المغاربة حائرون يتساءلون : المغربي من يكون ؟

الجزء الثاني 2/3
المغاربة حائرون يتساءلون : المغربي من يكون ؟
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير دجنبر 2025.
المغرب بحكم موقعه الجغرافي حائر بين الجنوب و الشمال ،حيرة قد لا تجدها في سياسة الدولة القابضة بمقود التوازن بين استشراف اوروبا و اكتشاف العمق الافريقي،لكنها تعاين تجلياتها في سلوك المغاربة و توجهاتهم ،
بين حنين جارف الى الاحتماء بالاصل الامازيغي للتحرر من بؤس وهم العروبة الذي ليس سوى شعار مرحلة القومية المندثرة ، وبين من يرى في الاسلام القدرة على ان يكون اسلوب حياة و نظام حكم ، فحصل ذلك الاقبال العفوي على الشعائر الدينية للإحتماء بها من التحول القادم من الشمال ،ومن اوروبا بالخصوص .
ابناء هذا الجيل ادركوا بالتواصل و الإطلاع و التفاعل مع محيطهم ان اللغة الإنجليزية هي الخيار الوحيد لاقتحام عوالم التكنولوجيا الحديثة بعيدا عن الفرنسية التي تجثم على الإدارة وواجهات المدن ،لكنها لغة عاطفية وجامدة لا تصلح ان تكون معبرا الى التكنولوجيا.
وتدريجيا تحررت السلوكات البشرية للمغاربة من نقاش الحرام والحلال ليعتنقوا عقيدة الربح و الخسارة (!!) ضمن توجه اناني نرجسي يكرس مقولة ” راسي يا راسي “, ايدانا لتفكك العديد من العادات و التقاليد التي تنظم النظام العلائقي بين المغاربة .
وليس غريبا ان تعلو اصوات لا ترى الخلاص سوى في عبور البحر ، فلم يعد حس الاصلاح هاجسا لدى المواطن ، بل اصبح المواطن يرى ان البقاء يحتاج الى انخراط في فساد مستشري و تخلف اداري مسيج بضعف الحقوق في الصحة و العدل والتعليم والامن ،ولدى فإن خيار الرحيل هو الحل الامثل مما يعني ادارة ظهره لقضايا الوطن و الوقوف الى جانب الطبقات المسحوقة ،وكأن هذا السلوك لا يعدو ان يكون من بقايا الشيوعية و الإشتراكية و مبادئ حركات التحرر العالمي و قوى اليسار .
لقد تحول المغرب ضمن التحولات التي تقع حوله وفيه من عالم مغلق الى عوالم تكرس وجودها خارج انظمة الدولة ، وكأن النظام ومؤسساته تحول الى مجرد رمز للوحدة و الانتماء دون ان يعني ذلك انه عامل متحكم في سيرورة المجتمع خاصة في الاقتصاد .
غالبية الساكنة تعيش خارج زمن المؤسسات و تشريعاتها ، لتصبح الضرائب لا تعني سوى فئة قليلة من المجتمع بسبب انتشار الاقتصاد الغير مهيكل ، و التهرب الضريبي . و توسع العزوف عن الممارسة السياسية ، و تقلص جاذبية العمل بالقطاع الحكومي. وصعوبة إنشاء شركة في ظل التغيير البطيئ لتخليق القطاع الخاص .

و تعثر زرع انظمة الحكامة و الشفافية في القطاع العمومي .
وضع افرز لنا اختلالا في النظام الطبقي والفئوي داخل الدولة و المجتمع ، فلم تعد هناك معايير الغنى ،ولا نظام لضبط المعاملات الاقتصادية التي اخترقت كل الطبقات و عبرت كل الحدود وعانقت مختلف العوالم .
وكلما ابتعد المغاربة عن ثنائية الحلال و الحرام في المعاملات ، و غرقوا في نرجسية محكومة بالربح و الخسارة ، تقلصت المواطنة ،وحس الانتماء ،و المصلحة العامة كمرجع في التفكير و الممارسة .
وضع افرز في نتائجه عمق الفجوة العاطفية التي يعرفها المجتمع كالتزايد المهول لحالات الطلاق و انتشار اطفال الشوارع ، وتراجع معيار النزاهة داخل مقر العمل ، وصلة الرحم في الوسط الاسري ، والمبادرة المدنية في الشأن العام الوطني و المحلي …
نحن امام تحول متعدد الاسباب و النتائج ، تحول نجحت الدولة في ضبط ايقاع ديناميته في الدولة .
لكن ما اصبح بارزا للعيان وواضحا لكل متتبع ان المواطن ترك وحيدا ليواجه تلاطم امواج التغيير و تلاحق التطورات التي تبرز ان المغاربة خير الاقوام التي استفادت من نظرية العالم قرية صغيرة.
في الجزء الثالث و الاخير سنحاول ان نقارب الموضوع من زاوية تقديم الخلاصات و الخطوات حتى يتسنى حسن تدبير المرحلة .
فهل تعتبرون ؟ .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*