الحكامة المحلية الرشيدة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية
الحكامة المحلية الرشيدة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
عمر المصادي
تعد الحكامة المحلية الرشيدة من الدعائم الأساسية لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة على المستوى الترابي، إذ تشكل الإطار الذي يمكن من خلاله تدبير الشأن المحلي بشكل فعال، قائم على الشفافية والمساءلة والمشاركة، وفي السياق المغربي، تكتسب هذه الحكامة أهمية متزايدة في ظل تنفيذ مشاريع وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، عام 2005، و التي جعلت من الإستثمار في الإنسان حجر الزاوية في المسار التنموي الوطني.
الحكامة المحلية: المفهوم والأسس،
تشير الحكامة المحلية إلى مجموع الآليات والعمليات التي تتيح للجماعات الترابية تسيير شؤونها بكفاءة، عبر:
-تعزيز الشفافية في اتخاذ القرار وتدبير المال العام؛
-تفعيل مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في صياغة السياسات العمومية المحلية؛
-اعتماد التقييم المستمر وربط المسؤولية بالمحاسبة؛
-تخطيط وتنفيذ المشاريع بناء على الحاجيات الحقيقية للسكان.
هذه المبادئ لا تعتبر فقط شعارات نظرية، بل أدوات عملية تؤثر مباشرة في نجاح أو فشل السياسات المحلية، وخاصة تلك المتعلقة بمحاربة الفقر والإقصاء الإجتماعي.
اما المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فهي رافعة للتنمية وإدماج الفئات الهشة.
وقد جاءت كإجابة استراتيجية على تحديات التنمية الإجتماعية، حيث وضعت هدفا مركزيا يتمثل في تحسين ظروف عيش المواطنين وتمكينهم من وسائل الإندماج الإقتصادي والإجتماعي.
وقد مرت هذه المبادرة بثلاث مراحل، تميزت المرحلة الثالثة منها باعتماد مقاربة أكثر تركيزا على العنصر البشري، من خلال أربعة برامج أساسية:
-دعم التعليم الأولي والصحة للأم والطفل؛
-الإدماج الاقتصادي للشباب؛
-تحسين الدخل للفئات الهشة؛
-الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة.
التقاطع بين الحكامة المحلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
لقد أظهرت التجربة الميدانية أن نجاح مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية رهين بمستوى نضج الحكامة المحلية، فالجماعات الترابية تضطلع بدور محوري في تنزيل البرامج، وهو ما يتطلب منها:
-التوفر على آليات تشاركية فعالة تسمح بإشراك الساكنة في التشخيص والتخطيط؛
-تنمية قدرات الفاعلين المحليين من منتخبين وأطر إدارية؛
-تأمين الشفافية في إسناد وتنفيذ المشاريع التنموية؛
-وضع آليات لتتبع وتقييم الأثر الإجتماعي والإقتصادي للمشاريع المنجزة.
تحديات وآفاق:
رغم المجهودات المبذولة، فإن تحقيق حكامة محلية ناجعة لا يزال يواجه عدة تحديات، من بينها:
-ضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين على المستوى المحلي؛
-محدودية الموارد البشرية المؤهلة داخل الجماعات؛
-غياب ثقافة التقييم وربط الأداء بالنتائج.
غير أن التطورات التي يشهدها المغرب في مجال الجهوية المتقدمة، إلى جانب التقدم الرقمي وارتفاع الوعي لدى المواطنين، تفتح آفاقا واعدة لتحسين الحكامة وتجويد أثر المبادرة الوطنية.
إن الرهان على التنمية البشرية لا ينفصل عن الرهان على حكامة محلية فعالة، فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لا يمكن أن تحقق أهدافها الإستراتيجية إلا من خلال تعبئة كافة الفاعلين المحليين، وإرساء ثقافة التدبير الرشيد، وتكريس دور المواطن كشريك فاعل في صناعة القرار التنموي، فبقدر ما تتحقق الشفافية والمشاركة، بقدر ما تترسخ التنمية العادلة والمنصفة.
وباختصار يمكن أن تشكل الحكامة المحلية الرشيدة ركيزة أساسية لضمان نجاح السياسات التنموية، وفي مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة وتحقيق العدالة الإجتماعية، وعليه فإن ترسيخ ثقافة الحكامة الجيدة يظل شرطا ضروريا لتحقيق تنمية بشرية مستدامة، يكون المواطن محورها وغايتها.