فنجان بدون سكر:
كيف تم دفن لجنة تقصي الحقائق وملف “الفراقشية” في البرلمان؟
بقلم: عبد الهادي بريويك
رُبما لا تحتاج السياسة المغربية اليوم إلى أكثر من مثل شعبي واحد لفهم ما يجري خلف الستار: “اللي سبقك بليلة سبقك بحيلة”.
فالمشهد السياسي، بكل أسف، لم يعد ساحة تنافس حول المصلحة العامة، بل تحوّل إلى سوق “دلالة”.
سوق تُعرض فيه المبادئ كما تُعرض السلع، وتُباع الحقيقة بالمزاد لمن يدفع أكثر، أو يُهادن أكثر.
في خضم الشعارات الرنانة حول الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، بزغ بصيص أمل حين تم الإعلان عن لجنة تقصي الحقائق البرلمانية للنظر في ملف “الفراقشية” – واحد من أكثر الملفات غموضاً وإثارة في السنوات الأخيرة. لكن، كما الشمعة في مهب الريح، انطفأت المبادرة قبل أن يشتعل فتيلها فعلياً.
والسبب؟ ليس قلة الكفاءة أو انعدام الإرادة، بل زحمة الحسابات الانتخابية والانحناءات الحادة لمصالح الأحزاب.
تحالفات على المقاس… والمعارضة “المؤثثة”
ما حدث عملياً هو أن حزباً من الأغلبية قرر “تدوير فائض مرشحيه” عبر إرسالهم إلى حزب محسوب على المعارضة، في مسرحية سياسية باتت مكشوفة للعيان.
حزب “المعارضة الشكلية” لم يمانع في تقمص الدور، والنتيجة: تفاهم على 12 مقعداً مضمونة، حتى قبل أن تبدأ الحملة الانتخابية.
تحالفات تُفصَّل حسب المقاس، وخصومات تُفتعل على المنصات، بينما تحت الطاولة، يجري التفاهم حول تقاسم النفوذ والمكاسب.
غير أن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن حزب التقدم والاشتراكية، ورغم تموقعه في المعارضة، اختار الوقوف في صف الحقيقة، ودافع بشراسة عن لجنة تقصي الحقائق حتى الرمق الأخير.
رفض أن يكون ديكوراً في مسرحية حزبية موسمية، وواجه المدّ السياسي الذي أراد إسكات صوت التحقيق، ولو على حساب الملفات الكبرى.
أحد أطراف المعارضة… رجل المرحلة المقبلة؟
أما الزعيم المفترض للمعارضة، فهو ليس فقط جزءاً من اللعبة، بل أحد مهندسيها.
سياسي يوصف بـ”المحنّك”، لا يطمح لإسقاط الحكومة أو فضح ملفاتها، بل يُراكم النقاط تحضيراً لولاية رابعة، وربما مقعد وزاري في الحكومة المقبلة، ولو كان بحجم “نصف حقيبة” أو “حقيبة ديال التفاهمات”.
في هذا السياق، لا فرق بين موالاة ومعارضة، ما دامت اللعبة تُدار خلف الستار.
حين تُدفن الملفات الثقيلة في صمت
الدرس الأهم من كل ما جرى، أن ملفات مثل “الفراقشية”، حين تدخل دائرة الحسابات والصفقات، تُدفن بلا عزاء. والمبادرات النزيهة تموت في صمت، لأنها ببساطة لا تمتلك ظهرًا سياسياً، ولا تتقن لغة الكواليس.
حتى حين “تسقط البقرة”، لا أحد يأسف عليها، فقط يتغير الجناوة، وتبقى دار لقمان على حالها.
السؤال الحارق: هل من أمل؟
يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع البرلمان، بما فيه من أصوات مخلصة، أن يستعيد دوره الحقيقي؟ أم سيبقى المشهد محكوماً بمنطق اقتسام الكعكة و”بزولة” المناصب؟
“الزمن طويل، والحيلة قليلة”، ولكن الشعب يرى، ويسجل، وقد يتحرك… عندما تنضج اللحظة.