مستمرًا بنفس الروح الإيجابية تجاه المغرب في حال وصل للحكم.
النقاش الذي يجري اليوم حول الاستحقاقات الاسبانية المغربية هو نقاش طرحته نتائج الانتخابات الأخيرة والمؤشرات التي قدمتها حول تقدم اليمين بقيادة الحزب الشعبي، وهو لا يعني وجود تخوف من وصول الحزب الشعبي، كما لا يعني عدم ثقة المغرب في الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، فنتيجة الاستحقاقات المقبلة هي متروكة للإرادة الشعبية الإسبانية.

لذلك، نؤكد أنه بدل التعبير عن تخوف من أي تغيير سياسي اسباني محتمل، على أن المغرب منفتح على الحزبين معًا، ويحترم نتائج الاقتراع أياً كانت، وملتزم بمضامين الإعلان الموقع بين البلدين ويريد المضي قدمًا مع جارته إسبانيا ما لم تظهر مؤشرات عن وجود رغبة في التراجع عنه و هو ما لا يمكن تصوره حاليًا.