التهجير القسري في الرباط: قرارات تعسفية تُنسب زوراً إلى جلالة الملك

*التهجير القسري في الرباط: قرارات تعسفية تُنسب زوراً إلى جلالة الملك* 

*فيصل مرجاني*

ما تشهده العاصمة الرباط اليوم من عمليات هدم عشوائية ونزع غير مشروع للملكية ليس مجرد إجراءات إدارية عادية، بل هو تجاوز خطير لكل القوانين والمواثيق التي تكفل الحقوق الأساسية للمواطنين، وانتهاك جسيم لمبادئ العدالة الاجتماعية.

إن ما يجري ليس إلا انعكاساً لنهج متعسف في تدبير المجال العمراني، يتجاهل بشكل صارخ حقوق الأفراد، ويعبث بمصائر أسر بأكملها، دون أدنى مراعاة للآثار الاقتصادية والاجتماعية المدمرة التي يخلفها هذا النوع من القرارات الجائرة.

غير أن الأخطر من ذلك كله، هو الأسلوب الممنهج الذي يتبعه بعض رجال السلطة لتبرير هذه الممارسات، عبر الترويج لمغالطة خطيرة تتمثل في إقحام المؤسسة الملكية في هذه العملية، من خلال ترديد العبارة الشهيرة “الأوامر من الفوق”، في إشارة مباشرة إلى أن القرار صادر عن جلالة الملك حفظه الله شخصياً، في محاولة مكشوفة لاستغلال المكانة السامية للملك في وجدان المغاربة، وإضفاء شرعية زائفة على قرارات تعسفية لا تمت بصلة لرؤية جلالته القائمة على العدل والإنصاف وصيانة حقوق المواطنين.

إن هذه الاستراتيجية التي يعتمدها رجال السلطة، من عامل الرباط إلى أصغر أعوانه، تكشف عن مستوى غير مسبوق من الاستهتار بالمسؤولية، حيث يلجأ هؤلاء إلى الاحتماء خلف رمزية المؤسسة الملكية بدل أن يتحملوا مسؤولياتهم المباشرة في اتخاذ هذه القرارات الجائرة وتنفيذها.

فمن المعروف أن جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، كان ولا يزال المدافع الأول عن حقوق المواطنين، وهو الذي وجه في أكثر من مناسبة بضرورة جعل المواطن المغربي في صلب المشاريع التنموية، ورفض كل السياسات التي تمس بكرامته أو تعرّضه لأي نوع من الظلم. فمن أين يستمد هؤلاء شرعية قراراتهم؟ وبأي حق يزجون بالمؤسسة الملكية في متاهات قرارات لم تكن يوماً جزءاً من التوجهات الملكية التي لطالما أكدت على ضرورة الحفاظ على التوازن بين التوسع العمراني وحقوق السكان؟

إن التقارير التي يتم رفعها إلى جلالة الملك بخصوص هذه العمليات لا شك أنها مليئة بالمغالطات، حيث يتم تقديم صورة زائفة توحي بأن عمليات الهدم تتم في إطار تراضٍ وتوافق بين الأطراف، وأن التعويضات تُصرف وفق الأسعار السوقية، وأن المتضررين استفادوا من سكن بديل يليق بكرامتهم ويحفظ استقرارهم الاجتماعي.

غير أن الواقع يكشف عكس ذلك تماماً، إذ إن الأسر تُهجّر قسراً إلى مناطق نائية على أطراف الرباط، على بعد أكثر من 15 كيلومتراً من مساكنهم الأصلية، دون أي تعويض عادل، وفي غياب أي بدائل تحفظ لهم الحد الأدنى من الاستقرار الذي تقتضيه العدالة الاجتماعية.

إن ما يحدث ليس مجرد نقل سكاني، بل هو تهجير قسري بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يتم بطريقة تفتقر إلى أي بعد إنساني، حيث يتم تدمير حياة الناس وأرزاقهم دون سابق إنذار، ودون أي التزام بأبسط المعايير القانونية التي تحكم عمليات نزع الملكية.

إن عامل عمالة الرباط، ومعه مجلس المدينة بعمدته وأعضائه، يتحملون المسؤولية الكاملة عن هذه الفضيحة، سواء فيما يتعلق بإصدار هذه القرارات التعسفية، أو فيما يخص الترويج لمغالطات خطيرة تمس بمصداقية الإدارة والدولة ككل.

فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُسمح لهذا النوع من الممارسات بأن يستمر تحت غطاء “الأوامر الفوقية”، لأن هذا الادعاء، إضافة إلى كونه تضليلاً ممنهجاً، هو أيضاً إهانة مباشرة للذكاء الجماعي للمغاربة، الذين يدركون جيداً أن جلالة الملك نصره الله ليس من طبيعته أن يتبنى قرارات تتناقض مع فلسفته في الحكم، والتي تقوم أساساً على صيانة الحقوق وتكريس العدالة الاجتماعية.

لذلك، فإن الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، مطالبة بفتح تحقيق جاد وشامل حول هذه الادعاءات، وتحديد من يقف وراء تمرير هذه التقارير المضللة، ومحاسبة كل من تورط في ترويج المغالطات باسم المؤسسة الملكية.

إن المغرب اليوم ليس مغرب القرارات العشوائية والتدبير المزاجي الذي يعصف بحقوق المواطنين دون حسيب أو رقيب، وليس مغرب التجاوزات التي يتم تمريرها تحت غطاء السلطة دون أي اعتبار للعدالة والإنصاف.

فجلالة الملك، منذ اعتلائه العرش، أكد مراراً وتكراراً أن السياسات العامة يجب أن تصب في خدمة المواطن أولاً وأخيراً، وأن كل الأوراش الكبرى يجب أن تكون مشاريع عادلة وشاملة، وليست مجرد ذريعة لإقصاء فئات معينة وتهجيرها قسراً إلى الهوامش.

لذلك، فإن أي مسؤول يزعم أن قرارات الهدم غير العادلة نابعة من توجيهات ملكية إنما هو متورط في تضليل المواطنين ومحاولة استغلال المكانة السامية للملك لحماية قراراته الجائرة.

لقد آن الأوان لوضع حد لهذا التلاعب الخطير، وفتح نقاش وطني صريح حول آليات اتخاذ القرار المحلي، وضمان ألا تُستغل المؤسسة الملكية كشماعة لتبرير الفساد وسوء التدبير.

فالأوامر الملكية كانت وستظل أوامر تحفظ كرامة المواطن، أما هذه التعديات التي نشهدها اليوم، فهي مسؤولية من يتخذها، ومن يمررها، ومن يروج لها، ولن يكون هناك أي مبرر لاستمرار الإفلات من المحاسبة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*